إنسوا الأنظمة الغذائية الصارمة: إليكم طريقة سهلة للسيطرة على مقدار تناولكم للطعام
عند محاربة الدهون، ومحاولة تناول الطعام الصحي، فإن تغييرك للبيئة التي تتناول فيها الطعام عادة ما يكون أسهل من تغيير عقليتك، فمن خلال مئات الدراسات، استطاع الباحثون اكتشاف مجموعة من المغريات المخبئة في الطعام حول بيوتنا وهذه المغريات هي ما يدفعنا للإفراط في تناول الطعام، أشياء مثل ملاعق الطعام وخزائن المطبخ والألوان، ولكن معظم هذه المغريات يمكن أيضاً أن يتم عكس تأثيرها لتساهم في جعلنا أنحف وأكثر صحة.
على الرغم من وجود العديد من الحلول لمشكلة تناول الطعام بشكل لا مبالٍ، فإن معظم هذه الحلول مخبأة، وذلك لأنه عندما نقرر أن نبدأ بإتباع عادات الأكل الصحية، فإننا عادة ما نميل إلى التركيز على الطعام نفسه، وليس على ما يحيط بنا من أشياء، كما ونركز أيضاً على تناول كميات قليلة من بعض أنواع الطعام أكثر من الأخرى، أو التمسك باتباع نظام غذائي مرهق وممارسة الرياضة.
كل ذلك يتطلب وجود قوة إرادة حديدية، لأن ذلك يتطلب عملاً شاقاً وربما مستمراً مدى الحياة ليكون ناجحاً حقاً، ولكن هناك حل أسهل، فقد وجدت أحدث الأبحاث طرق أقل قساوة لتطويع بيوتنا وأماكن عملنا والمدارس والمطعم ومحلات البقالة بحيث نتناول -عفوياً- كمية طعام أقل، فإذا أردنا أن نحول طريقة تناولنا للطعام لتصبح أفضل بطريقة تلقائية، فليس علينا أن نغير عقولنا، بل كل ما علينا فعله هو تحسين محيطنا ليس إلّا.
دعونا نبدأ بالمنزل، يبدو بأن الخيارات الغير مقصودة قد تؤدي إلى استدراجك لتناول المزيد من الطعام، فإذا ما نظرنا إلى لون الطبق الذي يتم تقديم الطعام فيه، نجد بأنه إذا كان لون هذا الطبق مطابق للون الطعام الذي يتم تقديمه، فإنك ستقوم بسكب المزيد من الطعام دون أن تشعر، فقد أظهرت دراسة تم فيها وضع أطباق حمراء وبيضاء على طاولة الاستقبال وتقديم المعكرونة المجانية التي تحتوي إما على صلصة حمراء (صلصة المارينارا) أو صلصة بيضاء (صلصة ألفريدو)، لـ60 شخصاً من خريجي جامعة كورنيل في إيثاكا، نيويورك، بأن الأشخاص الذين قاموا بوضع المعكرونة البيضاء على أطباق بيضاء أو المعكرونة الحمراء على أطباق حمراء حصلوا على نسبة من السعرات الحرارية تزيد على أولئك الذين قاموا بوضع المعكرونة في أطباق مغايرة لها في اللون بنسبة 18%.
هذا الاكتشاف يمكن الإستفادة منه في المنزل، وعلى اعتبار أن النشويات تمتلك لوناً أبيضاً، ولأنها مصدر كبير للسعرات الحرارية، فإن تقديمها في أطباق داكنة يمكن أن يكون إستراتيجية ذكية إذا كنت تسعى لإنقاص وزنك.
ولكن الأطباق ليست سوى البداية، فلمعرفة كيف تبدو عليه المنازل الصحية، قام فريق من الباحثين بزيارة بلدة تحتوي على 230 منزلاً في سيراكيوز، في نيويورك، وقاموا بأخذ أوزان سكانها والتقطوا صوراً لمطابخهم، بعد ذلك حاولوا تصنيف هذه المطابخ لمعرفة ممارسات الأشخاص النحيلين التي تؤثر على وجباتهم الغذائية، ومن خلال هذا التصنيف وجدوا بأن محتوى المطبخ، وليس حجمه، هو ما يؤدي إلى هذا الفرق، وأن النساء كن أكثر عرضة للتعرض للإغراءات من الرجال.
وجد الباحثون بأن ترك الطعام خارجاً كان مقياساً للعادات السيئة في تناول الطعام، فالنساء اللواتي كن يتركن رقائق البطاطس على منضدة المطبخ، كانت أوزانهن تزيد في المتوسط بـ 3.6 كجم أكثر من النساء اللواتي لم يفعلن ذلك، وهذا أمر طبيعي، فهذه الوجبات الخفيفة تعتبر من المغريات القوية، ويمكن أن تساهم في زيادة الوزن، ولكن رقائق البطاطس ليست المذنب الوحيد كما أنها ليست المذنب الأكبر، بل إن حبوب الإفطار الكاملة الموضوعة ضمن صناديق تحمل صوراً
لنساء مبتسمات بأسنان لامعة، ويتمتعن بصحة جيدة، كانت هي المذنب الأكبر.
