تعرفنا في المقال السابق على بعض الظواهر الطبيعية اليومية التي قد تتفاجأ من أن العلم لم يجد تفسيراً لها بعد وإليكم المزيد من هذه الظواهر في هذا المقال
كيف يعمل الدماغ؟
مع وجود مليارات الخلايا العصبية، التي تتصل كل منها بآلاف المشابك العصبية، يبدو العقل البشري وكأنه طريق عام معقد ومزدحم للغاية، وعلى الرغم من أن أطباء وعلماء الأعصاب بدأوا جاهدين بالبحث عن الكيفية التي يقوم بها العقل بتوليد الأفكار والأفعال والمشاعر والوعي، إلّا أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من امتلاك جميع الأجوبة.
تلك الآلية المعقدة التي يمتلكها الدماغ جعلت من مهمة فهمه صعبة حتى على أكبر الأدمغة العلمية، فما الذي يجعل الدماغ لغزاً يصعب تفكيكه؟
وفقاً لـ(سكوت هوتيل) من مركز علم الأعصاب الإدراكي في جامعة ديوك، فإن الإجابة المحددة لهذا السؤال تبدو إلى حد ما على هذا النحو: “إن الدماغ البشري هو الجسم الأكثر تعقيداً في الكون المعروف … وهذا التعقيد يجعل النماذج البسيطة غير عملية والنماذج الدقيقة غير قابلة للفهم”.
هناك عامل أكثر خبثاً عندما يتعلق الأمر بدراسة الدماغ، وهو أننا جميعاً نفهم الدماغ من خلال تجاربنا، ولكن تجاربنا الذاتية الخاصة قد تكون دليلاً ضعيفاً جداً للاحتذاء به لمعرفة كيفية عمل الدماغ.
مع ذلك، فقد حقق العلماء بعض التقدم من الناحية الموضوعية “للنظر” في الدماغ البشري، ففي السنوات الأخيرة، أتاحت تقنيات تصوير الدماغ، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، للعلماء فرصة مراقبة الدماغ وهو يعمل وتحديد كيفية عمل مجموعات من الخلايا العصبية.
من خلال ذلك، استطاع العلماء تحديد المراكز الدماغية المسؤولة عن مهام معينة، مثل الشعور بالأوضاع الخطيرة، ومعالجة المعلومات البصرية، وتوليد الأحلام الجميلة وتخزين الذكريات على المدى الطويل، ولكن فهم الآليات التي تسمح للشبكات العصبية بالتعاون فيما بينها للقيام بمثل هذه المهام بقيت أكثر غموضاً.
إلى جانب ذلك، فإن اللغز الأكثر صعوبة في مجال أبحاث الدماغ هو فكرة الوعي، فعند النظر إلى لوحة، على سبيل المثال، فإنك تدركها ويبدأ عقلك بمعالجة الألوان والأشكال، ولكن في الوقت نفسه، فإن الانطباع البصري يمكن أن يثير أنواعاً مختلفة من المشاعر والأفكار، وهذا الوعي الذاتي والإدراك هو الوعي.
يرى كثير من العلماء بأن الوعي هو الخط الفاصل بين البشر والحيوانات الأخرى، فبدلاً من أن تؤدي العمليات المعرفية مباشرة إلى توليد السلوك (دون علمنا)، فإننا ندرك عملية التفكير هذه، ونعلم بوجودها!
في النهاية فإذا ما تم حل هذا اللغز في أي يوم، فإن هناك سؤال محير آخر سيخرج ليحل مكانه، وهو لماذا نمتلك الوعي أساساً؟
كيف تعمل الدراجات؟
يعتبر الدماغ من الأعضاء الفائقة التعقيد، لذلك قد يكون من المنطقي نوعاً ما ألا يكون العلماء لقد اكتشفوا بعد جميع أسراره، لكن لا بد وأن يكون أولئك العلماء قد استطاعوا فهم شيء بسيط مثل الدراجة، أليس كذلك؟ خطأ، لا يزال أعظم علماء العالم غير متأكد من كيفية عمل الدراجات.
