جاء على لسان الأديب (جيروم ديفيد سالينغر)، بأن جسم المرأة كالكمان، يتطلب موسيقي رائع ليعزف عليه بالشكل الصحيح، فإذا تمت مداعبتها بالطريق الصحيح، يمكن للمرأة أن تنتقل إلى حالة من النشوة الغامرة، وخلال تلك الثواني القليلة، يزول كل ما تبقى من العالم من الوجود، ولكن إذا تمت معاملتها بالطريقة الخاطئة، فإن ذلك يمكن أن يسبب لها الألم والإحباط، أو ذلك الشعور الممل بعدم الإحساس بأي شيء، من هنا يمكن القول بأن تجربة المرأة في الحصول على النشوة متناقضة تماماً مع تجربة الرجل، فطالما تمكن الرجل من الحصول على الانتصاب، فإن الأمر لا يتطلب بعد ذلك سوى دقائق من التحفيز القوي للوصول إلى مرحلة القذف.
ولكن ما الذي يجعل هزة الجماع ممتعة بهذا الشكل الكبير؟ وكيف يمكن للمرأة أن تحصل على أكثر من هزة جماع واحدة في كل مرة؟ وهل أسطورة بقعة جي (G-spot) موجودة حقاً؟
هذه بعض من أكثر الأسرار التي لم يتم حلها من قبل الطب، فتبعاً لـ(إيمانويل جانيني) من جامعة روما تور فيرغاتا، وأحد العلماء الذين أمضوا حياتهم في محاولة حل هذه الألغاز، نحن قادرون على الذهاب إلى القمر، لكننا لا نمتلك الفهم الكافي حول أجسامنا، وخلال السنوات الأخيرة ظهرت موجة من الدراسات من قبل الأسياد الحقيقين للحياة للجنسية، وقد بدؤوا أخيراً في الحصول على بعض الأجوبة.
الأدمغة المشتعلة
ربما تكون واحدة من أعظم المهارة التي يتمتع بها العلماء هي القدرة على إقناع النساء بوضع موانعهن الأخلاقية والأدبية والدينية جانباً، وممارسة العادة السرية – أو حتى التزاوج – تحت مرأى ومسمع من هيئات البحوث العلمية، على الرغم من وجودهن ضمن بيئة غير مريحة مثل حيز ماسح الرنين المغناطيسي الوظيفي (MRI).
أحد قادة هذا البحث كان (باري كوميساروك) من جامعة روتجرز في نيوجرسي، الذي أراد أن يتحقق فيما إذا كانت الاختلافات في الدماغ يمكن أن تفسر السبب الذي يجعل التجربة الجنسية لكل من النساء والرجال مختلفة عن بعضها.
واتضح بأنه على الرغم من اختلاف التجربة الجنسية بين كل من النساء والرجال، إلّا أن النشاط العصبي الذي حدث أثناء هزة الجماع كان ذاته تقريباً لدى كلا الطرفين، وبحسب (كوميساروك) فإن أوجه الشبه بين الرجل والمرأة في النشوة هي أكبر بكثير من الخلافات، فما رآه الباحثون بشكل عام هو تنشيط كلي للدماغ، وكأن جميع أنظمة الجسم كانت تعمل معاً.
لعل هذا يفسر السبب الذي يجعل من هزات الجماع منهكة للغاية، ومن الصعب حقاً أن نميز الأشجار التي تناولها الحريق في البداية، في اللحظة التي تكون فيها الغابة برمتها مشتعلة بالنيران، ويضيف (كوميساروك)، بأنه إذا كان كل شيء يعمل في وقت واحد أثناء النشوة الجنسية، فإن هذا يمكن أن يحد من إمكانية التمييز الدقيق بين الأنشطة المختلفة التي تحدث عند ممارسة الجنس، وهذا هو السبب الذي يجعلنا غير قادرين على التفكير في أي شيء آخر أثناء هذه العملية.
على الرغم من أن هناك العديد من النقاط التي تكون مشتعلة أثناء الحصول على النشوة الجنسية، إلّا أن إحداها تتميز على الآخرين، وهي منطقة الدماغ التي تتعامل مع المتعة والمكافأة من خلال إفراز ناقل عصبي يسمى الدوبامين، فإذا ما نظرنا إلى التجارب التي تم إجراؤها على هذه المنطقة، سنجد بأنه أثناء الاختبار الذي تم إجراؤه على الفئران فيما يخص الاختيار بين الطعام والحصول على التحفيز الكهربائي لهذه المنطقة من الدماغ، كانت الفئران تختار التحفيز الكهربائي لهذه المنطقة بدلاً من الحصول على الطعام، لدرجة أن بعضها ترك نفسه ليموت من الجوع، وعلى اعتبار أن هذه المنطقة يتم تحفيزها بالكوكايين والأمفيتامين والكافيين والنيكوتين والشوكولاته وممارسة الجنس، فلا عجب بعدئذ من التأثير الإدماني لهزة الجماع الذي يجعلك تريد الحصول عليها مرة بعد مرة من جديد.
