نتيجة لتطور الحياة، وللإضاءة التي غزت كل مناطق الكون، والتلفزيون، والكمبيوترات اللوحية والهواتف الذكية، فقد تحولت ساعات الليل لتصبح تشبه ساعات النهار، فأصبح البالغين والأطفال يقضون ساعات أكثر بالسهر، وهذا النظام ألقى بآثاره على صحة البشر، كون السهر لأوقات متأخرة في الليل غالباً ما يؤدي لتخزين السعرات الحرارية، فالتأخر في أوقات النوم غالباً ما يدفع الأشخاص إلى تناول وجبات ليلية، وهذا ما دعى الباحثين من معهد سالك للقيام بدراسة جديدة تحذر من تمديد فترة تناول الوجبات الخفيفة، وتوصي بأن يتم تناول الطعام خلال 8 إلى 12 ساعة خلال اليوم، حيث أن هذا قد ينجح في الوقاية من ارتفاع نسبة الكولسترول والسكري في الدم ويقلل من خطر السمنة.
إن هذه النتائج التي تم نشرها في 2 كانون الأول من عام 2014 في مجلة (Cell Metabolism)، أضافت دليلاً جديداً إلى الأدلة المتزايدة التي تشير إلى أن ما قد يؤثر على صحتنا لا يتوقف فقط على ما نأكله، بل أيضاً على الوقت الذي نأكله فيه، وعلى الرغم من أن هذا المبدأ لم يتم اختباره على البشر حتى الآن، إلا أن الكثير من الحميات الغذائية توصي بوضع أوقات محددة لتناول الطعام كطريقة محتملة لخسارة الوزن.
في عام 2012، أظهر (ساتشيدانادا باندا)، وهو أستاذ زميل في معهد سالك، أن الفئران التي تم إعطاؤها وجبات عالية الدهون، ولكن ضمن مدة محصورة بثماني ساعات فقط في اليوم الواحد، كانت أكثر صحة وأقل حجماً من الفئران التي أعطيت نفس نوعية الطعام ولكن على مدار يوم كامل، على الرغم من أن المجموعتين استهلكتا ذات كمية السعرات الحرارية، أما هذه الدراسة الجديدة فقد أظهرت أن فوائد التقيّد بالوقت فيما يخص موضوع الطعام كانت أكثر عمقاً مما كان يعتقد في البداية، حيث أن التقيد بأوقات محددة للطعام يقي من السمنة والسكري في النماذج الحيوانية.
أظهر الباحثون أن التقيّد بالفترة الزمنية للطعام يحقق مزامنة أفضل لوظائف مئات الجينات ومنتجاتها في الجسم مع الوقت المتنبأ به للأكل، حيث يشير (باندا) أن معظم النصائح التي تعطى للأشخاص في مجال التغذية، تشدد على وجوب تغيير النظام الغذائي واتباع نظام غذائي صحي، ولكن الكثير من الأشخاص لا يمكنهم الوصول إلى تلك الوجبات صحية، لذا فإن السؤال هو، هل يمكن لهؤلاء الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على نظام غذائي صحي، أن يتقيدوا بفترات زمنية معينة لتناول الطعام وجني بعض الفوائد؟
أراد (باندا) وزملائه الذين قاموا بدراسة إيقاع الجسم على مدى الـ24 ساعة، أن يعرفوا مدى فائدة التقيّد بأوقات التغذية، لذلك قاموا في دراسة جديدة، بتعريض مجموعة من حوالي 400 فأراً، تتراوح أحجامها من الطبيعي إلى البدينة، إلى أنواع مختلفة من الوجبات الغذائية وعلى فترات مختلفة من الوقت، ووجدوا أن التغذية ضمن أوقات محددة أظهرت فوائداً كبيرة، وذلك بغض النظر عن وزن الفأر، ونوع النظام الغذائي وطول القيد الزمني، حيث أنه بالرغم من تناول الفئران التي تم إخضاعها لقيود زمنية تتراوح من 9 إلى 12 ساعة لأطعمة غنية بنسب عالية من الدهون، أوالسكروز أو الفركتوز، فإنها وزنها كان أقل من وزن المجموعة الضابطة التي كانت تستهلك ذات الكمية من السعرات الحرارية يومياً ولكن بدون وجود أوقات زمنية محددة.
