تكنولوجيا المواد المتناهية الصغر، والمعروفة أيضًا بتكنولوجيا النانو وبتكنولوجيا القزم والتى تعتبر فرع من فروع العلوم والتكنولوجيا ، تركز على دراسة وتصميم وتطوير المواد والهياكل على مقياس نانوي (من 1 إلى 100 نانومتر). تمثل هذه التكنولوجيا ثورة في مجالات متعددة (طبية وصناعية وزراعية وبيئية وجنائية…..ألخ)، نظراً للتغييرات الكبيرة التي تحدث في خصائص المواد عند تقليل حجمها إلى المستوى النانوى. ومع اختلاف الاستخدام والتطبيق، يختلف المسمى الشكلى لهذه التكنولوجيا مع ثبات وعدم اختلاف موضوعها، الأمر الذى وجدنا معه تكنولوجيا النانو الحيوية، وتكنولوجيا النانو الهندسية، وتكنولوجيا النانو الجنائية وهكذا. وامام امتلاك هذا القزم أو النانو للعديد من المواصفات والخصائص التى جعلت منه شئ فريداً ومثيراً، أصبح لا يترك مجالا أو حضارة الا وكاد يسيطر عليه/عليها سيطرة كاملة من خلال تقنية أو ألية معينة لدرجة أن تقنية النانو (القزم) أصبح يشار اليها بتقنية الأغراض العالمية. وهنا سوف نلتقط من بستان علم النانو احدى الثمار الناشئة لنضعها على مائدة الباحثين القانونين اعتمادا على ما لدينا من خبرة فى مجال المواد المتقدمة وتكنولوجيا النانو الحيوية، وما لنا أيضا من بعض الخبرات القانونية، علنا نضع بين أيدى الباحثين ثمرة ناضجة طيبة يستفيدون منها وتكون صدقة جارية لنا.
وبما أن القضاء هو أحد العناصر الأساسية في النظام القانوني لأي دولة ولكافة دول العالم، فانه يعتبر الملاذ الآمن للكثير من الأفراد داخل الدول، وأيضا الملاذ الأكثر أمانا للكثير من الدول حتى وان خاضت فيما بينها بعض الحروب. حيث يمثل القضاء الهيئة التي تختص بتطبيق القوانين وتسوية المنازعات والفصل فيها. ومن هنا كان من الضرورى أن تستحدث الطرق والآليات كألية وتقنية النانو التى تيسر وتوفر قطعية الأدلة والقرائن أمام القاضى حتى تستقر عقيدته ويفصل فى المنازعات المنظورة أمامه فصلا دالا على الحقيقة فى كثير من الأحيان، هذا الفصل الذى غالبا ما يكون عنوانا للحقيقة. وبما أن هذه الألية الذكية (تقنية النانو) ليست بالبسيطة فانها تعتمد فى دراستها على المتخصصين من العلماء والباحثين، وتعتمد أيضا فى تطبيقها على الفنيين والباحثين فى الطب الشرعى الذين ينسجون تقاريرهم بفنية وحرفية لتكون أمام القاضى الذى يفسرها ويكيفيها طبقا لما تستقر عليه عقيدته المقيده بحدود النص القانونى والخاضعة فى الوقت نفسه للتفتيش القضائى. الطب الشرعي كفرع من فروع الطب يهتم ويختص بتطبيق العلوم الطبيعية والطبية على المسائل القانونية. حيث يلعب الطب الشرعي دورًا حاسمًا في تحقيق العدالة من خلال تقديم الأدلة العلمية وتحليلها في القضايا الجنائية والمدنية.
