يقوم العلماء بتحويل المخلفات الزراعية والخشب والأعشاب السريعة
النمو إلى أشكال كثيرة من الوقود البيولوجي، الذي يمكن أن يكون وقودا
حتى للمحركات النفاثة. ولكن قبل أن يسود الجيل التالي من الوقود
البيولوجي، ينبغي أن يصبح منافسا للنفط وسعره 60 دولارا للبرميل.
ـــ
مفاهيم مفتاحية
إن الجيل الثاني من الوقود البيولوجي المصنوع من أجزاء النباتات غير القابلة للأكل هو الوقود الأنجع من ناحية كونه صديقا للبيئة، والأكثر نجاحا من الناحية التقانية بين بدائل النفط.
ينشأ معظم هذا «الگراسّولين» من البقايا الزراعية، مثل سوق الذرة ومحاصيل الأعشاب الضارة المنتجة للطاقة، إضافة إلى نفايات الأخشاب.
يمكن أن تنمّي الولايات المتحدة كمية كافية من المواد الخام المذكورة لتحل محل نحو نصف استهلاك البلاد الكلي من النفط من دون أن يؤثّر ذلك في الإمدادات الغذائية
محرّرو ساينتفيك أمريكان
قد آن الأوان لكي تتضح الصورة للولايات المتحدة الأمريكية بأنه يتحتم عليها تقليل اعتمادها على النفط، إذ لا يمكنها تحمل الأخطار التي تترتب على اعتمادها على هذا المصدر غير المتجدد لفترة طويلة، من أجل أمنها الوطني وأمنها الاقتصادي والبيئي. بيد أن الحضارة ليست على وشك التوقف عن التطور، وعليه ينبغي ابتكار أسلوب جديد لتزويد أسطول النقل الدولي بالطاقة. والوقود البيولوجي السِيليولوزي ـــ وهو وقود سائل يُصنَّعُ من أجزاء النباتات غير الصالحة للأكل ـــ هو البديل المتاح للنفط في الأكثر إغراء من الناحية البيئية والأنسب تقانيا على المدى القصير.
يمكن تصنيع الوقود البيولوجي من أي شيء نباتي أو كان نباتيا يوما ما. وقد جرى تصنيع الجيل الأول من الوقود البيولوجي من الكتلة البيولوجية الصالحة للأكل، وبصورة رئيسية من الذرة وفول الصويا (في الولايات المتحدة) ومن قصب السكر (في البرازيل). فهذه المحاصيل متاحة للتصنيع بسهولة، ضمن مجموعة كبيرة ممكنة من الوقود البيولوجي، مع الأخذ في الاعتبار أن تقانة تحويل المواد الخام إلى وقود بيولوجي متاحة بالفعل (ثمة 180 معملا للتكرير تُحَوِّل حاليا الذرة إلى إيثانول ethanol في الولايات المتحدة). بيد أن الجيل الأول من الوقود البيولوجي لم يكن حلا على المدى البعيد. وبكل بساطة، لا تُوجد مزارع متاحة لتزويد أكثر من 10 %من احتياجات البلدان النامية من الوقود السائل المصنع بجيل الوقود البيولوجي الأول. فالمحصول الإضافي يؤدي الى رفع سعر علف الحيوانات، ومن ثَمّ يرفع سعر بعض المواد الغذائية ـــ وإن كان ذلك لا يرقى إلى مستوى الأسعار الذي أشارت إليه هستريا وسائل الإعلام في السنة الماضية. وبعد أن تمت مراجعة كافة التكاليف المتعلقة بزراعة الذرة وجمع محاصيلها ومعالجتها، صار واضحا أن الجيل الأول من الوقود البيولوجي ليس صديقا للبيئة كما كنا نرغب في أن يكون.
ويمكن أن يتفادى الجيل الثاني من الوقود البيولوجي المصنّع من المواد السليولوزية ــ الذي يعرف باسم «ـراسّولين» grassoline هذه الصعوبات. فالگراسّولين يمكن تصنيعه من عشرات، لا بل من مئات من المصادر: من بقايا الأخشاب مثل نشارة الخشب، وبقايا عمليات البناء إلى بقايا زراعية مثل سوق الذرة وتبن القمح إلى «محاصيل الطاقة» ــــ وهي الأعشاب السريعة النمو والمواد الخشبية التي تزرع خصيصا لتستخدم كمواد أولية لتصنيع الگراسّولين. وهذه مواد أولية رخيصة الثمن (نحو 10-40 دولارا لكل برميل مما يكافئها من طاقة النفط), متوافرة ولا تتعارض مع إنتاج الغذاء. ويمكن أن تنمو معظم محاصيل الطاقة في الأراضي الهامشية التي لا تستخدم كمزارع. وبعضها, مثل غيضة الصفصاف,ستزيل تلوّث التربة التي تلوّثت، أثناء نموها بمياه المجاري أو بالمعادن الثقيلة.