أظهر البحث أن النساء اللواتي كن يمتلكن ولو علبة ظاهرة واحدة من حبوب الإفطار في مطابخهن، كانت أوزانهن تزيد بـ9.5 كجم عن النساء اللواتي كن قد وضعن هذه الحبوب بعيداً عن الأنظار، فهذه الحبوب التي تمتلك ما يسمى بـ”هالة الصحة”، يتم تغطية علبها برسائل صحية تجعلنا نقلل من قيمة السعرات الحرارية التي تحتويها، وتدفعنا لأكل الكثير منها، ولكن من ناحية ثانية، فإن وجود هذه الحبوب على منضدة المطبخ لم يكن له أي تأثير على الرجال، وذلك يعود على الأغلب لأن هذه المنتجات لا يتم تسويقها بالأساس لهم، أو ربما لأنهم ببساطة يقضون وقتاً أقل في المطبخ.
إذا كنت تسعى للتخلص من بعض الوزن، فإن وضع الوجبات الخفيفة والحبوب بعيداً عن ناظريك لا يضمن تخفيض وزنك بين عشية وضحاها، ولكن قد يساعد على الأقل في جعل مؤشر الميزان يذهب في الاتجاه الصحيح.
إن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فقد يكون الكثير منا قد سمع بأن الجلوس لتناول وجبة على مائدة الطعام، بدلاً من تناوله بشكل لا مبالٍ أمام التلفزيون، هو وسيلة جيدة لتناول كميات أقل من الطعام، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فبعض العائلات تقدم وجبات الطعام من خلال وضع جميع أنواع الأطباق والطناجر فوق طاولة الطعام، في حين أن البعض الآخر يقدم الطعام من خلال ترك الأطباق أو الطناجر فوق الموقد أو فوق منضدة المطبخ، ولكن تبعاً للأبحاث، فإن العائلات من الفئة الثانية يتناولون نسبياً كمية أقل من الطعام بنسبة تصل إلى 19% مقارنة مع أولئك الذين يسكبون الطعام في أطباقهم من المنضدة، لذلك يبدو بأنه عندما يكون الطعام في متناول اليد فإننا لا شعورياً نقوم بوضع المزيد من الطعام في أطباقنا، في حين أن الحاجة للنهوض من على طاولة الطعام والسير لبضعة خطوات يكفي لجعل الأشخاص يتساءلون إن كانوا حقاً جائعين، ولكن ومن جهة ثانية، إذا كنت ترغب في تناول المزيد من الأطعمة الخضراء، قم بوضع صحن السلطة في وسط طاولة الطعام.
إن الأطعمة ليست العدو الوحيد عندما يتعلق الأمر بعادة الإفراط بتناول الطعام، فإذا كنت من محبي النبيذ، ولكنك تكره الصداع الذي ينجم عن الإفراط في شربه، فإليك طريقة ستجعلك تلقائياً تقلل من شربك له بنحو 10% على الأقل، حيث بينت إحدى الدراسات التي تم إجراؤها على 85 شخص من الذين يتناولون النبيذ، والذين تم إعطاؤهم أكواباً مختلفة في الشكل (مطاولة أو مفلطحة)، وطلب منهم إما أن يجلسوا أو يبقوا واقفين، بأن الأشخاص يميلون إلى التركيز على مدى ارتفاع السائل في أكوابهم وليس عرضه، فقد أظهرت الدراسة بأن الأشخاص الذين كانوا يسكبون النبيذ في الأكواب الطويلة، شربوا نبيذاً أقل بنسبة 12% مقارنة مع الأشخاص الذين استخدموا الأكواب الواسعة التي تتسع لذات الكمية.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد بينت الدراسة أيضاً بأن النظر إلى الكوب من الأعلى يجعله يبدو أكثر امتلاءً مما إذا تم النظر اليه من ذات المستوى، ونتيجة لذلك، فإنه من المرجح أن نقوم بسكب 12% أقل من النبيذ في الأكواب التي تكون موضوعة على الطاولات مقارنة مع تلك التي يتم حملها في اليد.
إن إعادة تنظيم المنزل ليس سوى الخطوة الأولى في طريقك لتفادي الإفراط في تناول الطعام، ولكن ماذا لو أحببت الخروج لتناول الطعام؟ إن اللحظات الأولى التي تنفقها في المطعم يمكن أن تحدد مدى إمكانية سقوطك في مطب الإفراط في تناول الطعام، لأن المكان الذي تجلس فيه يمكن أن يؤثر على ما يمكن أن تتناوله.
