ما بين النظرية والتطبيق مسافة كبيرة ان لم يتم اجتيازها فيظل كل منهما فى مكانه. جاءت النظرية من أجل أن تجد لها مجالا تطبيقيا مرئيا ومسموعا بل وملموسا، لا من أجل أن تظل حبيسة الأدراج، فى حين جاء التطبيق من أجل أن ينتزع النظرية من بين طيات الأفكار والأوراق ويضعها وبقوة على أرض الواقع الذى يختلف باختلاف كل مكان وزمان. ولكن كيف للتطبيق ان يلتقى بالنظرية؟ أم أن معظم النظريات كلام مرسل لا قيمة له نرسله فى الفراغ كى نستهلك به جهودنا وأوقاتنا؟ أم أن التطبيق شئ عزيز يأبى أن يقوم بجذب النظرية الى أرض الواقع؟ أم أن المشكلة فى صعوبة الجميع فيما بينهما نتيجة لصعوبة التقاء العقل والمنطق مع الواقع الممتلئ بعدد لا نهائى من المعوقات التى تشكل حاجز طاقة قوى يكاد يحول بيننا وبين الوصول الى التكنولوجيا التى نسعى الى تحقيقها. التكنولوجيا التى هي فى الأصل كلمة يونانيّة تتألّف من مقطعين، هما: “تكنو”، التي تعني فن، أو حرفة، أو أداء، فى حين تعنى “لوجيا”، أي دراسة، أو علم، وبذلك فإنّ كلمة تكنولوجيا تعني علم المقدرة على الأداء، أو التطبيق. ومن ثم فمقدرة التطبيق لن تكون الا نتاج المزج المتجانس بين النظرية وتطبيقها فى الواقع، وبالتالى فان مقدرة التطبيق لن تكون الا فى المقدرة على اجتياز حاجز الطاقة القوى ولن يكون كل هذا الا فى وجود عامل حفاز ذا مواصفات بازغة ومستقبلية. والعامل الحفاز فى معادلة الحياة هو الارادة القوية التى تتطلب فى كثير من الأحيان بيئة ومتطلبات متلاحمة وممتزجة بحرارة الضمير الذى كثيرا ما تتسرب حرارته، الأمر الذى يتطلب منا نظاما حراريا مغلقا.
ان مقدرة التطبيق فى شتى ميادين العلوم غير بعيدة فى حالة توافر كل من الارادة والضمير، وتكون بعيدة، بل ومستحيلة عند انفصام الارادة عن الضمير. هذه هى مقدرة التطبيق الحياتى عند الانسان كونه محور حركة الحياة، أما مقدرة التطبيق عند المكونات غير الحية لا تتطلب كل هذا، نظرا لافتقادها أى ارادة أو ضمير. فالتطبيق الفطرى فى الجوامد كائن وموجود، فالنظرية هى التطبيق ولا يوجد فيما بينهما أى حاجز طاقة أو أى معوقات. أما الانسان بما وهبه الله من نعمة العقل والتفكير والقدرة على الاختيار، فقد أصبح بين يديه كل من النظرية والتطبيق علاوة على الارادة والضمير، وأصبحت التكنولوجيا فرض عين خصوصا مع كل تطور مكانى وزمانى. وفرض عين التكنولوجيا أى تكنولوجيا لن تقوم لها قائمة الا مع استمرارية تكنولوجيا جبر الخواطر.
تكنولوجيا جبر الخواطر تقوم على مقدرة الاداء أو التطبيق فى اصلاح النفوس بالمعروف ماديا و معنويا ، وتطيب القلوب بالكلمة الطيبة، وهذا أساس كل القوانين الالهية والوضعية فان صلحت النفس صلح الجسد كله بل وصلح الكون كله. فعندما كانت ذرة الصوديوم تمتلك الكترون وحيد فى مستوى الطاقة الأخير، وكانت ذرة الكلور فى حاجة شديدة الى هذا الالكترون لتستكمل مستوى الطاقة الأخير عندها، تم جبر خاطرها بهذا الالكترون وتكونت فيما بينهما أيونات كليهما، الأمر الذى أدى بدوره الى تكوين رابطة أيونية قوية بين أيونات الكلور والصوديوم وبالتالى وبناءا على تكنولوجيا جبر الخواطر حصلنا على ملح الطعام الذى لا يمكننا بأى حال من الأحوال الاستغناء عنه. هذه المقدرة فى التطبيق لم ولن تحتاج الى عنصرى الارادة والضمير لأنها جاءت بالامر الالهى الذى سمح للانسان بحرية الاختيار. فزينة الأشياء وقوتها واستمراريتها لن تكون الا مع وفى وجود تكنولوجيا جبر الخواطر، التى تقوم على الكلمة الطيبة والنظرية السليمة والتصرف الصحيح، فالكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة والكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة وفى كليهما عظة وعبرة.
مرّت تكنولوجيا جبر الخواطر بكثير من التّطورات عبر العصور، فكانت هذه التكنولوجيا متواجدة طالما تواجد الإنسان، وكانت أبرز تطورات هذه التكنولوجيا وأزهى عصورها فى العصر الاسلامى. ومن فوائد هذه التكنولوجيا: التواصل الجيد والمثالى مع الآخرين، وزيادة فرص العمل الصادق، وزيادة الثروة المعلوماتية، وزيادة استقرار النفس وراحة البال، وتوفير الوقت والجهد واستئصال الكرة والضغينة من جذورها. ومن تطبيقات هذه التكنولوجيا، التقدم اللامحدود فى كافة أنواع وصور التكنولوجيا بمعانيها المختلفة.