قدّم لنا كتّاب الخيال العلمي والمخرجين تصورات لا تعد ولا تحصى عن انتشار البشر في جميع أنحاء الكون، وهذا قد يجعلنا نعتقد لوهلة أن الأمر أصبح في متناول أيدينا بالفعل، إلّا أن الحقيقة وللأسف، هي أنه لا يزال لدينا أكثر من مجرد عدد قليل من المشاكل التقنية لنتخطاها – كالقوانين الفيزيائية – قبل أن نتمكن من البدء باستعمار عوالم جديدة خارج مجموعتنا الشمسية ومجرتنا.
ظهر العديد من الممولين من القطاع الخاص أو المبادرات التطوعية، مثل مؤسسة (Tau Zero) ومشروع ايكاروس وبرنامج رمية النجم (Breakthrough Starshot)، في السنوات الأخيرة، وكان كل منها يأمل أن يستطيع جعل البشرية تتقدم بخطوة واحدة على الأقل نحو إمكانية الوصول إلى جميع أنحاء الكون، كما أثار الاكتشاف الذي توصل إليه الباحثون في شهر آب/ أغسطس الماضي حول وجود كوكب بحجم الأرض يدور حول أقرب نجم لنا أيضاً آمالاً جديدة حول زيارة عوالم غريبة.
ولكن هل السفر إلى مجرات أخرى هو أمر ممكن في الواقع؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي أنواع المركبات الفضائية التي قد نحتاج إليها لتحقيق ذلك؟ إليكم في هذا المقال بعض الحقائق العلمية التي يمكن أن تكون مفيدة في هذا المجال
أين يمكن أن نذهب؟
هناك نجوم في الكون أكثر مما يوجد حبات رمل على الأرض – حول 70.000.000.000.000.000.000.000 – ويعقد بأن الكثير من هذه النجوم تمتلك من كوكب واحد إلى ثلاثة كواكب موجودة ضمن ما يسمى بالمنطقة ‘المعتدلة’، أي غير الحارة جداً وغير الباردة جداً.
ولكن مع بداية إنطلاقة البشر إلى النجوم الأخرى، فإن المرشح الأفضل للذهاب إليه حتى الآن هو أقرب جار نجمي إلينا – نظام النجوم الثلاثي ألفا قنطورس، والذي يبعد 4.37 سنة ضوئية- وقد قام علماء الفلك هذا العام في المرصد الأوروبي الجنوبي باكتشاف كوكب بحجم الأرض يدور حول نجم قزم أحمر يوجد في نظام الألفا قنطورس “بروكسيما سنتوري”، وعلى الرغم من أن كتلة ذلك الكوكب، الذي يدعى “بروكسيما ب”، تساوي 1.3 على الأقل من كتلة الأرض، إلّا أن مداره ضيق جداً حول النجم بروكسيما سنتوري، حيث أنه يستكمل رحلته حول النجم خلال 11 يوماً أرضياً فقط، ولكن ما جعل علماء الفلك وصيادي الكواكب خارج المجموعة الشمسية متحمسين بشكل خاص لهذا الكوكب هو أنه يقع ضمن نطاق درجة الحرارة الملائمة لتواجد المياه السائلة على سطحه، وهو عامل مهم جداً لإنشاء المستعمرات الحية.
الجانب السلبي لهذا الكوكب هو أننا لا نعلم إن كان يمتلك غلافاً جوياً أم لا، فنظراً لقربه من بروكسيما سنتوري – أقرب من مدار عطارد للشمس – فمن المرجح أن يكون قد تعرض للتوهجات الشمسية والإشعاعية الخطرة، ومن جهة ثانية، فإن نجمه يحكم قبضته عليه، مما يعني أن هناك وجهاً واحداً فقط من الكوكب يواجه النجم بشكل دائم، وهذا من شأنه أن يغير تماماً أفكارنا عن الليل والنهار.
كيف نصل إلى هناك؟
هذا السؤال تبلغ تكلفته 64 ترليون دولار، فحتى في أكبر السرعات التي أوصلتنا إليها التكنولوجيا الحالية التي نمتلكها، فإن أسرع رحلة للوصول إلى بروكسيما ب ستستغرق حوالي 18,000 سنة، وخلال هذا الوقت قد يكون أحفادنا الأرضيين قد توصلوا إلى ابتكارات جديدة تمكنهم من الوصول إلى هناك قبلنا، إلّا أن هناك الآن العديد من العقول الذكية – والجيوب المليئة – التي قبلت تحدي إيجاد وسيلة أسرع لعبور مسافات شاسعة من الفضاء.
يركز برنامج رمية النجم – المبادرة التي تبلغ قيمتها 100 مليون دولار والتي جاءت بتمويل خاص من المليارديرين الروسيين (يوري ميلنر) و(جوليا ميلنر) – على جعل مسبار غير مأهول صغير يسير في الفضاء من خلال إرسال إشعاعات ليزرية قوية ناتجة عن مولد أرضي لليزر لتضرب بأشرعة المسبار خفيفة الوزن، والفكرة هي أنه إذا كانت المركبة الفضائية صغيرة بما يكفي – بالكاد يصل وزنها إلى غرام – وكانت أشرعته خفيفة بما فيه الكفاية، فإن تأثير الليزر سيكون كافياً لتسريع المسبار تدريجياً إلى حوالي خمس سرعة الضوء، ونقله إلى ألفا قنطورس في حوالي 20 عاماً.
