دراسة حديثة عن الأطفال الخدج أثبتت تخفيضها للوفيات بنسبة 25%
*هذا التقرير فاز بالمركز الأول في نهاية فعاليات ورشة المهارات الأساسية في الصحافة العلمية 2.0 والمقدم من منصة بلانيت إكس، وتم نشره بالتعاون مع فريق عمل مجلة نقطة العلمية.
انتظرت مي حلمي، ستة أيام “مرت كسنين” حتى تمكنت من لمس رضيعها الأول حمزة، الذي استقر في ساعاته الأولى داخل حضّانة للأطفال بدلاً من أن يكون في حضنها، ورغم مُضي أكثر من 5 سنوات على تجربتها فإنها لا تزال تتذكر معاناتها.
لم تكن الأم المصرية مي تعلم، ولا ملايين الأمهات مثلها حول العالم، أن ملامستهن لأطفالهن الخدج (المولودون قبل مرور 37 أسبوعاً من الحمل) “تقلل من خطر الوفاة في الأيام الأولى بعد الولادة المبكرة”، وفق ما أظهرت دراسة حديثة شملت 3211 أماً ورضيعها في 5 دول متوسطة ومنخفضة الدخل على مدار خمس سنوات، وأجريت تحت إشراف “منظمة الصحة العالمية”.
وصحيح أن الرعاية الطبية التي حظي بها الطفل حمزة مكنته بعد أسبوع تقريباً من تجاوز بعض تبعات ولادته المبكرة ووزنه المنخفض، غير أن الدراسة التي نُشرت في دورية “the new England journal of medicine” نهاية مايو الماضي، تقول إن “رعاية الأطفال الخدج عبر التلامس الجلدي بين الطفل وأمه وهو ما يُعرف بـ(حضن الكنغر) تزيد من معدلات بقاء الأطفال الخدج على قيد الحياة بنسبة تصل إلى 25%، في الأيام الثمانية والعشرين الأولى”.
ويُشكّل الأطفال الخدج “15% من المواليد في جميع بلدن العالم، ويمثلون 70% من نسبة وفيات المواليد؛ خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، بحسب تقارير لـ”منظمة الصحة العالمية” التي تؤكد كذلك أن “60% من حالات الولادة المبكرة حول العالم تحدث في قارة أفريقيا وجنوب آسيا”.
اقرأ ايضا
حاضنة قابلة للنفخ يمكنها إنقاذ حياة الأطفال الخدج
العزف على الناي يساعد الأطفال الخدج على النمو
تقول مي (30 عاماً وتعمل مدرسة) لـ”مجلة نقطة العلمية” إنها فوجئت في منتصف الشهر الثامن من حملها بآلام ولادة وصفها طبيبها بـ”المبكرة”، وبعد صدمتها الأولى بدأت في تلقى المعلومات، ومنها أن مولودها “كان يزن 1900 جرام، وبعد يومين من الولادة ودخوله الحضانة وصل وزنه إلى 1800 جرام”.
وتواصل: “بسبب حالته لم أتمكن من رؤيته فور ولادته، وقال لي الأطباء إن الوضع خطير، وإن رضيعي يعتمد على أجهزة لتنظيم النفس داخل الحضّانة”.
دراسة حديثة عن الأطفال الخدج
ظلت “منظمة الصحة العالمية” تقدم توصيات على مدار سنوات بشأن اعتماد طريقة “التلامس الجلدي” بين الأم ومولودها ذو الوزن المنخفض المولود مبكراً، بينما جاءت هذه الدراسة الأحدث لتعمق عبر التجارب الأساس العلمي للاعتماد على “حضن الكنغر” بين الأمم وطفلها، خاصة وأن “الأمم المتحدة” تضع من بين أهدافها للتنمية المستدامة “خفض وفيات المواليد على الأقل إلى 12 حالة وفاة في كل 1000 مولود حي”.
وأجريت الدراسة في 5 دول هي: “غانا، والهند، ونيجيريا، وتنزانيا، وملاوي”، ويقدم راجف باهل، الباحث الرئيسي في الدراسة، ورئيس قسم صحة المرأة والطفل، ورئيس قسم الأبحاث بـ”منظمة الصحة العالمية” تفسيراً لاختيار تلك الدول ويقول لـ”بلانيت إكس” إن “الأمر بدأ عام 2015، بناء على متطلبات مسبقة أهمها: زيادة مشكلة نقص الوزن عند الولادة، وارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال حديثي الولادة، فضلاً عن العمل مع فريق من ذوي الخبرة في رعاية الأم على شكل حضن الكنغر، وكذلك إجراء تجارب عشوائية عالية الجودة لاختيار وحدات رعاية مركزة في المستشفيات”.
وأضاف باهل أن “مناطق جنوب آسيا ووسط وجنوب إفريقيا كان لها الأولوية بعد رصد معدلات انخفاض الوزن عند الولادة، وكذلك ارتفاع معدلات الوفيات عند حديثي الولادة”.
