بقلم: أ. د. نصرالله محمد دراز
أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى
[[ المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر ]]
هناك فرق كبير بين العلم والمعرفة. فالعلم عبارة عن إدِراك الشيء بحقيقته من خلال عدة مفاهيم وقوانين متسلسلة ومترابطة مع بعضها اعتمادا على التجارب أو الملاحظات لشئ معين. فى حين تعنى المعرفة العلم بالشئ من خلال حصيلة التَّعلمُّ عبر العصور شاملة فى ذلك مختلف العلوم والمجالات والمعلومات التي توصل إليها الأفراد على مر التاريخ. ودلالة هذا أن المعرفة تشمل العلم والعكس غير صحيح بمعنى ان كل علم معرفة وليست كل معرفة علم. فالعلم في تطور مستمر وله أدواته الخاصة علاوة على كونه عالمى شمولى تراكمى قابل للتعديل يتأثر بالمجتمع ويؤثر فيه. أما المعرفة يمكن الوصول اليها عن طريق الخبرات والتجارب السابقة والتقاليد والأعراف والتجريب أو الاستدلال والقياس.
فلهذا العلم وهذه المعرفة سفراء ملئت سمعتهم أرجاء الأرض وبلغت منزلتهم عنان السماء فهم علماء كرمهم ربهم فيما أنزل من كتب سماوية ” يرَفعَ الله الذَّيَن آَمنوُا مْنُكْم والذَّيَن أوُتوُا الْعْلمَ دَرَجاتٍ والَّله بمِا تعَملوُن خبيِر (المجادلة ، 11 “(وكرمهم الأنبياء ضمن حديث طويل” إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يوِّرثوا ديناًرا ولا درهًما، إَّنما وَّرثوا العلم، فمن أخَذه أخذ بحظٍّ وافر”.
سفراء الكلمة الطبية
السفير هو الموظف الدبلوماسي الأعلى الذي يترأس سفارة لتمثيل بلاده في الخارج ولمرتبة السفير عدة أنواع ٬ أكثرها شيوعا وأعلاها مرتبًة هي “سفير فوق العادة ” لأنه عادة ما يكون له صلاحية مطلقة فى معظم الشؤون التى تخص دولته. فى النهاية، نجد أن ماهية عمل السفير تكمن فى الحفاظ على كل ما يخص دولته ساعيا الى اعلاء شأنها فى المجتمع الدولى. وهنا نجد أن سفراء العلم والمعرفة هم سفراء فوق العادة للبشرية كلها خرجوا من محيط وحدودية دولهم الى اعلاء الشأن الدولى والبشرى بصفة عامة. دلالة هذا أن سفراء العلم والمعرفة فى الظاهر يمثلون دولهم ولكنهم فى الحقيقة هم ممثلى البشرية جمعاء.
فالسفير الدبلوماسى العادى أو من هو فوق العادى تنتهى دبلوماسيته بانتهاء مدة خدمته أم سفير العلم والمعرفة لاتنتهى مهمته أبدا ولا حتى بموته. فى حقيقة الأمر، سفراء العلم المعرفة هم ورثة الأنبياء، هم من ينقبون عن كنوز العلم، ويزرعون بذور المعرفة ويرعونها حتى تصبح أشجار قوية ينال من ثمارها القاصى قبل الدانى، والمؤيد لهم والمعارض. سفراء العلم والمعرفة هم الكلمة الطيبة فى الأرض، قال تعالى ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون (25) (سورة ابراهيم)”. فهم أصول ثابته أراد الله لها البقاء فى الأرض وجعل لها فروعا بلغت عنان السماء وأسقط ثمارها على الجميع فاستفاد منها الصغير قبل الكبير.
أسس وقواعد عمل سفراء العلم والمعرفة
هناك من القوانين والقواعد ما يجعل هؤلاء السفراء شموعا تحترق من أجل اضاءة الطريق أمام الأخرين كل الأخرين دون تفرقة أى تفرقة قائمة على دين أو جنس أو لون. هم يلقون بالبذور ولاينتظرون الحصاد فغالبيتهم ولنا أن نقول كلهم يبنون ويعمرون فى كل جوانب الحياة. ولكن ماهى القوانين والقواعد التى غرست فيهم كل هذا الخير والسعى وراء البناء، انها النواميس الالهية المتمثلة فى الأديان فها هو الدين الاسلامى الحنيف يضع قواعد هذا الخير فى سفراء العلم والمعرفة: (1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قوة دافعة وطاقة هائلة لسفراء العلم والمعرفة، لعلماء الكلمة الطيبة. (2) والقائل في طلاب العلم ” من سلك طريًقا يبتغي فيه علًما سلك لله به طريًقا إلى الجنة” كما رواه مسلم، والقائل:” إن الملائكة لَتضُع أجنحَتها لطالب العلم رِضًا بما يصنُع” كما رواه أحمد وابن حبان والحاكم. (3) قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:28]. دلالة قوية وصريحة على أن العلماء هم أكمل الناس خشية لله وأكملهم تقوى لله وطاعة له سبحانه وعلى رأسهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. أسس جاءت من الخشية الكاملة لسفراء العلم والمعرفة من الله اعتمادا على ما علمهم الله تعالى وما نما اليهم من معارف جعلتهم أكثر خضوعا لقدرة الله عز وجل. خشية فرضت عليهم الرسالة رسالة التبليغ عن الله تعالى لأنهم ورثة الرسل والأنبياء. أسس رسمت لهم الطريق الى الجنة بقدرة الله تعالى لما يبذلوه من جهد ضخم ووقت كبير فى اكتشاف الحقائق وتفسيرها تفسيرا منتظما يتفق مع المنطق والعقل المؤدى الى الوصول الى أعلى درجات العبودية لله عز وجل. أسس بنيت على ديمومة المهمة وقوة تأثيرها فى حياتهم وبعد مماتهم وذلك فى العلم الذى ينتفع به دائما وأبدا.
