ظن البعض أن عالم المادة سيتوقف يوما ما عن الحديث، وأن لكلماته نهاية، ولكن هذا الظن الخاطئ لم يتسرب ولو لبرهة الى عقيدة علماء المادة. كانت عقيدة هؤلاء العلماء دائما وأبدا ملتهبة ومتأججة بتأجج أسرار وخفايا ومفاجأت المادة. ولكن هل للمادة حديث واحد فقط؟ أم لها مجموعة من الأحاديث التى تم دمجها فى حديث تشعبت فروعه وحملت فيما بينها الكثير من الثمار. ثمار هذا الحديث تساقطت هنا وهناك حتى التقطتها سواعد كل راغب علم ومعرفة مصنفا اياها طبقا لأنواعها وطبيعتها، فكان منها ثمرة الجيولوجيا وثمرة الكيمياء وثمرة الفيزياء ………ألخ. ولم تكن أى ثمرة من هذه الثمار الا نفسها، فالثمرة الطيبة لن تخرج الا من الشجرة الطيبة والثمرة الخبيثة لن تكون الا من الشجرة الخبيثة.
أنت لن تكون الا نفسك
ان كانت طبيعة الانسان مؤكدة على أنه لن يكون الا نفسه، وأن من شب على شئ شاب عليه، وأن الانسان الشرير لن يكون غير ذلك فى يوم وليلة، وأن الطبع يغلب التطبع، فان المادة لن تكون الا نفسها، وأن المادة الفلزية لن تكون لا فلزية كما أن المادة ذات الطبيعة الأيونية لن تكون ذات طبيعة تساهمية فى يوم وليلة أيضا. فكل مخلوق ميسر لما خلق له، طبيعة كونية فرضت قواعدها على كل شئ فى صورة أحكام باتة ونهائية وواجبة النفاذ بمسودة الحكم دون اللجوء لأى نوع من الاجراءات. ان الحكم بأنك لن تكون الا نفسك هو حكم أكتسب فى ذاته حصانة لا تقبل أى صورة من صور الطعن. والغريب فى الأمر أن كل الأحكام وبلا استثناء عرضة لأشكال متعددة من الاستئناف والطعن أو النقض، الا حكم أنك لن تكون الا نفسك فى تشابة كامل مع كينونة المادة فى أنها لن تكون الا نفسها.
حديث المادة
ان كافة فروع حديث المادة تصدر فى صورة أحكام من محكمة واحدة هى محكمة أول درجة من درجات التقاضى والتى هى نفسها محكمة نقض هذه الأحكام. طبيعة فريدة اختصت بها المادة فى حديثها مع نفسها ومع الأخرين وكأن حديث المادة ما هو الا سهم خرج من قوسه أو أنه طلقة رصاص خرجت من مكمنها أو عود كبريت قد اشتعل ولن يعاود الاشتعال مرة أخرى.
احدى ثمار حديث المادة
ظلت المادة صامته محتفظة بأسرارها حتى اقترب منها علماء المادة مداعبين اياها بما أتاهم الله من علم حرك بعض مشاعرها التى أفرجت لنا عن بعض الأسرار المكنونة فى كونها نانومترية. ان نانوية المادة ما هى الا ثمرة من ثمار الحديث الشيق والممتع للمادة، نانوية أكدت بالدليل العلمى ان المادة لن تكون الا نفسها ولكننا وبكل أسف لم ندرك هذه الحقيقة الا بعد الابحار فى محيط الزمان والمكان بباخرة الجهد والفكر والمال الطائل.
طبيعة حديث المادة
ان كان لكل شئ طبيعته، فان لحديث المادة طبيعة من نوع خاص. حديث اختص بطبيعة فريدة من نوعها اعتمدت على أن خير الكلام هو ما قل ودل. حديث المادة يعطى وفى كلمة واحدة الكثير من الاشارات التى ان تبناها ألف عالم أصبحت هذه الكلمة الف كلمة وهكذا لأن لكل عالم بصمته التى يخرج بها من كل اشارة يستقبلها لدرجة أن الضوء الذى يخرج من مشكاة واحدة، سوف يضئ محيط المكان ويحرك عجلة الزمان الى الأمام وبقوة غير مسبوقة.