يمكن للدراجات البقاء منتصبة لوحدها، طالما أنها تسير قدماً، حيث أنه كلما بدأت الدراجة بالميلان نحو اتجاه معين، يقوم محور التوجيه فيها (القطب المعلق بالمقود) بالتحول إلى الاتجاه الآخر، مما يميل الدراجة ويجعلها تستقيم مرة أخرى، وكان يعتقد لفترة طويلة بأن هذا التأثير التصحيحي ينتج عن قانون فيزياء يسمى بالمحافظة على الزخم الزاوي، فعندما تبدأ الدراجة بالتمايل، فإن المحور العمودي على اتجاه دوران عجلاتها يبدأ بالتغيّر، وبذلك فإن الدراجة تصحح من سيرها ذاتياً “للحفاظ” على اتجاه المحور، وبعبارة أخرى، فإن الدراجة هي ببساطة عبارة عن جيروسكوب.
بالإضافة إلى ذلك، كان يُعتقد بأن “تأثير التتبع” (trail effect) هو من يساعد على إبقاء الدراجات مستقرة: لأن محور التوجيه يضرب الأرض في منطقة تقع إلى الأمام قليلاً من نقطة اتصال الأرض بالعجلات الأمامية، وهذا ما يجعل العجلة مقيّدة بتتبع نقطة التوجيه من المقود.
لكن في الآونة الأخيرة، دحضت مجموعة من المهندسين بقيادة (اندي روينا) من جامعة كورنيل هذه النظرية عن حركة الدراجة، حيث أظهرت أبحاثهم بأن تأثير التتبع والحركة الجيروسكوبية غير ضروريان لتعمل الدراجة، ولإثبات ذلك، قام المهندسون ببناء دراجة مخصصة، لا تتبع أي من التأثيرين، وقد تم تصميم الدراجة بحيث تعمل كل من عجلاتها على تدوير عجلة ثانية فوقها في الاتجاه المعاكس، وبهذه الطريقة، فإن تأثير الدوران من العجلات يلغى ويصبح معه إجمالي الزخم الزاوي للدراجة الصفر، ويمحى الأثر الجيروسكوبي على استقرار الدراجة، ولإلغاء تأثير التتبع، قام العلماء بوضع نقطة اتصال الأرض بالدراجة أمام محور توجيهها أيضاً، ولكن مع ذلك عملت الدراجة بشكل جيد.
في تلك التجربة، استطاع المهندسون معرفة السبب الذي جعل الدراجة تعمل، حيث أنهم أضافوا كتلة على الدراجة في أماكن معينة لتمكين الجاذبية من جعل الدراجة توجه نفسها ذاتياً، ولكن العمل أظهر أن هناك العديد من الآثار التي تتدخل في استقرار الدراجات – بما في ذلك التأثير الجيوروسكوبي وتأثير التتبع في حالة من الدراجات التي تمتلكها – وتتفاعل بطرق معقدة للغاية، ولكن ليس هناك شيئاً مؤكداً بعد.
لماذا ينجذب العث إلى الضوء؟
قد لا يستعجب أحد إذا ما رأى عثة تحلق مباشرة نحو مصباح الضوء وتموت، فنحن نشاهد هذا المشهد كثيراً لدرجة أنه لم يعد يسترعي اهتمامنا لمناقشته، ولكن من المستغرب أن السبب الكامن وراء انتحار هذه الحشرات بهذه الطريقة لا يزال لغزاً كبيراً، حتى أن التكهنات العلمية حول هذا الأمر ليست جيدة لتفسيره.
يعتقد بعض علماء الحشرات بأن العث ينجذب نحو مصادر الضوء الاصطناعي لأن الأضواء تخرب أنظمة الملاحة الداخلية لديه، ومن خلال سلوك يدعى بالتوجيه العرضي، تنتقل بعض الحشرات التي تحلق بزاوية حادة ثابتة باتجاه الضوء البعيد، مثل القمر، ولكن عندما يأتي الأمر للأضواء التي صنعها الإنسان، مثل النار أو ضوء شرفة المنزل، فإن هذه الحشرات تحاول تطبيق هذا القانون بنحو مماثل على الأضواء الصناعية وتتجه نحوها، لأن تلك الأضواء تفقدها حسها بتوازن الطيران الداخلي، وتصيبها بخداع بصري لترى بشكل وهمي مناطق مظلمة بالقرب من الضوء فتندفع نحوها ويكون مصيرها الهلاك.
