متلازمة توريت هي عبارة عن اضطراب عصبي يسبب القيام بحركات لاإرادية وسماع أصوات عالية داخل الدماغ، حيث تعرف هذه الاضطرابات باسم العرة، وحتى الآن لم يتمكن الطب من إيجاد علاج لهذه المتلازمة، ولكن متخصصين من جامعة ولاية فلوريدا في مركز الاضطرابات الحركية، استطاعوا الوصول للقيام بإجراء معين يمكنهم من خلاله الحد من أعراض هذه المتلازمة، ويسمى هذا الإجراء تحفيز الدماغ العميق (DBS)، حيث تم اختيار فتاة تدعى (آمبر كومفورت) تبلغ من العمر 25 عاماً لإجراء هذه الجراحة التجريبية لها، وذلك بعد معاناتها لسنوات عديدة من متلازمة توريت وتجربتها للعديد من العلاجات الفاشلة، حيث تم اعتبار حالتها أحد أسوء الحالات التي شاهدها الأطباء في الولايات المتحدة.
تعاني (كومفورت) من هذه المتلازمة منذ أكثر من 20 عاماً، وقد تسببت لها حالتها بالكثير من المشاكل أثناء حياتها الدراسية وفي حياتها العملية على حد سواء، وخلال حياتها كانت حالتها تتطور في كل لحظة، فبحسب قولها إنها لا تتذكر أي لحظة مضت عليها لم تكن تعاني فيها من الحركات اللاإرادية وتسمع فيها الأصوات العالية داخل دماغها.
يقوم هذا الإجراء في مبدئه على زراعة أقطاب كهربائية صغيرة في الدماغ لتحفيز المناطق المتضررة لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات حركية مثل مرض الباركنسون أو الرعاش، حيث يتم توصيل الكهرباء إلى مناطق عميقة في الدماغ عن طريق أقطاب تكون مرتبطة بمولد دفعات أو جهاز لتنظيم ضربات القلب يتم زرعه تحت جلد المريض، مما يوفر نبضات كهربائية إلى المنطقة المتضررة من الدماغ، حيث يتم إيصال النبضات للدارات الدماغية المرتبطة بمهارات حركية محددة، وهذا يؤدي إلى تغيير الوصلات بين الخلايا العصبية وإيقاف النشاط الشاذ الذي يؤدي للتسبب بتلك الأعراض.
الجدير بالذكر أنه تم الموافقة على DBS)) لأول مرة في عام 1997، بهدف علاج مرض الرعاش، ومنذ ذلك الحين تم إجراء هذا النوع من الجراحات لأكثر من 100 ألف مريض، لكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها استخدامه لعلاج متلازمة توريت على (كومفورت).
بحسب طبيب الأعصاب الدكتور (مايكل اوكون)، المدير المشارك لمركز اضطرابات الحركة، ومؤلف كتاب “علاج الباركنسون: 10 أسرار لحياة أكثر سعادة مع مرض الباركنسون”، فإن متلازمة توريت تتميز بالاندفاع الذي يجمع بين كل من النشاط العاطفي والحركي، لذا فإن الأعصاب الأساسية المسؤولة عن هذه المتلازمة مختلفة عن الأعصاب المسؤولة عن مرض الشلل الرعاش وغيره من الحالات التي تم معالجتها سابقاً باستخدام تقنية DBS، والاختلاف يكمن بأن الحركة في متلازمة توريت ليست مستمرة طوال الوقت.
عندما يصاب المريض بالعرة فإن هذه الحالة تصبح تراكمية، حيث يشعر المرضى بأنهم بحاجة ملحة الى التحرك، والمزعج بأنهم لا يشعرون بالتحسن حتى يتحركون، حيث يمكن تشبيه هذا الشعور بإصابة شخص ما بـ 15 لدغة بعوض لا يمكنه حكها، ولا توجد طريقة لمعرفة في أي وقت قد يصاب المريض بهذا الشعور، وحتى الآن، كانت العلاجات المتوفرة لمتلازمة توريت عبارة عن علاجات سلوكية وأدوية مهدئة، إلّا أن هذه العلاجات لم تستطع سوى تمكين المريض من السيطرة على شدة التشنجات اللاإرادية وجعلها أقل إرباكاً، ولكن أياً من هذه الأدوية لم يستطع منع أعراض المتلازمة.
تم إجراء عملية زرع أقطاب (DBS) في دماغ (كومفورت) في سبتمبر عام 2014، وقد استغرقت العملية 12 ساعة وتضمنت القيام بست عمليات، فبالإضافة إلى زراعة الأقطاب الكهربائية العادية، تم زراعة جهاز جديد يشبه الشبكة في الجزء العلوي من الدماغ، وهذه العملية هي بمثابة إجراء تجريبي يهدف إلى جمع المعلومات من دماغ (كومفورت) للتقليل من التشنجات اللاإرادية التي تصيبها، وقد تساعد يوماً ما أيضاً في إيقافها.
أثناء العملية تم إحداث أربعة ثقوب في جمجمة (كومفورت)، وقد تم إجراء العملية بدون تخدير طوال مدة العملية، كون استخدام المهدئات كان سيؤدي إلى قمع النشاط الدماغي، وبهذا لن يستطيع الأطباء الحصول على قراءات صحيحة للتأكد من نجاح العملية.
على الرغم من نجاح عملية (كومفورت)، ولكن زراعة أجهزة التحفيز والتسجيل هي مجرد بداية لعملية DBS، حيث سيقوم الأطباء بعد العملية بمراقبة النشاط الدماغي لـ (كومفورت) على مدى 6 إلى 12 شهراً، وستوفر الشبكة التي تم زرعها في الجزء العلوي من الدماغ نظرة ثاقبة للسبب الكامن وراء متلازمة توريت، بحيث يمكن للأطباء بعد التعرف على سبب المتلازمة أن يقوموا بتنظيم النبضات الكهربائية التي سيتم إرسالها للدماغ، على أمل التمكن من البدء في التحكم أو ربما القضاء على التشنجات اللاإرادية التي تصيب (كومفرت) في يوم من الأيام، أما بالنسبة لـ(كومفورت)، فإن هذه العملية هي بمثابة فرصة للعيش بشكل طبيعي.