بعد هزة الجماع، تظهر بعض الاختلافات الهامة، والتي قد تبدأ في شرح السبب الذي يجعل كل من الرجال والنساء يتفاعلون بشكل مختلف بعد الوصول إلى الذروة الجنسية، حيث وجد (كوميساروك) و(كاتشينا ألين)، أدلة أولية تشير إلى أن هناك مناطق معينة من الدماغ لا تعود قابلة للاستجابة لمزيد من التحفيز الحسي من الأعضاء التناسلية في أعقاب هزة الجماع عند الذكور، في حين تستمر تلك المنطقة بالاستجابة للتحفيز في أدمغة النساء، وهذا قد يكون السبب الذي يجعل النساء يختبرن هزات جماع متعددة، في حين لا يكون الرجال قادرين على ذلك.
تشريح المتعة
إذا كان هذا المسح الدماغي قد ولّد بعضاً من الجدل، فإن هذا الجدل لا يمكن مقارنته بمحاولات فهم تشريح النشوة الجنسية، ففي حين أن القضيب يمتلك طريقاً واحداً فقط لنقل الأحاسيس إلى الدماغ، فإن الجهاز التناسلي للأنثوي يمتلك ثلاثة أو أربعة طرق، ويأتي في مقدمتها البظر، وهو ما يميزه معظم الأشخاص باعتباره كتلة صغيرة على شكل حصاة، تقع في مكان غريب بطول سنتيمتر واحد أو ما يقارب ذلك فوق فتحة المهبل، وعلى الرغم من أن هوية الشخص الذي استطاع تحديد أهمية هذا الهيكل ما تزال قيد النقاش، إلّا أن النماذج الطينية التي تعود للعصر الجليدي، والمعروفة باسم “تماثيل فينوس”، تصور امرأة مجهولة الهوية تمتلك ثديين كبيرين، وبطن مدورة، ومهبل بارز وشفرين، وعلى أحد هذه النماذج يوجد بظر.
لم يتم البدء بوصف البظر على أنه هيكل مادي مميز مشترك بين جميع النساء، يلعب دوراً وظيفياً في إعطاء المتعة حتى القرن الـ16، ففي كتابه، (De re anatomica)، الذي تم نشره في عام 1559، وصف (ريلدو كولومبو) البظر باسم “مقر سعادة المرأة”، ولكن في القرون اللاحقة، تراجع الاهتمام في استكشاف أغوار المتعة لدى الإناث، وأصبح البظر منسياً إلى حد كبير – على الأقل من جانب علماء التشريح والأطباء- إلّا أنه عاود الظهور في القرن الـ20، على الرغم من أنه كان لا يزال يعتبر أقل شأناً من قبل الكثيرين، ولكن على الأقل جاء اعتراف على لسان (سيغموند فرويد) بأن المرأة يمكنها تجربة النشوة، ولكنه قال أنه يعتقد بأن النشوة المهبلية تحل مكان الاستجابة البظرية لدى المرأة الناضجة، وإن عدم القدرة على الحصول على هزات الجماع المهبلي يرتبط بعدم النضج النفسي الجنسي لدى هذه النساء.
