في عامي 774 و 993، شهدت الأرض هجوماً عنيفاً من الفضاء، ولكن هذا الهجوم لم يكن من قبل فضائيين، بل من قبل ظاهرة طبيعية كانت قوية للغاية.
مهما كانت هذه الظاهرة، يبدو بأنها استطاعت أن تغير ببراعة كيميائية الغلاف الجوي لكوكبنا، وتركت وراءها كميات ضئيلة من العناصر المشعة مثل الكلور 36، والبريليوم 10، والكربون 14، ولكن هذه المواد وفرت دليلاً يمكن أن يشير إلى ما حدث في ذلك الوقت، حيث أن هذه النظائر تنشأ عندما تصطدم البروتونات عالية الطاقة في هواء كوكبنا، وهذا يعني بأن مصدرها يجب أن يكون فضائياً.
هذا يشير إلى أن الحدث كان عبارة عن اصطدام موجات هائلة من الجسيمات دون الذرية بكوكبنا، فقد تم العثور على آثار من تلك العناصر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك عينات جليدية في القطبين الشمالي والجنوبي، والمرجان في الصيني، وغير ذلك، كما أن توليد العديد من الجسيمات ليس بالأمر السهل، ويمكن أن يحدث فقط نتيجة للأحداث العنيفة للغاية.
تم وضع العديد من النظريات لتفسير ما حدث حينئذ، ويشير أحد الاحتمالات إلى أن الأرض كانت قد تعرضت لصطدمات من قبل شعاع متولد عن انفجار أشعة غاما، نتج عن انفجار قوي لنجم ذو كتلة مرتفعة جداً، ولكن مع ذلك، فإن انفجار أشعة غاما لا يؤدي عادة إلى تشكيل مادة البريليوم 10، وهذا يجعل نظرية انفجار أشعة غاما ضعيفة إلى حد ما، وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الأمر يعتبر من الأحداث النادرة جداً، لذلك فإن حدوثه لمرتين متتاليتين خلال قرون معدودة، عام 774 و 993، يعتبر أمراً غير مرجح أبداً.
مؤخراً، أشار بحث جديد، تمت خلاله دراسة كميات هذه المواد المشعة في عينات الجليد، إلى وجود مسبب مختلف، وهو الشمس.
تولد الشمس مجالات مغناطيسية قوية للغاية في باطنها، وهذه المجالات يمكنها تخزين كميات هائلة من الطاقة، ولكن هذه الطاقة يمكن أن تصل إلى السطح وتولد طاقة متفجرة، مما يؤدي لحدوث توهجات شمسية مكثفة، ومن جهة ثانية، يمكن للحلقات المغناطيسية أن تفعل الشيء ذاته على مستوى أعلى بكثير من سطح الشمس، مما يؤدي لحدوث ما يسمى بالكتل الإكليلية، هذه الكتل عادة ما تكون أقل كثافة من التوهجات، إلّا أنها أكبر وأكثر قوة منها بكثير.
على الرغم من أن العديد قد يعتقد بأنه من غير المرجح أن تكون التوهجات الشمسية أو الانبعاثات الكتلية الإكليلية مصدراً لوجود تلك المواد المشعة على الأرض نظراً لكمية الطاقة اللازمة لإنشائها، إلّا أن البحث الجديد يشير إلى أن الشمس هي السبب الأكثر احتمالاً لهذا التحول الكبير الذي أصاب كوكبنا، وهذا بدوره يعني بأن الشمس يمكن أن تتسبب بحوداث أقوى مما كنا نعتقده سابقاً.
كان العلماء يعلمون منذ وقت طويل بأن الشمس قادرة على إحداث انفجارات مغناطيسية ضخمة، ففي عام 2003 حدثت سلسلة من العواصف الشمسية التي كانت قوية لدرجة أن واحدة منها ضربت رقماً قياسياً لأكبر توهج شوهد في العصر الحديث، أما التوهج الأقوى فقد كان أيضاً ناتجاً عن أول انفجار شمسي تمت مشاهدته – دعي بـ(كارينغتون)، نسبةً للفلكي الذي درسه- حصل في عام 1859، والذي أدى لظهور شفق امتد جنوباً حتى المكسيك وهاواي.