التجربة كانت تتضمن وضع عدة قيود زمنية للفئران، فهناك فترة تغذية تستمر 9 ساعات وفترة تستمر 10 ساعات وفترة تستمر 12 ساعة وفترة تستمر لمدة 15 ساعة في اليوم الواحد، وسُمح للفئران خلال هذه الفترة بتناول الطعام الذي يحتوي على نسبة عالية من الدهون، بالنتيجة تبين أن الفئران التي تم تقييد تغذيتها بين فترات تتراوح بين 9 و 10 و 12 ساعة، أسفرت جميعها عن فئران خالية من الدهون، إلّا أن مجموعة الفئران التي كانت فترة تغذيتها تصل إلى 15 ساعة، كانت الفوائد التي جنتها أكثر تواضعاً.
بعد ذلك قام الباحثون بإعطاء بعض الفئران كانت تتبع نظام الوقت المقيد في الطعام، فترة راحة في عطلة نهاية الأسبوع، يتيح لها حرية الوصول إلى وجبات عالية الدهون في أي وقت من هذين اليومين، وكانت النتيجة أن هذه الفئران اكتسبت كتلة دهنية أقل من المجموعة الضابطة، إضافةً إلى ذلك، فإن الفئران التي اتيح لها إمكانية الوصول إلى الأطعمة بحرية في عطلة نهاية الأسبوع فقط، بدت مشابهة إلى حد كبير للفئران التي تم تقييد ساعات الطعام لديها ولم تعطى فترة راحة في نهاية الأسبوع، مما يشير إلى أن هذا النظام الغذائي يمكن أن يتحمل بعض الانقطاعات المؤقتة.
بحسب المؤلف الأول للدراسة (أماندين تشايكس)، وهو باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر (باندا)، فإن حقيقة أن هذا النظام الغذائي يعمل بغض النظر عن نوعية الأطعمة التي يتناولها الشخص، أو الانقطاعات التي يمكن أن تحدث خلال أيام الأسبوع، كان مفاجأة جميلة جداً، والأهم من ذلك، فإن الفئران التي أصيبت بالسمنة المفرطة جراء تناول الوجبات عالية الدهون التي كانت متاحة لهم بحرية طوال الوقت، فقدت 5% من وزن جسمها في غضون بضعة أيام، عندما تم تقييد وقت طعام هذه الفئران إلى تسع ساعات في اليوم فقط، وذلك على الرغم من أنها استمرت في استهلاك ذات الكمية من السعرات الحرارية، وبالنهاية وبعد 38 أسبوعاً، تبين أن الفئران التي لم يتم تقييد نظامها الغذائي بساعات محددة، زاد وزنها بنسبة 25% عند مقارنتها مع الفئران التي تم تقييد أوقات طعامها، على الرغم من أن كلا المجموعتين تناولتا ذات الكمية من السعرات الحرارية.
أخيراً، فإن هذه التجربة بينت أيضاً أثر تقييد وقت الطعام على الإصابة بمرض السكري، حيث كشفت نتائج التحليل الشامل لنواتج الأيض في دم الفئران التي كانت تتبع نظاماً غذائياً مقيد الوقت، أن المسارات الجزيئية المتعددة التي كانت قد تعطلت لدى الفئران التي تعاني من اضطرابات في الأيض، عادت لتصبح طبيعية وعملت حتى على توفير الوقاية للمسارات التي تتصل بها، ويضيف (تشايكس)، أن الخطوة التالية ستشمل إلقاء نظرة أكثر تعمقاً على هذه المسارات، وكذلك التحقيق فيما يمكن أن يحققه النظام الغذائي المقيد الوقت عند تجربته على البشر.