لمعرفة تأثير مكان الجلوس على هذا الموضوع، قام الباحثون بزيارة 27 مطعماً في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وقاموا بقياس وتحديد أماكن تواجد الطاولات ومدى قربها من النوافذ والأبواب الأمامية، وسواء أكانت تقع في منطقة معزولة أو مفتوحة على الأشخاص الآخرين، ومدى إضاءتها أو وقوعها في الظلام، ومدى بعدها عن المطبخ، أو البار، أو دورات المياه وأجهزة التلفزيون، وبعد ذلك، قاموا بمراقبة الزبائن وتتبع أماكن جلوسهم والوجبات التي كانوا يطلبونها.
من خلال هذه المراقبة، تبين بأن الأشخاص الذين يجلسون بجانب النوافذ أو الأجزاء المضاءة من المطعم، عادة ما يقومون بطلب تناول أغذية صحية، في حين يبدو بأن الأشخاص يميلون لأكل أطعمة تحتوي على الدهون والسعرات الحرارية الزائدة عندما يكونون جالسين على طاولة داكنة أو تقع في مطان مظلم، كما تبين بأن الأشخاص الذين يجلسون بعيدين عن الباب الأمامي يأكلون نسبة أقل من السلطة كما يكونون أكثر عرضة لطلب الحلوى بنسبة 73%، كما أن الأشخاص الذين يجلسون على طاولة مقابلة للبار، عادة ما يشربون نسبة أكبر من المشروبات الكحولية مقارنة مع الأشخاص الذين يجلسون على طاولة تبعد مسافة طاولة واحدة فقط عن البار، وكلما اقتربت الطاولة من شاشة التلفزيون، كان الأشخاص الجالسين عليها أكثر احتمالاً لطلب الأطعمة المقلية.
بعض هذه النتائج تبدو منطقية، فكلما كان الجو مظلماً كانت الأطعمة “غير مرئية”، وبالتالي يقل وضوحها ويقل معه الشعور بالذنب لدى الأشخاص، حيث أنه يصعب عليهم رؤية المقدار الذي يتناولونه من الأطعمة، في حين أن رؤية ضوء الشمس، والأشخاص أو الأشجار خارجاً قد تجعلك أكثر وعياً لما حولك ولنفسك، وتجعلك تفكر أكثر في طلب السلطات الخضراء كطبق أولي.
وبشكل مماثل، فإن الجلوس بجوار البار قد يجعلك تعتقد بأن طلب كأس ثانٍ من المشروبات الكحولية سيكون أمراً طبيعياً، كما أن مشاهدة التلفزيون قد يصرفك عن التفكير حول المأكولات التي تود تناولها.
ولكن هل الجلوس في الظلام، أو في الجزء الخلفي من المطعم يجعلك تطلب المزيد من الحلوى؟ الجواب هو ليس بالضرورة، فقد يكون محبو الحلوى ينجذبون بشكل طبيعي إلى هذه الطاولات، لذلك إذا كنت تحاول التخلص من بعض الوزن الزائد ولا تريد الاندفاع في تناول الطعام أثناء وجودك في المطاعم، حاول الحصول على طاولة ذات إنارة جيدة وبعيدة عن المطبخ أو البار.
إذا كنت تريد الإنجراف أكثر من ذلك في فقدان الوزن، فحذارِ من الأنظمة الغذائية المفرطة الشدة، وخاصة تلك التي تكون مدعومة بتوصيات من قبل المشاهير، فعلى الرغم من أنها قد تبدو مقبولة من الناحية النظرية، لكنها تحمل رسالة خطيرة، فهي عادة ما تكون مدعمة بالقليل من الأدلة التي تثبت فعاليتها، بل وقد يكون هناك أيضاً احتمال بأن تكون ضارة.
هناك بالطبع أسلوب أثبت نجاحه في إنقاص الوزن، لكنه يفتقر إلى الحداثة ودعم المشاهير، وهو باختصار، تناول كميات أقل من الطعام وممارسة معدلات أكبر من الأنشطة الرياضية، فإذا كان هذا يبدو مملاً للغاية، فهناك طريقة أخرى، فقد أصبح من الواضح تماماً بأن البيئة المحيطة بك- من الأطباق والأكواب التي تستخدمها إلى المكان الذي تجلس فيه في المطاعم – تؤثر على عادات تناول الطعام لديك، لذلك فإن فرض السيطرة على هذه العوامل قد تبدو بأنها طريقة حديثة مشابهة للأنظمة الغذائية التي يدعمها المشاهير، غير أنها مدعومة بكومة من الأدلة التي تثبت صحتها، كما أن هذا النظام يعتبر أسهل بكثير من إتباع نظام غذائي صارم.