سقطت الأوراق التى حملتها الأغصان طوال عمرها، وهم صال وجال بمخيلة هذه الأغصان يوم أن اعتقدت ان هذه الأوراق لن تسقط. حيث جاء الزارع بماء الحياة من بعيد، واجتهد حتى جاء بالبذور التى اعتقد انها صالحة، وغرس البذور واعتنى بها وانتظر كثيرا حتى ظهر النبت الذى صار أشجارا تمتلك من الأغصان الكثير. كل هذا والزارع ينتظر ولكنه فؤجى بالاوراق تتساقط واحدة تلو الأخرى حتى كانت الصدمة الكبرى عندما فوجئ بغياب الثمر ثم سقوط هذه الأشجار واحدة تلو الأخرى. انهارت الأحلام وضاعت الأمانى فى لحظة وكأن شئ لم يكن غير الحسرة والندم. وكأنه وهم لم ينتج عنه الا وهم، فراغ كبير قد ابتلع كل الجهد والوقت والمال فهم والعدم سواء. جلد الزارع نفسه دون فائدة تذكر، سكب همه فى قلبه دون جدوى، ذرف من دمه دموعا فى اناء كتب عليه كل شئ فان، كان الاناء من زجاج هش ضعيف سرعان ما اتضح معه الغباء الذى كان هو عنوان حقيقة الواقع الأليم. كانت حقيقة الفشل تخرج من مستنقع غباء الزارع عندما اختار وبارادته الغير مطلقة الأرض القاحلة التى فقدت كل عناصر الحياة، ظن وما كان الا ظن منه وابتعد عن الواقع وحلق فوق مستنقع غبائه، هذا هو حال الزارع الغبى الذى ان لم يخطأ لكان الخطأ حليفه ، وان أخطأ كان الخطأ فادحا. زارع كانت زراعته ما بين الحنظل والحنظل وما بينهما من أشواك سامة قاتلة. عاش زارعنا فى وهم ومات حيا فى وهم وما بينهما وما بعدهما ما كان الا حصاد ما جنته يداه. فرجعية الوهم وجهالته لن تكون الا فى اللحظة الأولى، لحظة الاختيار الخاطئ وما تلاها من أفعال غمرها الخطأ المرير. زراعنا فاشل من بداية رحلته وحتى نهاية هذه الرحلة، فهو لم ولن يتعلم من اخطائه فهو والخطأ متلازمتان يعلوهما الخطأ ويحيط بهما الخطأ. زارعنا حزين بفشله المترتب على خطأه، وكأن الحزن هو نهايته المحتومة قبل ان يكون هو بدايته المشئومة. لك الله بأخطائك وبفشلك المنعدم النظير.
حال زارعنا هو حال الكثيرين منا، عندما يخطئ فى اختياراته يعود علينا بكامل همومه ليوزعها بغباء منقطع النظير. غباء ضم بين طياته كل ما هو سيئ من اخلاق وأفعال لا يقبلها أى عقل أو منطق أو دين أو أعراف، لما ينفخه فى مجتمعه من أمراضه النفسية التى أصابته على أثر أخطائه القاتله. فزارعنا كمن أمتهن مهنة غير مدرك أبعادها، فهو كذا وكذا دون أى علم أو دراية فهو كمن أعجبه لقب الطبيب فذهب الى هذه المهنة يتعلمها بجهل وجهالة حتى انتهى به الأمر الى احداث اصابات فادحة بالكثير من البشر. كما أن زارعنا هذا يذكرنى بمن اعجبه لقب كيميائى فهداه عقله المريض الى اقتباس المعادلات الكيميائية من هنا وهناك دون فهم ووعى لأسسها والغاية من صياغتها والمعانى الفيزيائية قبل الكيميائية لصياغتها وخطوات هذه الصياغة، حتى انتهى به الامر الى تدمير نفسه وكل المحيطين به، كهذا الذى أراد الحصول على حمض الكبريتيك المخفف من أصل الحمض المركز. فعندما اراد تخفيف الحمض المركز، جاء بالماء واضافه على هذا الحمض المركز دون أن يدرك أن العكس هو ما كان يجب أن يكون وأن للأشياء ترتيب وأسس يجب أن تتبع، لانه وعند عدم اتباع تلك الأسس سوف ينقلب السحر على الساحر وسوف ينفجر الاناء فيه وفيمن حوله وسوف يحدث من الاصابات الشديدة الخطورة ما لم يحمد عقباها. اختيار سيئ من من أخذ بظواهر الأمور دون أن يفتش فى بواطنها، ولأن العلم ومفاهيمه ليست فقط فى الكلمات الصماء والسطور التى سطرها لنا العلماء ولكن فى مدى بلاغة هذه الكلمات والسطور. فاتباع النواميس والأعراف بعد معرفة لوائحها التنفيذية ومن قبل كل هذا وذاك معرفة اللوائح التمهيدية المؤدية الى صدور أى قانون علمى أو حقوقى، هو أمر هام للغاية كى تستقيم الحياة الطبيعية. فالاختيار القائم على أسس واهية واسكاب النص العلمى فى غير موضوعه، هو اختيار سيئ وغبى لما فيه من دمار ممتد الأثر حتى وان لم تظهر آثاره فى حينه و وقته.
أما الاختيار الجيد والحسن لأى موضوع أو أى مهنة لن يكون الا من خلال الفهم الجيد لما نريد، فالوعى هو القوة الدافعة والداعمة لنجاح كل أمر صغيرا كان أو كبيرا. فالرغبة فى امتهان أى مهنة لا تكفى ولكن احاطتها بالصبر وتحمل الصعاب من أجل الوصول الى ماهية هذه المهنة هو أصل هذه المهنة، لأنه ان لم تقبع على نفسك طويلا بالفحص والدرس فى مهنتك فلن تكون الا زارعا فاشلا، ولن تحصد غير الحسرة والندم على ما فات والتألم فيما هو أت. فسيكولوجية الأختيار تكمن فى بلاغه كلمات وسطور النص المتناول.