أحداث من هذا القبيل يمكن أن تخلق أيضاً ما يسمى بالتيار المستحث عبر المغناطيسية الأرضية، أو (GIC)، وفي هذه الظاهرة يهتز المجال المغناطيسي للأرض بعنف لدرجة تؤدي لتوليد تيارات كهربائية في الموصلات التي توجد على الأرض، فمثلاً عندما حصلت هذه الظاهرة، ذكر عاملو التلغراف أنهم كانوا قادرين على إرسال الرسائل على الرغم من أن التيار الكهربائي كان مقطوعاً، وهذا يشير إلى أن الظاهرة قد ولدت ما يكفي من الكهرباء لتتدفق عبر الخطوط وتجعل الأجهزة تعمل.
وهناك المزيد، ففي عام 2012 حدث انفجار شمسي آخر كان مساوياً في العديد من الجوانب لذلك الذي حدث في عام 1859، ولكن لحسن الحظ فقد كانت وجهته بعيدة عن الأرض، ولكن لو كان قد أصابنا، لكان قد حدث تدفق هائل من الجسيمات المشحونة أدت إلى تحميل الأقمار الصناعية بطاقة زائدة عن احتمالها، ولكان قد تسبب في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، والجدير بالذكر أن عاصفة الشمسية أصغر بكثير فعلت ذلك في عام 1989 في كيبيك.
ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الأحداث التي وقعت في كل من عامي 774 و993 للميلاد بهذه القوة أو الكبر، فمن الصعب تقدير هذه الأمور دون القيام بأخد قياسات مباشرة، ولكن علماء الفلك الذين قاموا بإجراء البحوث يقدرون بأن الأحداث التي حصلت في عام 774 (وهي الأقوى) كانت أكثر قوة من أي عاصفة شمسية شوهدت في عصر الأقمار الصناعية الحديثة (ابتداء من 1956 وحتى عام 2005) بخمس مرات.
هذا الأمر يمكن أن يكون مخيفاً جداً، فحضارتنا الحديثة تعتمد على الأجهزة الإلكترونية، وهي بدورها تعتمد على الكهرباء والأقمار الصناعية، لذلك فإن إصابة الأرض بانفجار ناتج عن عاصفة كبيرة قد يكون أمراً سيئاً للغاية.
إن قوة الموجة التي حدثت في عام 1989 أدت إلى تفجير محولات ضخمة في أمريكا الشمالية، وقد استغرق إصلاحها عدة شهور، لذلك تخيل أن تمضي أشهراً من دون كهرباء، وستعرف مدى الكارثة التي يمكن أن تحدث.
نحن لا نعلم تماماً الفترة الزمنية التي تفصل بين هذه الانفجارات القوية التي تقوم الشمس بإلقائها علينا، ولكن من الواضح أنها فعلت ذلك لأربع مرات على الأقل خلال الألفية الماضية، ولكن من الناحية الإحصائية، فإن معظم الانفجارات لم تضرب الأرض، لذلك فإنها على الأرجح قد تكون أكثر شيوعاً مما كنا نظن.
من ناحية ثانية، لا بد من الاعتراف بأن هذا الأمر يعتبر تهديداً نحتاج لأخذه على محمل الجد، فللأسف، تعتبر آثار هذه العاصفة مكلفة للغاية، حيث أن معظم شبكات الكهرباء في العالم شيدت منذ عقود بعيدة، عندما كان استخدامنا للكهرباء أقل من الآن بكثير، لذلك فنحن بحاجة لرفع مستوى الشبكات، وإضافة المزيد من القدرات، لنتمكن من التعامل مع الموجات الناجمة عن العواصف الشمسية، والخبر السار هو أن هناك دراسات تجري حالياً لمعرفة ما يمكننا القيام به لمنع انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، كما أنه قد أصبح لدينا الآن عيون موجهة إلى الشمس، بما في ذلك مرصد الطاقة الحيوية للشمس التابع لوكالة ناسا، الذي يمكّن العلماء مراقبة “الطقس الفضائي” باستمرار.
أخيراً، فعلى الرغم من أن وحش العاصفة الشمسية قد يكون التهديد الأكبر والأكثر إلحاحاً الذي يمكن أن نواجهه من الفضاء، ولكنه تهديد قابل للحد من آثاره إذا ما كنا على استعداد لذلك.