بكاء الماء هو صوتُ الطبيعةِ، ودموعُها نذيرُ غضبِها، فلنحذر من أن نُهينها، فهي سرُّ الحياة، وهديلُ الرحمة الإلهية. حيث تنتج دموع غضب الطبيعة من شدة بكاء مياها، هذا البكاء الذى جاء نتيجة لكثرة ما تحتويه هذه المياة من نفايات ونتيجة لكثرة فيضاناتها الناجمة عن التغيرات المناخية العنيفة. في أعماق الأرض، حيث تنبض الحياة، وتنساب الأنهارُ كأنها دماءٌ من قلب الطبيعة، كانت هناك بحيرةٌ هادئةٌ، تتلألأ كمرآةٍ تعكسُ السماءَ، وتهمسُ بأحلامِ العالمِ الهادئِ.
لكن، مع مرورِ الزمن، بدأ الناس ينسونَ أن الماءَ هبةٌ من الله، وأنَّهُ أمانةٌ في أعناقِهم، فسكبوا فيه نفاياتِهم، وقطعوا معظم أشجارهم، وأهدروه بلا وعي، حتى بدأ الماءُ يئنُّ ويتألمُ بصمتٍ، كأنه يبكي على حالِه. وفي ليلةٍ حالكةٍ، حين غابَ القمرُ، واحتجبَتِ النجومُ، شعر الماءُ بحزنٍ عميقٍ، كأنه يرددُ بصوتٍ خافتٍ: “أنا سرُّ الحياةِ، أنا نبضُ الأرضِ، لماذا تجرحونَني؟ . أم أنكم لا تدركونَ أن بكائي هو دموعي التي تتسربُ من عيني، وتملأُ الأنهارَ، وتروي العطشى، وتغسلُ الذنوبَ؟”. وفي تلك اللحظة، بدأ الماءُ يضطربُ، وبدأت أمواجهُ تتلاطمُ، وتثورُ كأنها دموعُ طفلٍ حزينٍ، يشتكي من ألمِ قلبه. تغير لونُ الماءِ، وتحولَ إلى لونٍ أسودَ داكنٍ، يحمل في طيّاته حزنَ العالمِ، وألمَ الإنسانِ، وعذاباتِ الطبيعة. وفي عذابِه، كان يتكلمُ بصوتٍ مكسورٍ، كأنه يصرخُ من أعماقِه: “لقد بكيتُ كثيرًا، وسالتُ دموعي على وجهي، أريد أن أُسمعَكم صوتي، أريد أن تفهموا أنَّ غضبي ليس إلا نذيرًا، وأنَّ بكائي هو استغاثةٌ من حياةٍ تلفظُ أنفاسها الأخيرة.”
وبينما كان الماءُ يبكي وينظر بعيون دامعة، بدأ الناسُ يستيقظون، ينهضون، يتوبون، يعيدون بناءَ أنفسهم، ويعيدون تنظيفَ بحيرتيهم، كى يحافظوا على هذا الماء. وفي اليوم التالي، هدأت الأمواجُ، وارتفعت المياهُ من جديد، وكأنها تبكي أيضًا من فرحِها، لأنها وجدت من يسمعُ بكاءَها، ويشعرُ بمعاناتها.
وفي النهاية، تعلم الناسُ أن بكاء الماء ليس إلا رسالةً، وأنَّ رحمتهُ لا تنفدُ، إذا أطعنا ربَّنا، وأحسنا إلى الطبيعة، فسيظلُّ الماءُ يبكي، لكن دموعهُ ستكون رحمةً، وسلامًا، ونورًا يُنير دربَ الإنسانِ على الخيرِ والصلاحِ ” وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ” (الأنبياء:30). عنذئذ صرخ شاعرهم موضحا لهم حقيقة علم تكوين الماء ومدى أهميته، حيث قال:-
يا من يُفكرُ في سرِّ الحياةِ…………….وفي سرِّ الماءِ وعجيبِ الأوصافِ
الهيدروجينُ، غازٌ خفيفُ الوزنِ…………..وفي تفاعله، يُشرقُ بالأحلامِ
وأكسجينُ، الهواء، حياةُ الكائناتِ……….وفي لقائه، يُبدعُ أروعَ الأزمانِ
حين يلتقيانِ في اتحادٍ كبيرٍ………………..تُولدُ من بينِهما حياةُ الأوطانِ
تتحدُّ ذراتُهما، وتُشَكِّلُ بحراً………………….يمتدُّ في الأفقِ، كأنهُ الأمانِ
وفي تفاعلٍ كيميائيٍّ عظيمٍ…………..ينطلقُ طيفُ النارِ، ويُشَعلُ الأركانِ
بروابطَ قويةٍ، تتحدُّ الأركانُ……………………وتُنتجُ الماءَ، سرَّ الإنسانِ
يا من يُبحرُ في عُمقِ العلمِ…………………..وتعرفُ سرَّ الكُنهِ والأزمانِ
الماءُ، سِرُّ حياةِ الأرضِ……………..وبه يُحيا الإنسانُ، وتُزهرُ الألوانُ