في عام 2007 كان الناس في جميع بيوت مدينة سيدني الأسترالية يضعون أصابعهم على أزرار المصابيح، بمجرد أن دقت الساعة معلنة الثامنة والنصف مساء في اليوم الأخير من شهر مارس ضغط الجميع الزر، وغرقت المدينة في الظلام.
هذا الحدث الجماعي لم يكن مرتجلاً أو وليد اللحظة، بل كان ثمرة ثلاث سنين من الجهد المتواصل، عندما اجتمع القائمون على الصندوق العالمي للطبيعة في أستراليا مع وكالة الإعلانات ليو بورنيت سيدني في نقاش يحاول بجدية إيجاد أفكار لتحويل قضية تغير المناخ من قضية نخبوية لا علاقة لها بحياة الناس إلى قضية شعبوية حقيقية، يحمل الناس همها، ويفعلون بأنفسهم شيئاً لأجلها، لتحدث أول “ساعة أرض” في العالم.
تمتد هذه الساعة بالضبط مع دق الساعة للثامنة والنصف مساء حتى التاسعة والنصف بالتوقيت المحلي لكل دولة، ستون دقيقة ليست كثيرة على هذا الكوكب، هذه الفكرة أدخلت الكثير من الناس لأول مرة في معركة التغير المناخي، وجعلتهم يدركون لأول مرة أهمية التقليل من انبعاثات الكربون، وتقليل استهلاك الطاقة، وخطر الاحتباس الحراري، وضمت المسئولية عما يحدث للأرض إلى اهتمامات الناس العاديين.
بعد ما حدث في سيدني، قررت ولاية سان فرانسيسكو أن تجرب أيضاً نفس الأمر في أكتوبر لنفس العام، وكان حدثاً ناجحاً أيضاً شارك فيه الكثير، بعدها قرر المنظمون أن يطبقوا “ساعة الأرض” في العام القادم.
الفكرة التي لا تتوقف: كرة الثلج تنمو بسرعة كبيرة
استقطب هذا العدد أكبر من المتوقع، ففي العام التالي كانت 26 مدينة رئيسية تطفئ أضواءها في هذه الساعة، بالإضافة إلى 300 مدينة صغيرة، وانطلقت حملاتها في العالم تحت أسماء مميزة مثل “مدينة مظلمة، فكرة متوهجة”، وفوق هذا فقد اجتذب العديد من الأسماء اللامعة مثل أوبرا وينفري في برنامجها الشهير وقناة السي إن إن وكثير من القنوات الإخبارية التي قدمت عنها التغطيات، ليفاجئ الناس في الولايات المتحدة وكولومبيا والدنمارك وإيرلندا وإنجلترا بصفحة جوجل الرئيسية بخلفية سوداء تماماً تقول “نحن أطفأنا الأنوار. الآن هو دورك-ساعة الأرض”!
بعد ذلك خلال الأعوام الثماني التالية، انطلقت حملات بأسماء وأفكار مميزة، لتصل إلى عدد أكبر من الناس، مثل “صوتوا للأرض” في عام 2009 والتي أطلق عليها أول تصويت عالمي في العالم، وهدف إلى ضم حوالي مليار شخص، بينما في عام 2011 الذي شهد طفرة في تمدد الفكرة قام موقع (يوتيوب) الخاص بالفيديوهات بتغيير اللوجو الخاص به ليناسب هذا اليوم، كما أضاف ميزة جديدة لأول مرة تشبه زر غلق وفتح المصابيح، والذي يستطيع المستخدمون به أن يغيروا الخلفية من البيضاء إلى السوداء، كميزة رمزية تعبر عن هذا الساعة.
في عام 2012 انطلقت الحملات في مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة عالية لأول مرة، تحت اسم “سوف أفعل إن فعلت” انطلقت الحملة عبر الفيس بوك وتويتر وجوجل بلس والبريد الإلكتروني، ودعت كل واحد ليبدأ الآن بما يستطيعه لحماية الكوكب والبيئة، وأنه سيلهم بذلك دائرته القريبة من أصدقاء أو أهل، ليفعلوا مثله، إن ذلك أشبه بالعدوى الطيبة.
يشارك في حملة هذه السنة ملايين الناس من 7000 مدينة في 172 دولة في أرجاء العالم، في هذه الساعة، ليضغط الجميع الزر في هذه اللحظة معاً، وينزعوا قوابس الكهرباء لكل جهاز إلكتروني غير هام، ويعلنوا أنهم يصطفون جميعاً في المضمار الذي كان خالياً تماماً قبل هذا، لقد دقت القضية أبواب ملايين البيوت.
الأمر يغدو أكثر إثارة عندما تعرف أن هناك بعض أشهر المعالم العالمية التي سوف تشارك ككل سنة في حملة هذا العام الذي سميت “غير تغير المناخ”، الزوار إلى هذه الأماكن، لن يصدقوا أعينهم وهم يرون هذه الصروح العظيمة وهي مظلمة تماماً ومطفأة الأنوار، تخيل أن تشاهد برج إيفل وساعة بيج بن حالكي السواد، ليسا وحدهما، بل تنضم إليهم مبانٍ مليئة بالحياة والتوهج مثل كاتدرائية القديس باسيل في موسكو، ملعب بكين الوطني في الصين، جسر ميناء أستراليا، بوابة الهند في مومباي، برجا بتروناس التوأم في ماليزيا، الجسر القديم في مدينة موستار في البوسنة، وبرج خليفة في دبي، أطول بناء في العالم.
على صفحة الموقع الرئيسي للحملة يقول القائمون عليها أن “ساعة الأرض” لا ينتظر منها نتائج مفصلية، وإنما هي فكرة رمزية، لذلك فهم لا يشتركون في قياس انخفاض مستويات استهلاك الطاقة أو خفض الكربون، لكن دراسة نشرت عام 2014 جمعت 274 قياساً للتغييرات الملحوظة في الكهرباء في 10 بلدان، ووجدت أن ذلك قد أنقص استهلاكها بنسبة 4%، وأشارت أن التحدي الآن هو تحويل تأثير هذه الفكرة من المدى القصير إلى تأثيرات على المدى الطويل، وقد توقعت مدينة دبي انخفاضاً في الكهرباء يقدر بـ 300 ميجاواط بسبب هذه الساعة.
غداً تطفأ الأضواء بحلول الثامنة والنصف مساء حسب التوقيت المحلي لكل من السعودية والإمارات وتونس وليبيا ومصر، من الأهرامات وأبو الهول وقلعة صلاح الدين والفنادق السياحية إلى أبراج دبي التي كانت أول دولة عربية تتبنى هذه المبادرة، ممتدة لتشمل ملايين البيوت في العالم من أقصى شرقه إلى أقصى غربه، ويمتد الوسم #EarthHour # ساعة_الأرض في جميع الوسائل الاجتماعية الآن، فهل امتدت هذه الفكرة إلى بيتك أم ليس بعد؟
ربما الإجابة في عنوان الحملة المميز، إذا فعلت، فإن الآخرين سيفعلون، إنها العدوى الجيدة.