فى حظيرتنا المترامية الأطراف تجد عجب العجاب، حيث تختل قوانين الطبيعة وينحرف مؤشر ميزانها وتجد من يدعى أن مياة النهر تصعد من أسفل الى أعلى، وأن الأشياء كل الأشياء لا تخضع لقانون الجاذبية الأرضية وكأننا على سطح أركان قمر مظلم. فى حظيرتنا لا تسقط الأقنعة الا بعدما يفترس الذئب الحمل وبعدما يكشر عن هالوكية وجه القذر وبعدما يطغى خطأ الجانى على وهمية أن الخطأ من الضحية أو المجنى عليه. هذا لأن الذئب وما يرى لم ولن يخطأ أبدا فى حين أن الحمل دائما وأبدا هو المخطأ والمذنب الوحيد فى حظيرة غلب على أرضها خداع ذئابها وتخلل كل زرعها هالوك شرش دمر كامل كيانها.
فى حظيرة الأمل أو كما كنا نعتقد أنها هكذا، وعلى ضفاف أنهار هذه الحظيرة اصطدمنا بوجود كائنات كنا نتصور أنها ابداعيه وأن أفكارها ابتكاريه، ولكننا وجدنا ذئابا متسللة كعادتها لتفترس بخداعها كل حمل وديع تعثرت خطواته حتى جاء به حظه العثر أمام هذه الذئاب المتوحشة. ففى حظيرة الأمل المفقود، وفى ظلمة الليل الدامس تسلل ذئب حقير الى الحظيرة المنظورة واختبئ وراء أشجارها، حتى بزغ شعاع فجر يوم جديد وتحلت الدنيا بضياء نهار أبيض جميل، وحتى خرج الحمل الوديع من مأمنه ليرتوى بماء النهر. وما لبس أن بدأ الحمل فى ارتشاف بعض قطرات الماء، الا وكان الذئب عند رأسه، ودار بينها حديث عبثى عقيم دائما ما يدور مع دوران كل مكان و زمان. بدأ الذئب بحديث حسن حتى لا يهرب منه الحمل وحتى يشبع ناظريه بسذاجة وطيبة ضحيته، وما ان استقى منه ما يريد واطمئن له الحمل الوديع، الا وكان الطبع غلاب من سياسة ذئبية قامت فحوها على تهميش الأخرين والنيل منهم بل والتنكيل بمقدراتهم عند السيطرة على أمورهم. احتدى الحديث بين الذئب والحمل، واستدرك الذئب أدراكه وهاجم الحمل بقوله ” ألست أنت من عكرت على صفو مياة النهر منذ عام”، فرد الحمل قائلا ” كيف هذا وأنا ابن الستة شهور. فأردف الذئب قائلا ” اذا فالذى عكر مياة شربى هو أبوك” ، فتعجب الحمل وقال ” كيف هذا وأنا يتيم وقد مات أبى قبل ولادتى”. فاستدرك الذئب أقواله وقال ” اذا فهو عمك” فأكمل الحمل قائلا ” كيف هذا وليس لى أعمام” فاستشاط الذئب غيظا وقال ” اذا فهو جدك” وانقض على الحمل وأكله، وهكذا يختلق القوى الذنوب على الضعيف ليهلكه بعدما تسقط كل الأقنعة وتتكشف كل الوجوه القبيحة وتنال منا بهالوكيتها المتطفلة. هذا ويغفل كل جاهل جهول مغرور بقوته ، المتعددة الصور والأشكال، أن هناك من لا يخاف الا من الواحد القهار وهناك أيضا من لا يجد نفسه ضعيفا حتى وان شحت امكانياته الدفاعية لاعتماده على رافع السماء بلا عمد ولايمانه الكامل أنه ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى.
ولكى تكتمل صورة حظيرتنا، كان لنا فى الهالوك حكاية أخرى، استلزمت فرض نفسها على واقع قد غمرته مغامرت استنزاف الطاقة والعبث بمقدرات الأخرين. فالهالوك قد اكتسب العديد من الأسماء والأشكال والصور والتى منها الجَعْفِيل أو السَبْع أو الحَامُول أو أسد العدس أو خانق الكرسنة أو شيطان البرسيم أو خبز الأرنب أو عشب الثيران. فالنبات الزهري الطفيلي الملقب بالهالوك أو بخانق الفصيلة الفراشية يتبع الفصيلة الجعفيلية أو الهالوكية ورتبته تقع ضمن ذوات الفلقتين. فالهالوك من الأعشاب المعمرة الضارة غيرية التغذية التى تتطفل خارجياً، وإجبارياً على المحاصيل الزراعية، وعلى كثير من الأعشاب التابعة لمختلف الفصائل النباتية وخاصة الفصيلة البقولية ( الفول) إضافة إلى محاصيل من فصائل أخرى مثل البندورة التي تتبع الفصيلة الباذنجانية. حيث تنبت بذور الهالوك عند توفر الرطوبة مكونةً انبوبةً تلتصق بالجذور الثانوية للعائل ثم ترسل ممصات لداخل الجذر وتتعمق فيه حتى تصل إلى الأنابيب الوعائية فيتغدى وينمو ويكون شمراخاً زهرياً أو أكثر. تتفتح الأزهار – وهي ذات لون بنفسجي أو بني – وتنتج عدداً كبيراً من البذور التى تعود بطبيعتها الى أرض حظيرتنا فتعظم من فسادها وافسادها من خلال مزاحمة الهالوك النباتات الاقتصادية على احتياجاتها الغذائية.
وعندما تمتلئ الحظيرة المثالية بالذئاب البشرية وبالهالوك البشرى، فلا تنتظر من هذه الحظيرة أى خير سوى دخان خراب غالبا ما يعلو سماء هذه الحظيرة ويلوث مياة أنهارها ناهينا عن وجود هلاك اقتصادى لن ينحو أى أحد من السباحة فى ظلام بحاره ومحيطاته المنعدمة الشواطى. وبسقوط الأقنعة وهالوكية الوجوه نتيجة انتشار كل من الذئاب البشرية والهالوك البشرى، سوف ينعدم أثر حظيرتنا من الوجود.