هل اعتقدتم أن العنوان به خطأ ما أو أن العكس هو الصواب ؟!
الحقيقة أنه صحيح تماما؛ ولكن كيف؟
عندما تتنابنا مشاعر مؤلمة نجد أنه من الصعب في كثير من الأحيان التعامل معها أو قبولها ؛ لكن في الحقيقة قبول مشاعرك يساعدك على تحقيق صحة نفسية عالية وتقليل التقلبات المزاجية لديك..
بل أن الطب النفسي الحديث يرجيء الكثير من الإضطرابات النفسية إلى عدم “قبول المشاعر المؤلمة أو غير المريحة”
على سبيل المثال:
“اضطراب ما بعد الصدمة”:
حيث الرفض الشديد للمشاعر المؤلمة المصاحبة للصدمة تسبب اضطرابات عديدة كنسيان للأحداث المؤلمة فيما يُعرف “amnesia” وغيرها..
الإدمان : كثير من الأحيان يكون سبب الإدمان محاولة لتخلص أو الهروب من بعض المشاعر الغير مريحة كالألن والحزن والتوتر..
” الهوس” :
المهووس لا يتقبل مشاعره المؤلمة فتتفاقم أو تنعكس إلى حالة شعورية مناقضة تماما؛
فينتقل ما بين حالتين مزاجيتين متناقضين كالإكتئاب الحاد ثم الهوس والنشوة المفرطة.. أقرب مثال لهذه الحالة “الچوكر”
وغيرهم من الأمثلة كإضراب الشخصية الحدية و الفصام..
وبالتالي فإن الطب النفسي لا يهدُف لتخليصك من آلامك أو مشاعرك بل يهدف إلى الوصول لتقبلها بنواقضها وعدم الحكم عليها وإجادة التعامل معها بصورة سليمة..
ما فائدة معايشتك لمشاعرك الحقيقة؟ وما فائدة المشاعر في العموم؟
يقول فيكتور فرانكل “طبيب نفسي وعصبي” وأحد مؤسيسي العلاج بالمعني:
” التوتر كامن في الوجود الانساني وبالتالي فلا غنى عنه بالنسبة للصحة النفسية. وأعْتَبر أنه لتصور خاطئ وخطير للصحة النفسية الزعم بأن ما يحتاجه الانسان في المحل الاول هو التوازن, أو كما يعرف باستعادة الإتزان في البيولوجيا, أي حالة اللاتوتر ”
فالمشاعر خُلقت لسبب وحكمة ، لذلك ليس من الأفضل لصحتك النفسية التخلص منها . فهي جزء من نظام معقد يساعدنا على تحديد ما يجب علينا الابتعاد عنه وما يجب علينا أن نفعله..
الخوف مثلا يجعلنا أكثر حذرًا.. فعندما كنا صغار وجربنا الخوف لأول مرة من لمس كوب شاي ساخن هذا ساعدنا ألا نحترق فيما بعد..
و التوتر من الإمتحان يجعلك تدرس بصورة أفضل وهكذا..
ما الفائدة من قبول مشاعرك ، أليس من الأسهل التخلص منها؟
حسنًا ، لا ، ليس من السهل التخلص منها في الواقع أنه من الصعب جدًا ، إن لم يكن من المستحيل ، التخلص من المشاعر
فكما أسلفنا تتفاقم مشاعرك الغير مريحة وقد تُحدث اضطرابات نفسية عدة أن حاولت التخلص منها..
حيث أجريت دراسة شهيرة عام ١٩٣٨ طُلب فيها من مجموعة أن تُدوّن أفكارها عن كل شيء عدا الدب الأبيض و طلب من المجموعة الأخرى التفكير في كل شيء بما فيه الدب الأبيض وجد الباحثون أن المجموعة الأولى تُسجل أفكارا أكثر عن الدب الأبيض..
هذا تماما ما يحدث إذا حاولت التخلص من مشاعرك..
ماذا يعني قبول المشاعر وما الفرق بينه وبين الإستسلام لها ؟
القبول يعني التخلي عن محاولات الحكم على مشاعرك
وتعلم أن المشاعر نفسها لا يمكن أن تؤذيك ، ببساطة أن تكون على دراية بمشاعرك وتتقبلها كما هي عليه الآن ، مع العلم أنها لن تستمر؛
فعندما نكون سعداء ، علينا أن نقبل أن السعادة هي حالة قصيرة المدى.فنحن لن نكون سعداء دائما. و هذا ينطبق على كل نوع من المشاعر ، الخوف و القلق و الحزن.
فالمشاعر عابرة وفي الغالب لن تدوم..
والحياة صعود وهبوط ومحطات من الألم و السعادة والحزن و الشيء ونقيضة
و لتقريب الصورة
سيمر عليك فصول مختلفة شتاء و ربيع و صيف و خريف
قد تفضّل الربيع مثلا ولكنك ستتقبل تعاقب الفصول و ستحسن استقبال البقية والتعامل معهم ..
وهذا هو المطلوب تماما..
أو لنتخيل معا أن حزنك و توترك وغضبك مجموعة أطفال استضفتهم في بيتك لكنهم يتعلقون في ذيلك إن هممت على الخروج إلى العمل ويلّحون عليك أن تبقى بجوارهم…
ستتقبل إلحاحهم و تهدهدهم ولكن ستسير إلى طريقك وقد تسمح لهم بمرافقتك أحيانا كذلك…
تقبلك لضيوفك الصغار حتما سيقلل من روعهم و يسهل عليك سيرك قدما..
هكذا تماما نقبل مشاعرنا ونهدهدها
و نظل نسير!
دمتم بخير!
المصادر :
https://www.verywellmind.com/how-accepting-emotions-can-improve-emotional-health-425368
https://qz.com/1034450/accepting-your-darkest-emotions-is-the-key-to-psychological-health/
..
https://www.medicalnewstoday.com/articles/318933
“man’s search for meaning”