نجحت شركة “فايرفلاي أيروسبيس” في تحقيق إنجاز بارز في مجال استكشاف الفضاء الخاص، إذ تمكنت مركبتها غير المأهولة “بلو غوست” من الهبوط بنجاح على سطح القمر، ما يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز دور الشركات الخاصة في استكشاف الفضاء.
وقد هبطت المركبة ذات الأرجل الأربعة، التي تعادل في حجمها سيارة صغيرة، يوم الأحد الماضي بالقرب من فوهة بركانية قديمة في “مار كريسيوم”، وهو حوض قمري واسع يقع على الجانب القريب من القمر. كما حملت المركبة 10 حمولات علمية مخصصة لإجراء تجارب بحثية على مدار الأسبوعين المقبلين، قبل أن تواجه درجات الحرارة القاسية لليل القمري.
حقبة جديدة من الهبوط على القمر
بهذا الإنجاز، أصبحت شركة “فايرفلاي أيروسبيس” ثاني شركة خاصة تحقق هبوطا ناجحا على سطح القمر، وذلك بعد نجاح مركبة “أوديسيوس” التابعة لشركة “إنتويتيف ماشينز” عام 2024. إلا أن “فايرفلاي” تؤكد أنها أول شركة تنفذ هبوطا سلسا متكاملا دون أن تتعرض أيّ من أجهزتها للضرر، هذا لأن مركبة “أوديسيوس”قد انحرفت زاوية هبوطها مما أثّر على أداء بعض أجهزتها العلمية لاحقا.
ووفقا لوكالة رويترز، أكد ويل كوغان، كبير المهندسين في مشروع “بلو غوست”، نجاح الهبوط بعد أن نزلت المركبة بسرعة لم تتجاوز 2.3 كيلومتر في الساعة، مما أثار فرحة كبيرة داخل غرفة التحكم في المقر الرئيس للشركة.

كما أن الرحلة إلى القمر استغرقت شهرا ونصف الشهر، حيث سلكت المركبة مسارا دائريا حول الأرض قطع مسافة 4.5 مليون كيلومتر، قبل أن تصل إلى سطح القمر عقب إطلاقها على متن صاروخ تابع لشركة “سبيس إكس” من مركز كينيدي للفضاء التابع لوكالة ناسا.
ومن المقرر أن تعتمد المركبة على ألواحها الشمسية لتزويد أجهزتها العلمية بالطاقة، وذلك لدراسة سطح القمر خلال يوم قمري كامل -ما يعادل 14 يوما أرضيا-، قبل حلول الليل القمري، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى 173 درجة مئوية تحت الصفر.
السباق نحو القمر يزداد احتداما
يأتي نجاح “بلو غوست” في وقت تتصاعد فيه المنافسة العالمية على استكشاف القمر، حيث بات كلّ من الحكومات والقطاع الخاص يؤديان دورا متناميا في هذا السباق. وقد نجحت خمس دول سابقا في تحقيق هبوط سلس على سطح القمر، وهي: الولايات المتحدة، الصين، روسيا، الهند، واليابان.
وتسعى كل من الولايات المتحدة والصين إلى إرسال رواد فضاء إلى القمر خلال العقد الجاري، إذ تخطط “ناسا” لتنفيذ أول هبوط مأهول ضمن برنامج “أرتميس” بحلول عام 2027، بينما تستهدف الصين عام 2030 لإنجاز مهمة مماثلة.
وقد حصلت “فايرفلاي” على عقد بقيمة 101 مليون دولار من برنامج الخدمات التجارية لنقل الحمولة القمرية (CLPS) التابع لوكالة ناسا، والذي يهدف إلى تحفيز القطاع الخاص على الانخراط في استكشاف القمر، من خلال خفض تكاليف المهام وجعلها أكثر تكرارا. وتسعى دول أخرى مثل الهند، اليابان، وأوروبا إلى تبني نماذج مشابهة، من خلال تمويل شركات الفضاء الناشئة لتوسيع حضورها في مجال الاستكشاف الفضائي العميق.
العلم والاستراتيجية خلف المهمة
تحمل “بلو غوست” مجموعة من الحمولات العلمية التي تهدف إلى تحليل سطح القمر وبيئته، ومن بين هذه التجارب، ثمّة تجربتان رئيستان من تطوير شركة “هاني بي روبوتيكس” (إحدى الشركات التابعة لـ”بلو أوريجن”)، إذ ستعملان على دراسة خصائص التربة القمرية وقياس درجات الحرارة تحت السطح، مما سيوفر مفاهيما جديدة حول الخصائص الحرارية للقمر.
بالإضافة إلى ذلك، تحمل المركبة كاميرا “استريو” طورتها مركز “لانغلي” للأبحاث التابع لناسا، والتي ستعمل على تحليل كيفية انتشار الغبار القمري عند الهبوط، وهو عامل أساسي في تصميم المهام المستقبلية المأهولة لضمان هبوط أكثر أمانا.

وقد أكدت جانيت بترو، المديرة المؤقتة لناسا، أن استكشاف القمر لا يزال أولوية استراتيجية، رغم الجدل المستمر حول إمكانية تحويل التركيز نحو استكشاف المريخ. ففي الوقت الذي يدعو فيه إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة “سبيس إكس”، إلى استعمار المريخ بسرعة، هناك نقاش مستمر حول ما إذا كان يتوجب على السياسة الفضائية الأمريكية التركيز على القمر أم تسريع وتيرة السفر بين الكواكب. ومع ذلك، شددت بترو على أن القمر سيظل حجر الأساس في طموحات الولايات المتحدة الفضائية، باعتباره بيئة تجريبية أساسية للبعثات الفضائية العميقة.
يبرز نجاح “بلو غوست” الدور المتنامي للشركات الخاصة في استكشاف الفضاء، فإلى جانب “فايرفلاي”، تعمل شركات مثل “إنتويتيف ماشينز” و”بلو أوريجن”، وشركة “آي سبيس” اليابانية على تطوير مركبات هبوط قمرية، مع خطط لإطلاق المزيد من البعثات خلال السنوات القادمة. ويعكس إنجاز “فايرفلاي” إمكانية تنفيذ مهام قمرية منخفضة التكلفة وعالية التكرار، مما يمهد الطريق لمزيد من التعاون بين الجهات الحكومية والشركات التجارية.