تكنولوجيا النانو الجنائية هي مجال ناشئ يدمج تقنيات النانو في تطبيقات القانون والنظام العدلي. رغم أن هذا المجال لا يزال في مراحله الأولى مقارنة بتطبيقات تكنولوجيا النانو الأخرى، إلا أن له إمكانيات كبيرة في تعزيز قدرات التحقيقات الجنائية، وتحسين أمان الوثائق، وإدارة الأدلة بشكل أفضل. وفيما يلى بعض التطبيقات المحتملة لتكنولوجيا النانو في النظام القضائي: (أولا) تحليل الأدلة: حيث يمكن استخدام الجسيمات النانوية في تحليل الأدلة الجنائية، مثل تتبع المواد أو مكونات الأنسجة. الأمر الذى يساعد بدوره الفعال جهات التحقيق فى تحديد هوية المشتبه بهم أو الضحايا بدقة أكبر. ففحص وتحديد نوع الحمض النووى الجنائى يتم بعد استخلاصه وعزله من سوائل الجسم الدالة عليه ومن عينات وبقايا الهياكل العظمية التى تشترى للتحليل الجنائى، ذلك باستخدام جسيمات النحاس النانوية أو جسيمات نانوية مغناطيسية قائمة على السيليكا أو جسيمات الماجنتيت مع مركبات كربوكسيلية لتضخيم تقنية تفاعل البوليميراز المتسلسل المستخدمة فى عملية الاستخلاص والعزل. (ثانيا) تقنيات التصوير: حيث يتم استخدام المواد النانوية فى تحسين تقنيات التصوير، مثل التصوير بالأشعة تحت الحمراء أو الأشعة السينية، كما يمكن أن يساهم هذا في الكشف عن أدلة قد تكون غير مرئية بالطرق التقليدية. (ثالثا) الأدلة المادية: حيث يمكن استخدام تقنية النانو لتطوير مواد جديدة يمكن استخدامها كأدلة في الكثير من القضايا الاجرامية، مثل الأصباغ التي تتغير لونها عند تعرضها لمركبات معينة. (رابعا) الأمان والتوثيق: حيث يمكن تحسين أمان الوثائق القانونية والسجلات القضائية من خلال استخدام تقنيات النانو مثل الطباعة الدقيقة أو الأختام النانوية التي يمكن أن تكشف عن التلاعب أو التزوير. (خامسا) تحليل المواد الكيميائية والسموم: حيث يمكن استخدام التقنيات النانوية في تحليلات دقيقة للمواد الكيميائية والسموم في الأدلة المعملية، مما يساعد في تقديم أدلة قوية للمحاكم. (سادسا) النانو في البصمات: تقنيات النانو يمكن استخدامها في تحسين قدرة اكتشاف وتحليل البصمات، مما يزيد من دقة التحرى فى الجرائم المرتكبة وعلاج الأدلة. حيث يتم التعرف على الشخص من خلال علامات الأصابع، هذه العلامات التى تعتبر الأدلة المتبقية من التلال الممزقة للإصبع. ومن خلال مسارح الجريمة وجد أن هناك ثلاثة أنواع من بصمات الأصابع، هي البلاستيكية والواضحة والكامنة. وبالفحص والتمحيص فى مسارح الجريمة وجد أن معظم بصمات الأصابع الكامنة تكون مرئية أو غير مرئية للعين المجردة والتي تتطلب مزيدًا من المعالجة. ومع تشويه أو اختفاء الكثير من هذه البصمات قد يكون هناك ما تتركه الأصابع من بقايا العرق في مسرح الجريمة على الأشياء أو الأغراض والتى يمكن اكتشافها اعتمادا على مكوناتها غير العضوية. وفى هذا الصدد كان لابد من ضرورة استحداث مساحيق بصمات الأصابع لتطوير اكتشاف وتحديد علامات الأصابع الكامنة. حيث يتم نثر مسحوق بصمات الأصابع على المنطقة التي ستلتصق ببقايا العرق التي يتركها الإصبع ، ومن ثم نستطيع الحصول على أنماطً تؤهلنا للتنبؤ بها، الأمر الذى يجعل البصمة الكامنة ملونة أو فلورية لسهولة التعرف عليها. وتُعد رقائق الألومنيوم والكربون الأسود من أفضل المواد التي تُستخدم عمومًا في تطوير التعرف على بصمات الأصابع الكامنة . كما سهّلت أساليب تقنية النانو الجديدة في تحليل بصمات الأصابع وكشف الأدلة الجديدة في القضايا الاجرامية. ومن خلال البحث والتطوير فى تقنيات الحصول على النانو، تمكن الباحثون من استخدام جسيمات ذكية من الذهب النانوى، بغية استهداف الأحماض الأمينية على الأسطح غير المسامية، الأمر الذى سمح بتحليل أفضل لبصمات الأصابع الكامنة. كما يمكن التصوير المجهرى لبقايا بصمات الأصابع النانوية، واكتشاف كريمات الجسم ومستحضرات الوقاية من الشمس المتبقية على الجلد باستخدام جزيئات نانوية من ثاني أكسيد التيتانيوم أو أكسيد الزنك.
تحديات تقنية النانو في النظام القضائي: (أولا) السلامة والأخلاقيات: مثل أي تقنية جديدة، هناك قضايا تتعلق بالسلامة والأخلاق يجب النظر فيها، خاصة عندما يتعلق الأمر باستخدامها في الطب الشرعي والتحاليل الجنائية. (ثانيا) القضايا القانونية: قد تظهر مشكلات قانونية جديدة تتعلق بكيفية استخدام الأدلة التي تم الحصول عليها من خلال تكنولوجيا النانو، بما في ذلك مسائل الخصوصية والنزاهة العلمية.
وأخيرا وليس آخرا ان تكنولوجيا النانو الجنائية تمثل خطوة نحو الأمام في تحسين كيفية إدارة النظام القضائي للأدلة وإجراء التحقيقات. بينما لا تزال بعض التطبيقات في مراحل البحث والتطوير، فإن العديد من هذه التقنيات تظهر وعدًا كبيرًا في تعزيز دقة وفعالية النظام القضائى