منذ ستينيات القرن العشرين، شكلت حبوب منع الحمل للسيدات ثورة في تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، وساهمت بشكل كبير في تمكين النساء وإعادة تشكيل المشهد الاجتماعي والاقتصادي. ورغم فعاليتها، لطالما رافق استخدامها عدد من الآثار الجانبية، الأمر الذي دفع الباحثين للبحث عن بدائل أكثر أمانًا – ليس فقط للنساء، بل أيضًا للرجال.
حتى وقت قريب، اقتصرت وسائل منع الحمل المتاحة للرجال على خيارين رئيسيين: الواقي الذكري، والتعقيم الجراحي (قطع القناة الدافقة). ورغم بساطة الوسيلة الأولى وديمومة الثانية، فإن كليهما يفتقر إلى حلٍّ وسطي يجمع بين الفاعلية والمرونة. لهذا، أصبح تطوير حبوب منع الحمل للرجال هدفًا بحثيًا تسعى إليه العديد من المؤسسات العلمية حول العالم.
منع الحمل عند الرجال: هرموني وغير هرموني
تُجرى الأبحاث حاليًا على مسارين رئيسيين:
- الوسائل الهرمونية: تسعى لتثبيط إنتاج الحيوانات المنوية مؤقتًا عبر تعديل مستويات هرمون التستوستيرون باستخدام مركّبات اصطناعية.
- الوسائل غير الهرمونية: تهدف إلى تعطيل وظيفة أو تطور الحيوانات المنوية دون التأثير على النظام الهرموني الذكوري.
1. منع الحمل الهرموني
تعتمد هذه الطريقة على إعطاء مزيج من هرموني التستوستيرون والبروجستيرون لمنع الخصيتين من إنتاج الحيوانات المنوية، مع الحفاظ على التوازن الهرموني في الجسم لتجنّب الآثار الجانبية المرتبطة بانخفاض التستوستيرون، مثل انخفاض الرغبة الجنسية أو الكتلة العضلية.
رغم وصول هذه الوسائل إلى مراحل متقدمة من التجارب السريرية، إلا أن بعض التحديات لا تزال تعرقل اعتمادها، أبرزها: الاختلاف في الاستجابة بين الرجال من خلفيات جينية وعرقية مختلفة، وهي مسألة لم تُفسَّر بشكل قاطع حتى اليوم.
2. الحبوب غير الهرمونية: خيار واعد
في عام 2022، طوّر باحثون من جامعة مينيسوتا حبوبًا جديدة لمنع الحمل مخصصة للرجال، تعتمد على آلية غير هرمونية. تستهدف هذه الحبوب مستقبلًا خلويًا يُعرف باسم RAR-α، وهو أحد مستقبلات حمض الريتينويك المشتق من فيتامين A، والذي يلعب دورًا حاسمًا في نمو الحيوانات المنوية.
في التجارب الحيوانية، أدى تناول هذه الحبوب لمدة 4 أسابيع إلى تقليل عدد الحيوانات المنوية إلى مستويات عقيمة مؤقتًا، مع عودة الخصوبة تدريجيًا خلال 4 إلى 6 أسابيع من التوقف عن الاستخدام. ولم يُلاحظ أي تأثير سام أو تغيرات هرمونية ملحوظة، حتى عند زيادة الجرعة 100 ضعف.
نتائج الدراسة تُظهر فاعلية تصل إلى 99٪ في منع الحمل لدى ذكور الفئران، ما يمهّد الطريق لتجارب سريرية بشرية مزمعة في مراحل قريبة.
المصادر:
- جامعة مينيسوتا
- مجلة Nature Communications
- منظمة الصحة العالمية WHO