نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، خبراً مفاداه أن الحكومة البريطانية سترسل سفينة علمية بقيمة 200 مليون جنيه استرليني إلى القطب الجنوبي بهدف إجراء بعض الأبحاث، حيث ذكر وزير الخزينة البريطاني (جورج أوزبورن) أن هذا السبق يأتي ضمن خطة الحكومة لتحويل الخبرات العلمية إلى نجاحات اقتصادية.
يقول (جاك ستيلجوي) بأن الإعلان اليوم عن السفينة العلمية التي سيكون مقصدها القطب الجنوبي لعمل أبحاث يبدو أمراً رائعاً، ولكن طابع مهمة السفينة هو سياسي إضافة لكونه علمياً.
تبدو الأمور بظاهرها بأن إرسال السفينة هو مكسب مهم للعلم البريطاني بشكل عام، وبشكل خاص للدراسات البريطانية للقطب الجنوبي ومجلس بحوث البيئة الطبيعية (NERC)، حيث عانى الأخير من بعض المشكلات في الفترة الأخيرة، نتيجة لكون طبيعة الأعمال التي يقوم بها المجلس مكلفة وتحتاج إلى استثمارات ضخمة، وتبدو هذه السفينة التي تزمع الحكومة البريطانية إرسالها، وكأنها تطبيق للإعلانات الكثيرة التي أطلقتها الحكومة البريطانية عن معدات ستُقدم للبحوث العلمية، إلا أنه وبعد انتخابات الحكومة التي جرت بعام 2010 قامت الحكومة بتخفيض رأسمال البحوث العلمية حتى النصف، وذلك اتباعاً لسياسة التقشف التي أعلنت عنها الحكومة عند بدء مهامها.
وادّعت الحكومة بأنها تقوم بدعم البحوث العلمية عن طريق الاستمرار بتمويل الأبحاث المخبرية، ومنذ اقتطاع نصف رأسمال البحوث العلمية، عمدت الحكومة إلى تسليم مجلس البحوث أجزاء صغيرة من هذه الأموال، إلا أن الأخير امتنع عن استلام هذه المبالغ، وهذا ما سمح للحكومة بأن تتظاهر بأنها تتبع سياسة علمية حقيقية، بينما هي في الحقيقة تتبع سياسة اعتباطية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تمت تقدمة هذه السفينة في هذا الوقت؟ الإجابة على هذا السؤال تبدو غير مقنعة، في ظل ما نشرته صحيفة الغارديان بأن الحكومة امتنعت عن تمويل مشروع علمي على مستوى عالمي يجري تطويره في مزارع (كيو) في بريطانيا، وعلى الرغم من ذلك قامت بتقدمة سفينة بتكلفة 200 مليون جنيه استرليني ؟!!
الحقيقة تتلخص في الآتي : القطب الجنوبي له مكانة خاصة في السياسة العلمية العالمية، لأنه بعد اكتشاف القارة في بداية القرن العشرين، كان من الصعب على البلدن التي لها مطالب اقليمية في المنطقة أن تضع مستعمراتها في القطب الجنوبي، نتيجة لذلك جاءت معاهدة القطب الجنوبي (انتارتيكا) عام 1959 لتمنع أي مطالبة لأي دولة بأي حق على القطب الجنوبي، حيث تم الاتفاق على تحويل المنطقة إلى مختبر علمي عملاق، ولكي يصبح للدول حق التصويت على هذه المعاهدة يتوجب عليهم اثبات أنهم يقومون بأبحاث وجهود علمية في المنطقة، الحل البريطاني كان يتمثل بدمج الطموحات الجيوسياسية مع الطموحات العلمية، بناء عليه، تأتي تصريحات وزير الخزينة البريطاني (جورج أوزبورن) بإرسال سفينة علمية جديدة لامعة مكتوب على جانبها كلمة (العلم).
في الواقع، لقد اعترف (جورج اوزبورن) بأن السفينة سوف تدعم الوجود البريطاني في القارة القطبية الجنوبية، وهذا ما يجعل السياسة هي الوجه الآخر للعلم، وهذا ليس بالضرورة سيئاً، ولكن الخطأ يكمن في أن نتظاهر بأن هذه القرارات قد اتخذت بناء على أسس علمية بحتة.