الوعى هو مستوى علمى من النوع الرفيع. والوعى الحقيقى ليس اداراك الانسان للأشياء والعلم بها من خلال حواسه المختلفة، ولكنه أى الوعى الحقيقى هو خلاصة أو عصارة الادراك القائمة على تقدير الأشياء بقدرها. فان امتلكت البصر والبصيرة فأنت من أصحاب الوعى الحقيقى، أى أنك صاحب رأى صائب يعتد به بل ويعتمد عليه لأن هذا الرأى غالبا ما يكون هو عنوان حقيقة الأمور المنظورة. ولا يقاس الوعى بمقياس بما تحصلت عليه من درجات علمية والتى ان وجدت كان لها تأثير كبير فى تقدم درجة الوعى الحقيقى. فالتقاطك لمعلومة من هنا أو هناك لا يكسبك الوعى الحقيقى وان كان فى هذا أقل درجة من درجات الوعى التى قد تأخذك الى الطريق الخاطئ.
فوضع الأشياء فى نصابها هو أسمى درجة من درجات الوعى الحقيقى ولكنك لن تصل الى هذه الدرجة الا بالعلم الحقيقى الغير منقوص شريطة أن تقابلة نفس هادئة متزنة لا يسيطر عليها سلطان الهوى من قريب او بعيد. هذا ولدروب الوعى الحقيقى سمات متعددة لا يدركها الا أصحاب العقول الراجحة. فرجاحة العقل هى الاناء الوحيد الذى ينضح دائما وابدا بالوعى الحقيقى. كما أن للوعى الحقيقى أقسام متعددة تتعدد بتعدد التخصصات العلمية المتعارف عليها. كما أنه عندما تزداد درجة الوعى الحقيقى فسوف تزداد الأمم تقدما نحو مستقبل امتزجت مياهه بلذة الابتكار وامتلئت نسماته بعطر التقدم والرقى. ولكن أراه نورا أى الوعى الحقيقى قد يأتى من بعيد عند التخلى عن عنترية الجهل المختبا وراء جبالا شاهقة من علم زائف وادارك غير حقيقى مشوه ممسوخ مسخا مقزز تشمئز منه النفوس العاشقة للنور بل والكارهة لوجود أى بقعة سوداء داخل ثوب الحياة الأبيض.
ولكن من أين لنا بالوعى الحقيقى؟ قد يكون مع بزوع نور الصباح ومع زقزقة العصافير فوق أغضان الأشجار ومع مداعبة أوراق النباتات لقطرات الندى، أى أنه لابد أن يكون من البداية. ولكن من أين هذه البداية؟ أنها من نعومة أظافر الصغير وتعليمه التعليم الصحيح القائم على الفهم الصحيح للأشياء دون ميل او هوى. اذا فالكنز الحقيقى للوعى الحقيقى هو فى أطفالنا ومن بعدهم شبابنا، وكأن تقدم الأمم فى تقدم أطفالها والاهتمام بهم وتقدير طفولتهم التى هى الوعاء الحقيقى للوعى الحقيقى. فالأمة التى تستهين بأطفالها يستهين بها كل مكونات الحياة لأنه لن يكون لها أى مستقبل أو حتى تاريخ. فبوتقة الوعى الحقيقى فى أطفالنا حاملى شعلة الغد ومن ثم المستقبل القريب المحمل بعبق التاريخ.