إذا كان ذلك صحيحاً، فسيكون هناك عدد كبير من النساء اللواتي لم يتمكن بعد من بلوغ إمكاناتهن الجنسية، حيث يشير ما بين 30-40% من النساء بأنهن لم يسبق لهن وأن اختبرن هزة الجماع أبداً من خلال التحفيز المهبلي وحده، وذلك على الرغم من أن العديد منهن أشرن إلى أنهن اختبرن هزة الجماع من خلال تحفيز البظر فقط، لذلك هل ينبغي أن تعتبر هزات الجماع المهبلية بمثابة طقوس العبور لجميع النساء، أو مجرد قسم محظوظ منهن؟ وهل من الممكن أن يكون هناك نشوة جنسية في حال عدم وجود البظر؟
تولى (باري كوميساروك) اتخاذ الخطوة الأولى للإجابة عن هذه الأسئلة، وكان ذلك عن طريق الصدفة عندما كان (كوميساروك) يدرس سلوك التزاوج لدى الفئران، ففي أحد الأيام وخلال محاولته لإدخال قضيب في مهبل فأرة أنثى، لاحظ (كوميساروك) حدوث ردة فعل غريبة، فبمجرد أن لامس القضيب عنق الرحم، أصبحت الفأرة غير قادرة على الحركة تماماً، وليس ذلك فحسب، فخلال هذا النوع من التحفيز، أصبحت الفأرة على ما يبدو غير حساسة تجاه الألم، بعد ذلك بوقت قصير، حوّل (كوميساروك) تجاربه من الفئران إلى النساء، ولاحظ ذات الشيء أيضاً، حيث استنتج بأن تحفيز المهبل يوقف انتقال الألم إلى الدماغ، ولكن كيف؟
لمعرفة ذلك، أجرى (كوميساروك) دراسة مع (بيفرلي ويبل)، التي أجرت دراساتها على نساء كن يعانين من درجات متفاوتة من الإصابة في النخاع الشوكي، ومن خلال ذلك وجد الباحثان بأنه على الرغم من أن الإصابة بالحبل الشوكي لدى هذه النساء تسببت بمنع الإشارات العصبية من الوصول من الأعضاء التناسلية للدماغ عن طريق المسارات العصبية المعروفة في الحبل الشوكي، كان يمكن لهذه النساء الإحساس عندما كان يتم ملامسة مهبلهن أو عنق الرحم لديهن، وحتى أن بعضهن استطعن الوصول إلى حالة النشوة بسبب ذلك، على الرغم من أن العصب الفرجي – الذي يحمل الأحاسيس من البظر إلى الدماغ – كان قد تم قطعه، ومن هنا أشار (كوميساروك)، بأن النساء اللواتي كن يعانين من إصابات في الحبل الشوكي ولم يكن بإمكانهن الاستجابة للتحفيزات التي كان يتم تطبيقها على البظر، كن مع ذلك قادرات على الحصول على هزات الجماع من التحفيز عن طريق المهبل، وهذا على الأرجح أفضل دليل على أن هزات الجماع المهبلية موجودة.
يعود السبب بذلك إلى أن العصب المبهم، الذي يقع خارج الحبل الشوكي، يقوم بحمل الأحاسيس من المهبل إلى الدماغ، حيث يضيف (كوميساروك)، بأن النساء يصفن هزات الجماع البظرية على أنها أكثر محلية وخارجية، بينما يصفن هزات الجماع المهبلية بأنها أكثر داخلية وتشمل الجسم بأكمله، وهذا ربما يعود لكون الأعصاب التي تحمل الأحاسيس من البظر تختلف عن الأعصاب التي تحمله من المهبل، أما فيما يخص الحقيقة المحيرة التي تقول بأن هزات الجماع المهبلية يمكن أن تمنع الألم، فقد يكون السبب راجعاً لكون الأعصاب المتصلة بالحبل الشوكي تمنع الإفراج عن الناقل العصبي الذي يشارك بالإحساس بالألم، كما أنه وبمجرد أن تصل الإشارات إلى الدماغ، فإنها تحفز إفراز نواقل عصبية مثل الأندورفين التي تعمل على تخفيف الألم أيضاً.
فإذا كان يمكن لعصبين مختلفين أن يحملا الأحاسيس من منطقتين مختلفتين من الأعضاء التناسلية لدى الإناث – وكلاهما يمكن أن يؤديا إلى النشوة الجنسية – فهل تكون بعض المناطق المهبلية أكثر حساسية من غيرها؟
منطقة البقعة جي (G-spot)
كانت “البقعة جي” الشهيرة تمثل لفترة طويلة هدفاً رئيسياً، وقد وُضع هذا المصطلح لأول مرة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان طبيب التوليد والأمراض النسائية الألماني (إرنست جرافنبرج)، قد وصف في عام 1950، منطقة مثير للشهوة الجنسية تقع على الجهة الأمامية للجدار الأمامي للمهبل، وترتبط في الموقع مع مجرى البول الذي يقع على الجانب الآخر من هذا الجدار، بعد ذلك كشفت الدراسات اللاحقة وجود مجمع للأوعية الدموية، ونهايات عصبية وبقايا لغدة البروستات الأنثوية في ذات المنطقة، وأشارت بأن هناك مجموعة صغيرة من النساء – لا سيما اللواتي يمتلكن عضلات قوية في قاع الحوض – يمكن أن يؤدي تحفيز هذه المنطقة لديهن إلى حدوث هزات جماع قوية، والإفراج عن كمية صغيرة من السوائل من مجرى البول لا تكون بولاً.