وعملت الدراسة عبر تقسيم الأمهات وأطفالهن الخدج إلى مجموعتين بشكل عشوائي؛ الأولى: تعتمد رعاية الأم الكنغر (1609 رضيعًا مع أمهاتهم)، والثانية: تتلقى الرعاية التقليدية (1602 رضيعًا مع أمهاتهم).
وبعد مضي أول 28 يوماً، حدثت الوفاة لـ 191 رضيعًا في مجموعة رعاية الأم الكنغر (بنسبة 12.0٪)، وذلك مقابل 249 وفاة للرضع (بنسبة 15.7٪) في المجموعة التي اعتمدت الرعاية التقليدية. وكان متوسط مدة التلامس الجلدي في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة ضمن مجموعة الكنغر 16.9 ساعة يومياً، بينما بلغت المدة في المجموعة الثانية (التقليدية) 1.5 ساعة يومياً.
ووفق ما تشرح الورقة العلمية الخاصة بالدراسة، فإنه تم “تأمين الأطفال الذين يتلقون رعاية الأم على شكل الكنغر بإحكام، عبر وضعهم على صدر الأم وفق وضعية تضمن سلامة المجرى الهوائي، مع الحفاظ على ملامسة الجلد للجلد، إن أمكن”.
ظلت مي تعانق حمزة “وقت الرضاعة فقط”، وتباعاً تمكنت من معرفة الطريقة الأنسب لحمله خاصة في ظل جحمه الصغير “الذي كان يرعبني”، وفق ما تعبر عن حالتها آنذاك.
استكملت الأم رحلتها مع رضيعها، وعند اكتمال شهره الأول بدأ الاثنان يعتدان دونما توجيه أو حتى معرفة الأساس العلمي للأمر في اعتماد طريقة شبيهة بـ”حضن الكنغر”، وبالفطرة أصبحت وضعية الرضيع فوق صدر أمه الأفضل للطرفين.
ومع إقراره باطلاعه على “أبحاث تتحدث عن كفاءة طريقة حضن الكنغر في إنقاذ الأطفال الخدج”، فإن الطبيب المصري المتخصص في رعاية الأطفال المبتسرين مصطفى معطى، يقول لـ”بلانيت إكس”: “هذه الطريقة تتطلب تجهيزات طبية فائقة ليست متوفرة داخل كل مستشفيات الولادة التي عملت بها”.
ويقول معطي الذي يعمل داخل وحدات الرعاية للمبتسرين لأكثر منذ 10سنوات، إنه “لم يطبق ولا أحداً ممن يعرفهم من زملائه (رعاية الكنغر)، لكن الفطرة عند الأم أنها تحتضن وتُرضع طفلها عندما تسمح حالتهما بذلك”، وهو ما يفسره بأنه “ربما يساعد في إنقاذ الطفل بجانب الرعاية الطبية التقليدية”.
ويقر الباحث في “منظمة الصحة العالمية” راجف باهل بـ”اقتصار تنفيذ رعاية الأم الكنغر (خارج إطار التجارب) إلى حد كبير على المستشفيات المتخصصة”، منوهاً بأن الأطقم الطبية لا تعتمد “تنفيذ (حضن الكنغر) كمعيار للرعاية، على الرغم من الأدلة الواضحة على تفوقها مقارنة بالرعاية التقليدية”.
ويقول باهل إن “طريقة الاعتماد على (حضن الكنغر) تتزايد ببطء شديد، ولا تزال بمعدلات منخفضة”.
وبشكل عملي فإن الأم مي حلمي، تمكنت لأول مرة من إرضاع طفلها بشكل طبيعي بعد 6 أيام قضاها داخل الحضانة كان يتغذى على اللبن الصناعي أو لبن الأم المسحوب حتى استقرت حالته، وبعد خروجه استمرت الأم في استشارة أطباء الأطفال عن مراحل تطوره حتى بلغ عامه الأول، وعن تلك المرحلة تقول: “كانت المشكلة الوحيدة والمستمرة هي معاناته من النحافة وفقدانه الدائم للشهية”.
ووفق تأكيدات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فإن “الأطفال الذين يتغذون حصريا على حليب الأم يعانون عدوى أقل وزيادة أفضل في الوزن، حيث يتعرض الطفل الذي لا يتناول حليب الأم خلال أشهر السنة الأولى من حياته لاحتمالية الموت أكثر لأربعة عشر مرة لأسباب مختلفة من الأطفال الذين يتلقون الرضاعة الطبيعية”.
وتوصى الدراسة الأحدث بضرورة أن “تكون التغذية فقط بحليب الأم، باعتبارها من أكثر التدخلات فاعلية للوقاية من الموت عند الرضع ذوي الوزن المنخفض”.
المصدر: https://www.nejm.org/doi/10.1056/NEJMoa2026486