قد تصاب بالعجب عندما تدخل على صديقك الساكن في القرية لتجدهم يلفون الصنبور بشاش الجروح، ليقولوا لك بسخرية أن هذا حلهم الوحيد لماء الشرب الملوث، أو تجد الأم تغلي الماء كل يوم صباحاً لكي يشرب منه الصغار، نحن لا نشعر بهذه المشكلة لأننا تعودنا على ماء نظيف، لكن هناك 650 مليون شخص في العالم لا يستطيع الوصول إلى ماء نظيف، ويضطرون أن يعيشوا مع هذه المعاناة كل يوم، لهذا فإن هذا الحل الجديد الذي ابتكره علماء سيكون سحرياً للغاية: أداة أصغر من طابع البريد، تعقم المياه القذرة في دقائق !
الشمس أفضل صديقة .. كيف تقوم الأداة بهذا العمل السحري؟
تعريض المياه الملوثة لأشعة الشمس يستطيع تطهير المياه بشكل طبيعي، لأن الأشعة فوق البنفسجية تقوم بقتل الجراثيم، المشكلة أن عملية التقطير هذه عادة ما تستغرق 48 ساعة لكي تكتمل، لكن هذه الأداة التي تشبه مستطيلاً صغيراً من الزجاج الأسود تقوم بجمع أكبر قدر من أشعة الشمس لكي تسرع العملية، تستطيع أن تلقيها في الماء وتضع كل شئ تحت الشمس لتقوم هي بكل العمل، كما شرح تشونج ليو الباحث من جامعة ستانفورد، وتضغط المدة التي يستهلكها التقطير من يومين، إلى عشرين دقيقة فقط.
السر في المادة التي تشبه المتاهة ..
الفكرة أن معظم طاقة الشمس مختزنة في الجزء المرئي من الطيف الشمسي، إذ تصل إلى 50 بالمئة لأشعة الشمس المرئية، مقارنة بـ4 بالمئة للأشعة فوق البنفسجية. الجزء المرئي من أشعة الشمس يقوم بجذب الإلكترونات إلى غلاف الأداة الخارجي المكون من ثاني كبريتيد الموليبدينوم، والذي يستخدم عادة في زيوت التشحيم للآلات الصناعية، بعد هذا يتسبب في إحداث تفاعلات كيميائية في الماء، وتتولد من هذه التفاعلات مواد مطهرة مثل بيروكسيد الهيدروجين، فتعقم الماء من البكتيريا الموجودة بداخله، بنسبة تصل إلى 99.99 بالمئة.
إذا تفحصت المادة تحت الميكروسكوب، ستجد أنها تتكون من عدة جدران مصغرة من ثاني كبريتيد الموليبدينوم، مضمومة إلى بعضها بشكل وثيق، كأنها متاهة تغلف مستطيلاً زجاجياً، أو كأنها تشبه بصمات الأصابع، من المثير أن ترى الفرق الذي يصنعه تصميم خاص لبعض المواد، كما قال الباحث ليو.
هل تتاح هذه الأداة في القرى الفقيرة قريباً؟
الشئ الذي سيجعل هذه التكنولوجيا قابلة للانتشار، هو الثمن الرخيص لإنتاج مادة ثنائي كبريتيد الموليبدينوم، فوق هذا، فهناك توفير المال اللازم لشراء الوقود الذي يستخدم عادة في عملية التعقيم، لأن الأداة الجديدة لا تتطلب غلي الماء أولاً.
هذه المحاولة كانت قد سبقتها محاولات أخرى لتطهير المياه، أحدها باستخدام أوراق الجرافين الرقيقة، بالإضافة إلى مادة حيوية تقوم بسحب التكثيف من الهواء، أما بالنسبة لهذه الطريقة التي ابتكرها علماء ستانفورد، فهي ما تزال بحاجة إلى مزيد من العمل، لأنها لم تختبر حتى الآن إلا على ثلاث سلالات من البكتيريا، كما إن الغلاف لا يؤثر على الملوثات الكيماوية، لكن عمل الفريق الذي ما يزال مستمراً، هو شئ باعث على التفاؤل لنا، ونحن نراقب المحرومين في أنحاء الأرض وهم يبحثون عن مياه نظيفة يروون بها عطش صغارهم.