على الرغم من أن العلماء كانوا قد أطلقوا مركبتي تشكيل فضائيتين، إلّا أن العلماء لم يستطيعوا في أي وقت مضى تشكيل تلسكوب واحد أو “تلسكوب افتراضي” عن طريق استخدام قمرين صناعيين مختلفين، حيث تتطلب هذه التقنية وضع مركبتين فضائيتين على خط مستقيم مع هدف فلكي معين، ومن ثم المحافظة على هذه الوضعية لإجراء رصد علمي.
لتنفيذ هذا التكوين المداري الصعب للغاية، قام فريق ناسا، بقيادة مهندس الطيران (نيراف شاه) من مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في جرينبيلت بولاية ماريلاند، بتطوير تكنولوجيا توجيه وملاحة وتحكم (GN & C) لاستخدامها في هذا الغرض، إلى جانب التخطيط لإظهار قدرات قمري ناسا الصناعيين CubeSats))، فبالتحكم بهذين القمرين الصغيرين يمكن تصنيع جهاز لمراقبة طفاوة الشمس الـ(كورونوغراف) عالي الدقة لدراسة طبقات البلازما الشمسية البعيدة، والهالة الشمسية (كورونا)، حيث تتشكل التدفقات الكتلية الكورونالية.
إن توفر مثل هذه القدرة لدى العلماء سيكون لها إفادة كبيرة في دراستهم للشمس إلى جانب العديد من التخصصات العلمية الأخرى، وخاصة التخصصات التي تتطلب وجود مركبة فضائية مزدوجة للكشف عن كواكب شبيهة بالأرض في أنظمة شمسية أخرى، أو حتى أخذ صورة لأفق حدث الثقب الأسود (يستعمل مصطلح أفق الحدث باعتباره حد موجود في الزمان والمكان)، هذه النقطة التي لا عودة منها حيث لا يمكن لشيء الهروب من قوة جاذبية الثقب الأسود.
تم سابقاً تصميم واقتراح العديد من المهام التي تعتمد على مفهوم التلسكوب الإفتراضي، إلّا أن هذه التصاميم لم تحصل على التمويل اللازم، لأن فكرة محاذاة مركبتين فضائيتين في مركز عطالة واحد لم تكن ناضجة بما فيه الكفاية، ولكن تبعاً لـ (شاه) فقد حان الآن الوقت المناسب لتعزيز الجاهزية التكنولوجية بحيث يمكن اقتراح وتنفيذ هذه الأنواع من البعثات بثقة، حيث سيحدث هذا الشيء إذا ما تم تنفيذه ثورة في الفيزياء الفلكية والفيزياء الشمسية.
يقوم (شاه) وفريقه بالتعاون مع شركة تكنولوجيا الفضاء الناشئة التي يتوضع مقرها في ولاية ماريلاند، بتطوير واختبار أنظمة الملاحة والوضع النسبي لأجهزة الاستشعار، والمشغلات، ووصلات الاتصالات، إضافة إلى تطوير خوارزميات الـ ((GN & C، كما يسعى الفريق أيضاً للحصول على استثمار بقيمة 8,6 مليون دولار من وكالة أبحاث المشاريع الدفاعية المتقدمة، لتطوير نظام محاذاة مركز العطالة للمركبتين الفضائيتين، وجعلهما تتراصفان مع هدف محدد، ومن ثم ضبط موقعهما بطريقة مستقلة والحفاظ والسيطرة على هذا الموقع والترتيب.
كما ويسعى الفريق لتطوير نظام محاذاة التلسكوب الافتراضي (VTAS) وإخضاعه لسلسلة من البراهين ذات الأرضية الثابتة، حيث ستتم تجربة نظام (VTAS) على قمرين صناعيين صغيرين (CubeSats) تابعين لناسا، كون تجربة النظام على هذه المنصة تعتبر منخفضة التكلفة نسبياً، وبالتالي فهي الأنسب لإمكانية اختبار وإثبات فعالية هذه التكنولوجيات الجديدة، وبمجرد نجاح هذه التجارب، يعتقد (شاه) وفريقه أن هذه التكنولوجيا ستكون جاهزة لتطبيقها في مهمات المركبات الفضائية المزدوجة.
وفي إطار مهمة (شاه) الأساسية، سيقوم الفريق بإطلاق الأقمار الصناعية إلى المدار الأرضي منخفض الارتفاع، حيث ستكون إحدى المركبات الفضائية الصغيرة مجهزة بجهاز اتصالات تشعبي، وبدافعات نفاثة، وببرنامج (GN & C) ، وحاجب (وهو قرص صغير يستخدم في التلسكوب لمنع رؤية الأجسام الشديدة اللمعان بحيث يمكن للعلماء مراقبة الأجسام الأقل لمعاناً منها مثل الهالة الشمسية “كورونا”)، أما المركبة الثانية فستتوضع على بعد 20 متر خلف شقيقتها، وهي التي ستحمل جهاز مراقبة طفاوة الشمس، ومنارة الليزر، ومعدات الاتصالات.
يعتبر التراصف مع الشمس من الأهداف الأساسية لتصنيع هذا التلسكوب، حيث سيقوم التلسكوب الافتراضي المكون من قمرين اصطناعيين بإجراء دراسة لهالة الشمس بدقة عالية، وخصوصاً حجم ونطاق الانفجارات الشمسية التي تنبعث في جميع أنحاء النظام الشمسي، والتي تصطدم أحياناً مع الغلاف المغناطيسي للأرض وتتسبب بأحداث حالات طقسية فضائية شديدة، وهذا الأمر يعتبر من أهم الأهداف العلمية.
إضافة إلى ذلك، تعتبر بنية هذا النظام متطابقة تقريباً مع تلك التي تستخدم في مهمة (exo-planet) التي تقوم بالبحث عن كواكب شبيهة بالأرض حول نجوم أخرى، فكلا النظامين يعتمدان على وجود قناع حاجب يمنع ضوء النجوم من التأثير على الرؤية، ومع ذلك يبقى الـ(كورونوغراف) الشمسي أكثر سهولةً من حيث التطبيق، حيث أن دقة الزاوية اللازمة لتصوير الهالة الشمسية لا تتطلب أكثر من (ثانية قوسية) – وهي وحدة لقياس الزوايا تعادل (1/60)- وهو أقل بكثير مما يتطلبه الكشف عن الكوكب والذي يحتاج لدقة تعادل ملي-ثانية قوسية، ومن التطبيقات الأخرى البعيدة المدى والمحتملة لهذا العمل، هو تصوير (أفق الحدث) للثقب الأسود.
إن تصنيع مثل هذا الـ (كورونوغراف) الشمسي يمهد الطريق للقيام بالمزيد من البعثات الأكثر تشعباً، مثل تصوير التوهجات الشمسية بالأشعة السينية، وتصوير الشمس بالأشعة الشديدة الفوق بنفسجية، وبمجرد إطلاق مثل هذا التلسكوب الإفتراضي، فإن هذا يمكن أن يفتح المجال للآخرين لمتابعة وتحسين دقة العمل على جميع المستويات، وهذا بدوره سيساعد على فهم الكيفية التي يعمل بها الكون، وإمكانية احتواء الكواكب الأخرى على الحياة، بالإضافة إلى العديد من الأسئلة التي حيرت الإنسانية منذ بداية الزمن.