يعول (ميلنر) حالياً على تقنيات التصغير لتمكين هذا المسبار الصغير من حمل الكاميرا، والصواريخ، وإمدادات الطاقة والاتصالات ومعدات الملاحة، كي يتمكن من إرسال التقارير عما يراه وهو يمضي نحو بروكسيما ب، نأمل أن تكون الأخبار جيدة، لأن ذلك سيضع الأساس للمرحلة المقبلة والتي تعتبر أكثر صعوبة من السفر بين النجوم، وهي إرسال البشر.
ماذا عن محرك الإعوجاج؟
جعل فيلم (Star Trek) الفكرة تبدو سهلة جداً، ولكن كل ما نعرفه حالياً عن قوانين الفيزياء تخبرنا بأن السفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء – أو حتى السفر بسرعة الضوء نفسه – هي أمر غير ممكن، ولكن هذا لا يعني أن العلم سيستسلم، فحالياً تقوم ناسا ضمن برنامجها محرك زينون ناسا المتطور (Evolutionary Xenon Thruster) بتطوير محرك أيوني مستوحى من نظام دفع آخر استحوذ على خيال مبدعي الخيال العلمي، وتأمل ناسا أن يستطيع هذا المحرك تسريع المركبات الفضائية إلى سرعة تصل إلى 90,00 ميلاً في الساعة (145,000 كلم في الساعة) باستخدام جزء فقط من وقود الصواريخ التقليدية.
ولكن حتى في تلك السرعات، لن نكون قادرين على الخروج بعيداً عن نظامنا الشمسي في غضون جيل واحد من عمر رواد الفضاء، وحتى نعلم كيفية إجراء تشوه في الزمان والمكان، سيبقى قارب السفر بين النجوم يسير بسرعة بطيئة جداً نحو المستقبل.
كيف يمكن أن نبقى على قيد الحياة أثناء السفر بين النجوم؟
قد تكون محركات الاعوجاج والمحركات الأيونية تقنيات مثيرة جداً، لكنها لن تكون ذات فائدة كبيرة إذا ما قضى المسافرون بين النجوم نحبهم جوعاً، أو جفافاً، أو خنقاً قبل فترة طويلة من وصولهم إلى الحدود الخارجية لمجموعتنا الشمسية، فبحسب الباحثة (راشيل ارمسترونغ)، نحن بحاجة للبدء في التفكير في النظام الإيكولوجي الذي ستكون البشرية ضمنه أثناء انطلاقها بين النجوم.
تبعاً لـ(أرمسترونغ) وهي أستاذة للهندسة المعمارية التجريبية في جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة، فإن تركيزنا على استيطان الفضاء لا يجب أن يكون منصباً على تصميم التقنيات الرائعة، فالبيئة الداخلية للمركبات الفضائية أو لمحطة الفضاء اليوم تعتبر بيئة عقيمة وصناعية، ولهذا فنحن بحاجة للتفكير في الناحية البيئية ضمن سفننا الفضائية – النباتات التي يمكن زراعتها، وحتى أنواع التربة التي سنأخذها معنا- لذلك يجب علينا أن نسعى لتحويل تلك المركبات إلى مناطق واسعة تعج بالحياة العضوية، بدلاً من الاكتفاء بمجرد تصنيع صناديق معدنية جافة وباردة.
هل يمكننا النوم حتى الوصول إلى هدفنا؟
يعتبر التجميد أو السبات أو أي شكل آخر من أشكال الركود الحل الأفضل للمشكلة الشائكة التي تتمثل في كيفية إبقاء الأشخاص على قيد الحياة أثناء رحلة قد تستغرق وقتاً أطول من عمر الإنسان (وهو موضوع سيطرحه فيلم “Passengers”)، وحالياً تقوم منظمة ألكور لتمديد الحياة بإجراء التجارب على أمل التوصل إلى حل يمكننا من تجميد البشر وإعادتهم مرة أخرى إلى الحياة بأمان، ولكن حتى الآن ليس هناك وجود لمثل هذه التكنولوجيا.
تشير إحدى الاقتراحات التي تم بحثها في أفلام مثل (Interstellar)، إلى أن إرسال أجنة مجمدة سيمكنها – بشكل افتراضي – من البقاء على قيد الحياة وتخطي تلك الصعوبات بسبب عدم حاجتها لتناول الطعام أو الشراب أو التنفس، ولكن هذا يثير مشكلة جدلية كبيرة حول الكيفية التي يمكن فيها لهذه الأجنة أن تكبر وتتحول إلى أشخاص بالغين عند وصولهم إلى وجهتهم.
هل يمكن أن يتوصل البشر لإمكانية السفر عبر النجوم؟
قد لا يحدث هذا أثناء حياة أي أحد بالغ بما يكفي لقراءة هذا المقال، ولكن على المدى الطويل، فإن هناك بعض الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل، فمنذ بداية الوجود البشري كان الإنسان ينظر إلى النجوم بخوف وأمل، ولكن مع إنطلاق العديد من المشاريع نحو الفضاء، فإن هذا لم يعد مجرد حلم، فقد أصبح الأمر قيد التجارب الآن.