ولكن هذه النظرية تواجه عقبتين الرئيسيتين، حيث يوضح (جيري باول)، خبير علم الحشرات في جامعة كاليفورنيا بيركلي، بأنه إذا ما اعتبرنا الإضاءة الاصطناعية اختراع جديد لم تستطع الحشرات التأقلم معه، فإن النيران كانت موجودة منذ حوالي الـ400,000 سنة، وهذا وقت كاف ليقوم الانتقاء الطبيعي بقتل العث الذي تقول له غريزته بأن عليه التوجه في كل مرة يصاب بها بالعمى نحو الضوء؟ وثانياً، قد لا يكون العث من الحشرات التي تستخدم التوجيه العرضي أصلاً، فأكثر من نصف أنواع العث لا تهاجر.
من جهة ثانية، فإن النظريات الأخرى في هذا المجال تمتلك عدداً أكبر بكثير من الثغرات، فعلى سبيل المثال، ترى إحدى النظريات بأن ذكور العث تنجذب لضوء الأشعة تحت الحمراء لأنها تحتوي على عدد قليل من ترددات الضوء نفسه الذي ينبعث من فيرومونات إناث العث، أو الهرمونات الجنسية، والذي يتوهج بصورة ضعيفة جداً، ولكن باختصار، يمكن جذب ذكور العث إلى شموع لخداعها للاعتقاد بأن الأضواء هي في الحقيقية إشارات جنسية ترسلها الإناث، ولكن مع ذلك، يشير (باول) إلى أن العث عادة ما يكون أكثر انجذاباً للأشعة فوق البنفسجية من ضوء الأشعة تحت الحمراء، والأشعة فوق البنفسجية لا تبدو قريبة حتى من الفيرومونات المتوهجة.
لماذا هناك أشخاص عسراويون؟
واحد من كل عشرة أشخاص يمتلك براعة حركية أفضل في استخدام طرفه الأيسر أكثر من الأيمن، ولا أحد يعرف لماذا يوجد هؤلاء العسراويون، ولا أحد يعرف أيضاً لماذا يوجد الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليمنى أكثر من اليسرى، فلماذا يمتلك الأشخاص يداً واحدة تتمتع بمهارات حركية أكثر دقة، بدلاً من أن تكون كلتا اليدين متماثلتين في البراعة؟
ترجع إحدى النظريات سبب الطغيان إلى وجود توصيلات عصبية أكثر تعقيداً على جانب الدماغ الذي يتحكم في الكلام (الأمر الذي يتطلب أيضاً مهارات حركية دقيقة)، ولأن مركز الكلام عادة ما يتموضع في النصف الأيسر من الدماغ – الجانب الموصول إلى الطرف الأيمن من الجسم – فإن اليد اليمنى عادة ما ينتهي بها الأمر لتكون هي المهيمنة لدى معظم الأشخاص، ولكن لماذا تكون المراكز الكلامية عادة (وليس دائماً) متموضعة على الجانب الأيسر من الدماغ؟ لا يزال هذا السؤالاً مفتوحاً.
ولكن نظرية سيطرة المراكز الكلامية على تحديد اليد المهيمنة تواجه عقبة كبيرة جداً، وذلك لأن المراكز الكلامية لا تتموضع على الجهة اليسرى من الدماغ لدى جميع الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليمنى أكثر من اليسرى، ولأن نصف العسراويين فقط تتموضع لديهم مراكز الكلام على الجهة اليمنى من الدماغ، لذلك، ما الذي يفسر وجود أولئك العسراويين الذين تتموضع مراكز الكلام لديهم على الجانب الأيسر من الدماغ؟
تشير الأبحاث المنشورة في عام 2013، إلى أن الجينات قد تلعب دوراً في توجيه الأعضاء الداخلية مما قد يؤثر أيضاً على ما إذا كان شخص سيستخدم يده اليمنى أم اليسرى أكثر، ومع ذلك، فإن النتائج لا تفسر حتى الآن السبب الذي يجعل الأقلية من الأشخاص يعتمدون على يدهم اليسرى لأن كل جين يلعب فقط دوراً صغيراً في تحديد اليد المسيطرة لدى الأشخاص.
