فى لقاء خاص وفريد من نوعه، كان لكاتب هذا المقال حديث ليس بالعادى بل يكاد يكون هو الأول مع البللورات التى اقتربت من كاتبنا اقتراب النحلة من رحيق الأزهار، ولما لا وكاتبنا يكاد يكون عاشق لعلم البلورات وله من المخطوطات العلمية ما يجعله كالأزهار اليانعة الدائمة العطاء التى لا ينقطع رحيقها أبدا بفضل ونعمة من الله تعالى. تحدث العاشق عن عشقه فقال ” انى اقترب من البلورات فاحصا لشكلها الظاهرى أو ما يطلقون عليه الشكل الخارجى وقلبى يسعى فى شوق الى استكشاف تركيبها الدخلى والتعرف عليه بغية التعرف على العناصر المكونه لهذه البلورات، ولأن العشق بينى وبين البلورات شديد فانها كثيرا ما تفصح لى عن بعض أسرارها بما فى ذلك كيفية تزاوج عناصرها وتشييد عش حياتها بهذا الترتيب والتنسيق الربانى الرائع الجمال”. كان للعاشق كلمات أخرى تمثلت فيما يلى ” أن التعرف على الشكل الخارجى أو استكشاف التركيب الداخلى ليس بالأمر البسيط الذى يتوقف عند مرحلة التعرف والاستكشاف، بل انه مرحلة أولى من سلسلة مراحل لا يفك طلاسم شفرتها الا العاشقين لعلم البلورات والتى منها مراحل التطبيق المختلفة الصور والأشكال”. ترقبنا وعن كثب حديث عاشق البلورات الذى أطلق العنان لكلمات أثلجت قلوبنا واهتزت لها مشاعرنا قبل أن تستمع لها آذاننا والتى كان منها ما يلى:
علم البلورات
لقد اهتم علم البلورات الطبيعى منها أو الصناعى بالابحار المتأنى فى محيط الشكل الظاهرى للبلورات وبالغوص المتعمق فى قلب التركيب الداخلى لها. فكشف لنا هذا العلم عن البلورات المختلفة التى كان منها الصلبة الكائنة في بعض المركبات مثل ملح الطعام، وكان منها السائلة كما في شاشة البلور السائل (إل سي دي). كما أفرز لنا هذا العلم عن أشكال مختلفة للأنظمة البلورية والتى كان منها النظام البلوري المكعبى مثل الحديد والنحاس والفضة وملح الطعام، والنظام البلوري الثلاثى أو الرباعي أو السداسى، وكذلك النظام البلورى المعينى….ألخ. هذا فى حين ذهب أهل علم البلورات الى استحداث آليات متخصصة لتعيين البناء البلورى للأملاح والمعادن من خلال طرق قياس حيود الأشعة السينية، وحيود النيوترونات، حيود الإلكترونات، وحيود النيوترونات. ومن خلال تحديد البناء البلورى كان لنا أن نتعرف على أنواع البلورات التى تنوعت بين الأحادية البلورة والكثيرة أو المتعددة البلورة ناهيك عن الغير متبلورة او اللابلورية.
هسمات بلورية
تهمس البلورات بحديث سرى للغاية فى قلوب العاشقين لها، فتحدثهم عن آلية توزيع العناصر بداخلها وعن الأسباب الكامنة وراء هذا التوزيع أو الترتيب ومن ثم عن الآثار الناجمة عن هذا التنسيق الطبيعى أو الصناعى. فكان للبلورات الكثير من المبررات التى أدت بها الى كونها صلبة أو سائلة أو حتى ذات شكل هندسى معين استرعى انتباه عاشقى علم البلورات، مبررات كمنت وراء ستار التقنيات المتعددة والمختلفة لانتاج البلورات الصناعية أو وراء ظروف تكوين البلورات الطبيعية. همسات بلورية تخللت طريقها الى قلوب عاشقى علم البلورات فأوحت لهم ما أوحت من تطبيقات مختلفة لهذه البلورات فى مجالات اقتصادية غاية فى الأهمية والتى منها مجالات الطاقة وتحلية وتنقية المياة وكذلك الالكترونيات والمعلومات. لدرجة أننا قد سمعنا همسات أكسيد الحديد الى عشاق علم البلورات والتى استنبط منها أن لديه ارادة ورغبة ملحة فى الاتحاد والتعاون مع أكاسيد العناصر الثنائية التكافؤ، وتلبية لهذه الرغبة وتحقيقا لتلك الارادة قام هؤلاء العشاق بعقد عقود قران بين أكسيد الحديد وهذه الأكاسيد. عقود قران تمخضت بما فيها فأثمرت لنا عن ظهورأجيال كثيرة ومتعددة من فريتات العناصر الثنائية التكافؤ ذات النظام المكعبى مثل فريتات النيكل والنحاس والمنجنيز والكوبالت…..ألخ. أجيال وأجيال من الفريتات المتعددة البلورات غزت وبقوة عالم التطبيق الصناعى، فذهبت بخيرة فرسانها الى ميدان تطبيقات أشباه الموصلات، فى حين ذهب جيل آخر الى ميادين تخزين الطاقة وتنقية وتحلية المياة علاوة على المساهمة الفعالة فى مجال صناعة البترول وفى الكثير من العلميات الكيميائية ذات المردود الاقتصادى.
الخصال البلورية
دائما وأبدا ما ينضح الاناء بما فيه، فكما أن الطبيعة البشرية قد تنضح بما هو خير أو بما هو شر أى بما هو مكنون بداخلها، فان البلورات دائما ما تنضح بما فيها، ولكن جوهر اسقاط هذا التطبيق على البلورات مختلف اختلافا كليا وجزئيا. فان نضحت الطبيعة البشرية بعيوبها كان الخراب والدمار من نصيب المجتمع كله، أما ان نضحت البلورات بعيوبها كان الخير كل الخير للبشرية كلها ومن ثم كان لكافة الكائنات الحية الكائنة بذات المكان والزمان. ولا غرابة فى أن عيوب البلورات قد أصبحت من الخصال المحمودة لأنها لن تضيف للبلورات الا بعض المميزات فوق مميزاتها، فهذه بلورة أكسيد النيكل التى تحتوى بداخلها على الكثير من كاتيونات النيكل الثنائى كمكون أساسى وجوهرى لهذه البلورة فى حين نجد بداخلها البعض من كاتيونات النيكل الثلاثى الذى قد يكون وجوده عيب من العيوب البلورية ولكنه فى حقيقة الأمر ميزة كبيرة تؤدى الى زيادة كبيرة فى الخواص البصرية والكهربية والكيميائية لبلورات أكسيد النيكل ومن ثم اتساع رقعة التطبيقات الاقتصادية لهذا الأكسيد. ومن هنا يرى عاشق البلورات أن عالم البلورات لن يفرز لنا الا الخير كل الخير لسمو خصالها وحسن طبيعتها الداخلية قبل الخارجية، فهى اناء طيب طاهر لا ينضح الا بكل ما هو خير. انتهى التحدث عند هذا الحد ولكن لم ينتهى الحديث عن بلورات الخير، فعاشق البلورات لازال يمتلك من الأسرار الكثير والكثير ولازال دأبه وبحثه مستمر سعيا وراء استكشاف المزيد والمزيد من جواهر بللورات الخير.