يمكن أن تُجنى كميات ضخمة من الكتلة البيولوجية السليولوزية لإنتاج الوقود على نحو مستدام. ووفقا للدراسة التي أجرتها وزارتا الزراعة والطاقة في الولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة يمكن أن تنتج 1.3 بليون طن من المواد النباتية السليولوزية الجافة كل سنة، على الأقل، من دون أن تخفـّض كمية المواد النباتية المتاحة لغذائنا أو لعلف الحيوانات أو للتصدير. وهذه الكمية الكبيرة من المواد النباتية يمكن أن تُنتج أكثر من 100 بليون گالون من الگراسّولين في السنة ـــ نحو نصف الاستهلاك السنوي الحالي من البنزين والديزل في الولايات المتحدة. تقدّر تخمينات مشابهة أن الإمداد الشامل من الكتلة البيولوجية السليولوزية يحوز على محتوى طاقي يعادل 34 إلى 160 بليون برميل من النفط في السنة, وهي أرقام تفوق الاستهلاك السنوي الحالي العالمي بنحو 30 بليون برميل من النفط. ويمكن أن يجري تحويل الكتلة البيولوجية السليولوزية إلى أي نوع من الوقود ـــ إيثانول أو گازولين عادي أو ديزل وحتى إلى وقود المحركات النفاثة.
لا يزال العلماء يفضّلون تخمير بذور الذرة على تفكيك السوق السليولوزية الصلبة, بيد أنهم استفادوا حديثا من فيض من التقدم. فقد سمحت وسائل فعّالة مثل النماذج الحاسوبية الكمومية ــ الكيميائية للمهندسين الكيميائيين بتشكيل بُنى يمكنها التحكّم في تفاعلات على المستوى الذري وقد أُجريت الأبحاث بهدف رفع تقانات التحويل بسرعة إلى سويات معامل التكرير. ومع أنّ هذا الحقل لا يزال جديدا، إلا أنه يطبق حاليا في عدد من المصانع الاختبارية demonstration plants, وقد حُدِّدَ موعد انتهاء أول معامل التكرير التجارية في عام 2011. ويمكن أن يكون عهد الگراسّولين قريب المنال.
احتباس الطاقة
تقع الملامة على عملية التطور. حيث صمّمت الطبيعة السليولوز ليعطي النبات بنيته. فالمادة المكونة عبارة عن سقالات scaffolds صلبة مؤلفة من جزيئات متشابكة تدعم النمو الشاقولي وتقاوم ـــ بعناد ــ التحلُّل البيولوجي. ولتحرير الطاقة التي تحبسها, على العلماء أولاً تفكيك الرابطة الجزيئية التي أحدثها التطور.
وبصورة عامة, تتضمّن هذه السيرورة أولا تهديم الكتلة البيولوجية الصلبة لتصبح مكونة من جزيئات أصغر، ومن ثم تحول هذه المنتجات إلى وقود. وعادة ما يصنّف المهندسون طرائق هذا التهديم حسب درجات الحرارة. فطريقة درجة الحرارة المنخفضة (200 – 50 درجة مئوية) تُنتج السكريات التي يمكن تخميرها إلى إيثانول وأنواع أخرى من الوقود بالطريقة نفسها التي تُعالج بها الآن محاصيل الذرة وقصب السكر. وتنتج عملية التهديم بدرجات حرارة أعلى (600- 300 مئوية) نفطا بيولوجيا, يمكن تحويله إلى گازولين أو ديزل. أمّا التهديم بدرجات حرارة عالية جدا (فوق 700 درجة مئوية)، فإنها تنتج غازا يمكن تحويله إلى وقود سائل.
أساسيات نظام سقالات السليولوز
يدعم السليولوز في الطبيعة نمو النباتات الشاقولي. فهو يتمتع ببنية جزيئية متبلورة صلبة ومقاومة جدا للتفكك.
وهذه الصفات تعطي النباتات صلابتها، ولكنها تسبب صعوبات إلى أولئك الذين يرغبون في تحويلها إلى وقود مفيد.
داخل الخلية
تعطي الألياف السليولوزية المتينة (الطويلة) بنية الخلايا النباتية مثلما تدعم عوارضُ الفولاذ ناطحاتِ السحاب. وتحيط بهذه الألياف مواد نصف سليولوزية وخشبية lignin (غير معروضة في الشكل), وهي مركبات معقدة (بوليمرات) تدعم السليولوز وتثبت أليافه معا. وللحصول على الطاقة الكيميائية المخزونة في السليولوز، لا بُدَّ أن يقوم الباحثون بمعالجة المواد النباتية معالجة مسبقة بالحرارة والحموض والقاعديات (القلويات) لتفكيك الملاط matrix المكوَّن من المواد نصف السليولوزية والخشبية.