ما تزال الدلائل التي تدعم أو تدحض وجود بقعة جي متفاوتة، وغالباً ما يكون مبالغ بها، حيث استندت إحدى الدراسات التي “دحضت” وجود بقعة جي على صور رنين مغناطيسي مأخوذة من امرأة واحدة فقط، ومن جهة أخرى، فإن النقاش في هذه الموضوع غالباً ما يكون مبهماً بسبب النزاع حول المصطلحات الصحيحة لمختلف المناطق الداخلية من أعضاء المرأة الحساسة، وأيضاً حول المكان الذي تبدأ إحدى الهياكل فيه وتنتهي أخرى.
مع ذلك، يبدو بأن هناك اختلافات فيزيائية بين النساء اللواتي يدعين الحصول على تجربة النشوة المهبلية، وأولئك اللواتي لم يفعلن ذلك، ففي عام 2008، نشر (جانيني) دراسة شملت تسعة من النساء اللواتي اختبرن النشوة المهبلية ، و11 من اللواتي قلن بأنهن لم يختبرن هذا النوع من النشوة أبداً، ومن خلال الاستعانة بالتصوير بالموجات فوق الصوتية تبين أن هناك منطقة سميكة من الأنسجة تقع في المنطقة بين المهبل ومجرى البول لدى النساء اللواتي كن قد اختبرن هذه النشوة.
في ذلك الوقت، اعتقد (جانيني) أن هذا قد يكون دليلاً جيداً على حقيقة أسطورة بقعة جي، ولكن المزيد من الدراسات دفعت إلى إعادة النظر في هذه الأدلة، حيث أن كلمة بقعة كانت تشير إلى هيكل ما يشبه الزر، أي شيء ما يمكنك أن تدفعه للحصول على النشوة الجنسية أو المتعة، ولكن حتى الآن لم يستطع أحد تقديم وصف واضح لهذا الهيكل كبقعة.
فإذا لم يكن هذا الهيكل زر، فماذا يمكن أن يكون؟ بالنسبة للعديد من الباحثين الجواب بسيط: البظر، فعلى الرغم من أن البظر بالنسبة لمعظم الأشخاص، هو مجرد هيكل بشكل حبة البازلاء واقع تحت سطح جلد رقيق، إلّا أن الدراسات الأخيرة التي استعانت بصور الرنين المغناطيسي تشير إلى أن البظر هو أبعد ما يكون عن الضآلة، حيث كشفت الصور أنه عبارة عن هيكل منتفخ كبير يصل طوله إلى حول 9 سم، يشبه إلى حد ما عظم الترقوة، يمتد من خارج المهبل وحتى داخل الحوض بجانب مجرى البول.
على رأس ذلك الهيكل الذي يشبه عظم الترقوة توجد الحشفة –الجزء الخارجي الذي يسميه معظم الأشخاص بالبظر-، وهو الجزء الأكثر حساسية من هذا الهيكل، وبذلك يمكن وصف البظر أيضاً بأنه قضيب ذكري ذو رأسين، حيث يتكون كل من البظر والقضيب الذكري من ذات الأنسجة الجنينية التي تدعى بالتورم الحديبي والتي تبرز أثناء المراحل الأولى من التطور الجنيني، ولكن الاختلاف الهام بينهما هو أن القضيب لا ينمو استجابة للهرمونات مثل هرمون التستوستيرون بعد توقف البلوغ، في حين أن البظر يفعل ذلك، وهذا يساعد على تفسير السبب الذي يولد هذه الاختلافات في الاستجابة الجنسية لدى المرأة في جميع مراحل حياتها.
هل الحجم مهم؟
أثارت هذه الفكرة تساءل لدى (ريتشل بولس) وهي اختصاصية في المسالك البولية النسائية، إذا كان حجم وموقع البظر عند النساء قد يؤثر على سهولة حصولهن على هزة الجماع أثناء ممارسة الجنس المهبلي، ولمعرفة ذلك، قامت (بولس) وزملاءها بجمع عشر نساء ادعين أنهن نادراً ما يحصلن على النشوة الجنسية أثناء اللقاءات الجنسية، وعشرين امرأة قلن بأنهن يستطعنا الوصول إلى الذروة في كل مرة تقريباً، وتم استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي لإلقاء نظرة مفصلة على بظرهن، ومن خلال ذلك وجد الباحثون أنه كلما كان حجم البظر أصغر، وكان بعده عن فتحة المهبل أكبر، ازدادت صعوبة تحقيق النشوة الجنسية من خلال التحفيز المهبلي فقط.