سفراء العلم والمعرفة هم من فجر التاريخ
كانت الغالبية العظمى لاتدرك حقيقة وجودها على الأرض حتى جاءهم الرسل والانبياء ومن بعدهم وراثتهم من العلماء والباحثين الموحدين المؤمنين. وعلى الجانب الأخر، كان العالم فى الغرب لايدرك خطاه، وكان الكثيرون يتخبطون فى ظلمات الجهل والبدائية فى حين كان علماء الشرق ينعمون بنور العلم والمعرفة بعد هداية الله لهم. ففى القرن السابع عشر، كان كانت العلاقات الدبلوماسية قنوات جديدة ومتجددة للتبادل الثقافى العلمى والمعرفى وكان التقدير والاحترام الكامل لعلماء الشرق لسبقهم وتقدمهم فى الكثير من العلوم . كان علماء الغرب هم من يسعون سعيا حثيثا للأخذ من خبرات سفراء العلم والمعرفة فى الشرق. ولقد اتضح هذا جليا من خلال سجلات الجمعية الملكية كأول أكاديمية علمية حديثة أسست عام 1660م فى لندن حيث ضمت عضوية هذه الجمعية كل من سفيرى المغرب (محمد بن جدو، 1682 & محمد بن على أبجالى، 1726) وسفيرليبيا (قاسم بن أغا، 1728) نظرا لما أسهموا به من علم استفاد منه علماء الغرب. ومن قبلهم فى العصر الذهبى للعلوم كان هناك الكثيرين من علماء وسفراء العلم والمعرفة فى المشرق ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ابن سينا والرازى فى الطب والمقريزى فى الهندسة والخوارزمى فى الجبر والرياضة وابن البيطار فى الصيدلة وابن حيان فى الكيمياء….الخ. وفى العصور الحديثة عصر النانوتكنولوجى والفيمتو ثانية كان زويل والباز وغيرهم الكثيرين. بالاضافة الى كل هؤلاء من مشاهير العلماء، هناك سفراء أخرون يعملون فى صمت فى الجامعات والمراكز البحثية وتحدثنا عنهم أبحاثهم العلمية والمعرفية فى شتى ميادين العلم والمعرفة. هؤلاء المجاهدين فى الميادين المخلتفة للعلم والمعرفة يرفعون لواء بلدانهم من المشرق فى قلب الميادين العلمية المتقدمة فى الغرب والتى نحاول اللحاق بركبها. وكأن سفرائنا من المشرق يؤكدون فى كل يوم أنهم أحفاد أجدادهم العلماء من علماء العصر الذهبى للعلوم.
العلم والمعرفة ثروة من لا ثروة له
بالعلم والمعرفة تزداد ثرواتك الفكرية والايمانية وقد تكون المالية. فان كانت تاجرا ولديك من العلم والمعرفة ولو قدرا بسيط فى المجال التجارى فستحقق أعلى الأرباح وان كنت على علم ومعرفة لما يحيط بك من أشياء فستفهم وبحق قدرة الحق فى خلقه وسترقى لأعلى مراتب الايمان الى غير ذلك من التخصصات والمجالات.
سمات سفراء العلم والمعرفة
قال الإمام على بن أبى طالب ، اثنان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال. دائما وأبدا سفير العلم والمعرفة لايشبع من البحث والتنقيب عن كنوز علوم الحياة هذا على الرغم من علمه اليقينى أنه لن يصل الى أخره ،قال تعالى ” وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” (الاسراء: 85) ولكنه على الرغم من هذا لا يكل ولا يمل ولكنه يحارب وبقوة للوصول للمزيد وهو متأكد أن ما عند ربه أكثر وأكثر. ومن هنا سعى سعيا حثيثا مضحيا بكامل جهده ووقته وماله طالبا المزيد من العلم والمعرفة لتعمير الأرض كما أمره ربه، قال تعالى ” وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ” (طه: 114).
أ.د. نصرالله محمد دراز ، أستاذ كيمياء المواد النانوية المتقدمة والحفز المركز القومى للبحوث- الدقى – القاهرة- مصر