ماذا لو أصبح جسد الإنسان كتابًا يمكن قراءته؟ ماذا لو أصبح بإمكاننا الاستعداد لمقاومة الأوبئة الجديدة؟ ماذا لو كنا قادرين على تخصيص علاجات رعاية صحية تُجنّب أطفالنا وآبائنا وعائلاتنا وأصدقائنا السفر حول العالم بحثًا عن إجابات لمشاكلهم الصحية؟
في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة، تعاونت مؤسسة قطر مع قناة الجزيرة لإنتاج برنامج وثائقي حول الطب الدقيق، والذي عرض بتاريخ 25 فبراير، على قناة الجزيرة تحت عنوان: كتاب الحياة- الطب الدقيق، حيث سلّط الضوء على جهود مؤسسة قطر في الطب مجال الدقيق، والذي سيكون عاملًا رئيسيًا في مستقبل الرعاية الصحية.
ويعتبر الطب الدقيق نهجًا لعلاج الأمراض التي تؤثر على الفروق الفردية في الجينات والبيئة ونمط الحياة لكل فرد. والإجابة عن العديد من التساؤلات منها: لماذا يتفاعل بعض الأفراد بشكل مختلف مع بعض الأدوية؟ أو لماذا يعاني بعضهم من أعراض شديدة جراء الإصابة بكوفيد-19، بينما لا تظهر أية أعراض على آخرين؟ هذه أسئلة يسعى الطب الدقيق إلى الإجابة عنها، وبالتالي تقديم تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا فعالًا.
الفلم كاملاً
يقول الدكتور سعيد اسماعيل، مدير برنامج قطر جينوم، عضو مؤسسة قطر: “إن الطب الدقيق هو باختصار توفير الرعاية الطبية للفرد بناءً على المكون الوراثي، حيث يتم تقديم برامج رعاية صحية سواء على المستوى الوقائي العلاجي أو التشخيصي للأفراد حسب مكوّنهم الوراثي، ليصبح بذلك العلاج الواحد للجميع من الماضي، ويعطى كل فرد تشخيصًا محددًا من أجل وقاية أكثر فعالية بناء على فهمنا المعمق للمكوّن الوراثي”.
على الرغم من التقدم العلمي الكبير في مجال الطب، لا تزال هناك مساحة مجهولة حيث يقف الأطباء طويلًا أمامها يوميًا، كحالة الطفلة شيرين، التي بدأت تعاني من التهابات حادة في الصدر منذ أن كانت في عمر الخمسة أشهر، وقد تم تقديم مجموعة من الأدوية لها، بما في ذلك المضادات الحيوية، وتم تزويدها بالأكسجين وحتى المهدئات، لكن جسدها الصغير لم يكن يستجيب لأي من تلك العلاجات. استمرت حالتها في التدهور حتى وصلت إلى مرحلة لم تستطع فيها التنفس بمفردها واضطررت إلى وضع جهاز التنفس الصناعي.
بينما كانت الطفلة تكافح من أجل حياتها، تمت إحالتها إلى مركز سدرة للطب التابع لمؤسسة قطر، حيث أجرى الأطباء بعض الفحوصات منها الجينية واكتشفوا أن الطفلة لديها خلل في جين معين يؤثر على مناعتها. وكان هذا كافيًا للأطباء من أجل تقديم العلاج الدقيق لحالتها، مما جعلها في طريقها للشفاء منذ ذلك الحين.
وتعدّ تقنية علم الجينوم من أبرز التقنيات التي تساعد في تحقيق مهمة الطب الدقيق، حيث يقول الدكتور خالد فخرو، رئيس قسم الأبحاث في مركز سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر: “أكثر ما يميّز الطب الدقيق عن الطب التقليدي هو توفّر التكنولوجيات والتقنيات المناسبة لتشخيص المرض على المستوى الجزيئي، وقد تكون تقنية علم الجينوم والتي يمكننا من خلالها قراءة تسلسل الجينوم عند الفرد وتحليل جيناته على حدى من أبرز هذه التقنيات انتشارًا”.
يساهم الطب الدقيق في التعامل مع أمراض المناعة ويلعب دورًا في استكشاف خصائص جائحة كوفيد- 19 ما يساعد على الحد من انتشاره.
يقول الدكتور حمدي مبارك، مدير الشراكات العلمية في قطر جينوم: “يحتل كوفيد-19 الآن الأهمية القصوى في أبحاثنا العلمية في قطر جينوم، حيث نساهم مع الدولة في الحد من انتشار هذه الجائحة من خلال تطوير الأبحاث العلمية لفهم دور الجينوم البشري في تفسير خطر الإصابة بـكوفيد-19”.
يعدّ علم الجينوم وتطبيقاته في مجال الطب الدقيق، والذي يحقق تقدمًا في دولة قطر التي تبنت البحث العلمي كأحد أولوياتها الوطنية، سيكون عاملًا حاسمًا في تشكيل مستقبل البشرية.