هل التثاؤب معدي؟
في عام 2012، فاز باحثون نمساويون بجائزة إيج نوبل لاكتشافهم أن التثاؤب ليس معدياً بين السلاحف حمراء القدمين.
يبدو بأننا نعرف الكثير عن السلاحف، ولكن التثاؤب لدى البشر لا يزال لغزاً، فكل ما نعرفه هو أن رؤية شخص يتثاءب يدفعنا لتكرار السلوك ذاته، ولكن لماذا؟
تشير البيانات الأولية المأخوذة عن المسوح الدماغية إلى أن مناطق الدماغ المرتبطة بنظرية العقل (القدرة على إسناد الحالات الذهنية والمشاعر لأنفسنا وللأشخاص الآخرين) والمناطق التي تتعلق بالمعالجة الذاتية، تتنشط عندما نرى الأشخاص الآخرين وهم يتثاءبون، وبما أن الكثير من الأشخاص الذين يعانون من التوحد والفصام لا يظهرون هذا النشاط في الدماغ، لذلك فإنهم لا يصابون”بعدوى” التثاؤب، لذلك، فإن هذه الدلائل تثبت بأن إصابة الشخص بعدوى التثاؤب تعكس قدرته على التعاطف وتشكيل علاقات عاطفية طبيعية مع الآخرين.
ولكن لماذا يجب أن تنتقل علاقاتنا الاجتماعية مع بعضنا البعض من خلال التثاؤب؟ يبدو بأن لا أحد يعرف تحديداً، وذلك لأن لا أحد يعرف تماماً لماذا نتثاءب، فالأجنة تفعل ذلك لتعزيز تشكل مفصل أفواهها، في حين يقوم البشر بذلك عندما يشعرون بالنعاس والملل، ولكن كيف يخفف التثاؤب من هذه الأعراض؟
ما الذي يسبب الكهرباء الساكنة؟
لا تزال صدمات الكهرباء الساكنة غامضة بقدر ما هي غير سارة، وما نعرفه عنها هو هذا: تحدث صدمات الكهرباء الساكنة عندما يكون هناك فائض من الشحنات الموجبة أو السالبة متراكمة على سطح جسمك، وتتفرغ هذه الشحنة عند ملامسة شيء ما ليتركك حيادي الشحنة، وبشكل عكسي، فإن صدمات الكهرباء الساكنة تحدث أيضاً عندما تتراكم الكهرباء الساكنة على شيء آخر – مقابض الأبواب مثلاً –، وحين تلمسها تكون أنت من يقوم بتفريغ الشحة الزائدة عن تلك الأشياء، ولكن سبب حدوث هذا التراكم لا يزال غير واضح.
تشير إحدى التفسيرات التقليدية بأنه عند فرك كائنين معاً، فإن الاحتكاك يفصل الإلكترونات عن الذرات في أحدهما، لتنتقل إلى الكائن الثاني، وتترك الكائن الأول مع فائض من الذرات المشحونة بالشحنة الموجبة وتقدم للثانية فائض من الإلكترونات السالبة، وبعد ذلك سبيقى الكائنين مشحونين حتى يأتي كائن ثالث ويقوم بتفريغ الشحنة عنهما، ولكن لماذا تتدفق الالكترونات من أحد الكائنين إلى الآخر، بدلاً من التحرك في كلا الاتجاهين؟
لم يستطع أحد إعطاء تفسير كافٍ لذلك، كما أن الدراسة التي تم إجراؤها من قبل الباحث في جامعة نورث وسترن (بارتوش غرزيبوسكي) وجدت أسباباً للشك في القصة بأكملها، فكما جاء في تفاصيل الدراسة التي تم نشرها في العام الماضي في مجلة (Science)، فقد وجد (غرزيبوسكي) أن رقع من الشحنات الإيجابية والسلبية الزائدة توجد على الأجسام التي تمتلك شحنة ساكنة، كما أنه وجد أيضاً بأن الجزيئات كاملة تهاجر بين الكائنات عندما يتم فركها معاً، وليس فقط الإلكترونات، إلّا أن السبب الذي يولد هذه الفسيفساء من الشحنات وهجرة الجزيئات بين المواد لم يتم تحديده بعد، ولكن يبدو بأنه من الواضح أن تفسير الكهرباء الساكنة بدأ يتغير.