ذهبت جائزة نوبل للطب والفسيولوجيا هذا العام مناصفة لمشروعين طبيين رائعين يستهدفان الأمراض الطفيلية، كل منهما وراءه حكاية، وكثير من ليالي البحث دون نوم، والمحاولات الفاشلة، وهذه الجائزة هي واحدة من جوائز نوبل الخمس التي تأسست بعد وصية ألفريد نوبل، ويتلقى كل مستلم ميدالية ودبلوم وجائزة نقدية تتغير على مدار السنين.
المشروع الأول قام به العالم الأيرلندي الأصل ويليام سي كامبل والياباني ساتوشي أومورا، أما المشروع الثاني فقد قامت به العالِمة الصينية يويو تو، واللذين قادا إلى تصنيع أدوية لمعالجة أمراض تنهش أكثر من 3.4 مليار شخص في أنحاء العالم، أحدها هي الملاريا، التي يعرفها معظم الناس، أما المرضان الآخران الأقل شهرة فهما مرض “عمى الأنهار”، وداء الفلاريا اللمفاوية “داء الفيل”، والتي تسببهما طفيليات الديدان الأسطوانية.
يصاب الناس بهذه الديدان بسبب لدغات الحشرات المصابة مثل الذباب والبعوض، وإذا تركت هذه الأمراض بدون علاج فإنها تنمو وتتكاثر، مسببة أعراض إعاقة في المصابين بها، فمرض الفيل مثلاً يسبب تضخم أقدام المريض بشكل غير مسبوق، إلى درجة أن الأطباء قد يضطرون لبترها في النهاية.
يستطيع دواء “الإيفرميكتين” الذي وصل إليه الفريق الأول أن يقتل الطفيل في مرحلة اليرقات الأولى، أي الأطفال الصغار للديدان الإناث، وقد اكتشف ويليام سي كامبل ذلك عبر دراسة البكتيريا التي تعيش في عينات من التربة حصل عليها من العالم ساتوشي أومورا، والذي جلبها من ملعب ياباني للجولف موجود في مدينة إيتو، في مدينة شيزوكا.
لفتت سلالة معينة من الكتيريا اهتمام الباحث، وهي نوع من البكتيريا السبحية تسمى Streptomyces avermitilis، بسبب خصائصها القوية المضادة للطفيليات، بعد ذلك عمل الفريق مع شركة للأدوية تسمى “ميرك”، ليشرع بعد ذلك في تنقية هذا الدواء، وبدأت شركة “ميرك” منذ عام 1987 في إعطائها للدول الفقيرة التي تعد في أمس الحاجة إليها بشكل مجاني، وقد تبرعت في العام الماضي بـ300 مليون جرعة لعلاج عمى الأنهار وداء الفيل.
في نفس الوقت، كانت العالمة الصينية يويو تو تركز اهتمامها في الستينيات والسبعينيات على إيجاد دواء جديد للملاريا، فقد كانت أدوية “الكينين” و”الكلوروكين” تتدحرج نحو الفشل حينذاك، لأن الطفيليات المسببة للملاريا قد تعلمت كيف تتفادى هجومها، وبسبب إحباطها من هذا الأمر، قررت أستاذة الطب الصيني أن تبحث عن خيار جديد.
وقد وجدت الأستاذة تو أن مستخرج نوع من نبات الشيح الحلو كان فعالاً في بعض الأحيان، لكن النتائج لم تكن مرضية لها، ما جعلها تعود إلى وصفة قديمة من التراث الصيني القديم، في كتاب قه هونج لوصفات حالات الطوارئ، والذي أوصى بحفنة يد من “القينغاو” –وهو الاسم الصيني لمستخرج النبات- تغمر في لترين من الماء، ثم يؤخذ العصير ويشرب كله.
فعلت العالمة الصينية هذا مع بضعة تعديلات، وقامت باختبارها على نفسها وعلى حيواناتها في المعمل، وقد قالت أنه في عصر الثورة الثقافية، لم يعد هناك طرق عملية لإجراء التجارب السريرية للأدوية الجديدة، ولذلك، فقد قامت هي وزملاؤها بالتطوع بشجاعة لإجراء التجارب الأولى عليهم شخصياً، من أجل مساعدة المرضى المصابين بالملاريا.
بعد التأكد من أن استخدامها كان آمناً على البشر، ذهب الفريق إلى مقاطعة هاينان لاختبار فعالية الدواء السريرية، وبدء تجربته على مرضى الملاريا.
اكتشاف العالمة تو قاد إلى تصنيع الدواء المضاد للملاريا والذي يسمى بالـ”أرتيميسينين”، والذي ما يزال يعتمد عليه حتى اليوم، وقد أرجعت منظمة الصحة العالمية الفضل في تقليل وفيات الملاريا بشكل كبير في السنين الفائتة، للانتشار الموسع للأدوية المعتمدة على الأرتيميسينين.
في عام 2013، تم إنتاج 392 مليون علاج قائم على الأرتيميسينين في الدول التي يتوطن فيها الوباء، وقد زاد بنسبة كبيرة بعد أن كان في عام 2005 يقدر بأحد عشر مليوناً فقط، لكن المشكلة أن السلالات المقاومة للأرتيميسنين بدأت في الظهور، ففي فبراير من هذا العام تم الإعلان عن خمس دول ظهرت فيها هذه السلالات وهي: كولومبيا، لاوس، بورما، تايلاند، فيتنام، ولهذا يستمر السعي للبحث عن أدوية جديدة.