بلورة متينة
تحوز العوارض السليولوزية على بنية متبلورة تربط كل وحدة جزيئية (جزيء الكلوكوز) ربطا متينا بجاراتها من الجزيئات . وهذه البنية المستقرة (الراسخة) تجعل تفكك السليولوز إلى كتله البانية السكرية صعبا للغاية.
بنية الجزيء
يتكوّن السليولوز من آلاف جزيئات الگلوكوز مرتبطة معا. وتكمن الطاقة الكيميائية للسليولوز في هذه السكريات.
المواد الخام
يمكن أن ينمو عشب «السويتشگراس» Switchgrass, أحد مصادر السليولوز الممكنة, في أي مكان من كندا إلى المكسيك، وغالبا ما ينمو في تربة رملية غير ملائمة للزراعات المعهودة. أمّا حاجته إلى الماء والسماد، فهي قليلة.[/font]
وحتى الآن، لا أحد يعلم أية طريقة ستحوّل أكبر كمية من الطاقة المختزنة إلى وقود بيولوجي سائل بأقل تكلفة ممكنة. وربّما سنحتاج إلى طرائق مختلفة لمواد الكتل البيولوجية السليولوزية المختلفة. ويحتمل أن تكون المعالجة بدرجات الحرارة العالية هي الأفضل لمعالجة الخشب مثلا، وبدرجات حرارة أدنى لمعالجة الأعشاب.
وقود حار
تشكل مقاربة «السينگاز» syngas العالية الحرارة الوسيلة الأكثر تطورا من الناحية التقنية لتوليد الوقود البيولوجي. إذ يمكن أن يُصَنَّع «السينگاز» ـــ وهو خليط من أحادي أكسيد الكربون والهدروجين ـــ من أية مادة تحتوي على الكربون. فهو يتحوّل على نحو نموذجي إلى وقود الديزل أو الگازولين أو الإيثانول عبر عملية تدعى «تركيب فيشرـــ تروپشFTS )»، التي طوّرها العلماء الألمان في العشرينات من القرن الماضي. وخلال الحرب العالمية الثانية استخدم الرايخ الثالث التركيب المذكور لتوليد وقود سائل من احتياطيات الفحم الحجري الألماني. ولا تزال معظم شركات النفط الرئيسية تحوز على تقانة تحويل «السينگاز» حيث يمكنها وضعها موضع الاستعمال فيما إذا أصبحت أسعار الگازولين مرتفعة جدا.
تدعى الخطوة الأولى لتوليد السينگاز «التغويز» gasification. تلقّم الكتلة البيولوجية إلى مفاعل.
تحويل السليولوز مباشرة إلى وقود
يتكوّن السليولوز من ذرات الكربون والأكسجين والهدروجين [الهدروجين غير ممثل في الشكل]، ويتألف الگازولين (البنزين) من الكربون والهدروجين. وهكذا, فإنّ تحويل السليولوز إلى گراسولين يكمن في إزالة الأكسجين من السليولوز لتصنيع جزيئات ذات كثافة طاقية عالية تحوي الكربون والهدروجين فقط. وفي طريقة التحليل الحراري السريع المحفـّز المعروضة, يتفكّك السليولوز ويتحوّل إلى گازولين في إجراء واحد.
المنتجات النهائية
بعد التفاعل ـــ الذي يستغرق بضع ثوانٍ فقط ـــ يكون السليولوز قد تحوّل إلى مكوّنات آروماتية (عطرية) من الگازولين. تشتمل المنتجات الثانوية من التفاعل على الماء [غير ممثـّل في الشكل] وثنائي أكسيد الكربون وأحادي أكسيد الكربون.
الحفـّاز
تزود هذه الأجزاء المفكّكة بحفـّاز معقد ثلاثي الأبعاد. وهذا الحفـّاز يستحث تفاعلات كيميائية تزيل الأكسجين من قطع السليولوز وتولّد حلقات الكربون. ولم تـُفهم بعد هذه السيرورة الكيميائية بالتفصيل.
التفكّك الأول
يُسخّن السليولوز الداخل إلى الحجرة إلى 500 درجة مئوية في أقل من ثانية, وهذا ما يفكّكه إلى جزيئات أصغر غنية بالأكسجين .
وتسخّن إلى درجات حرارة فوق 700 درجة مئوية. عندئذ، تخلط مع البخار أو الأكسجين لإنتاج غاز مؤلف من أحادي أكسيد الكربون وغاز الهدروجين وقطران الفحم الحجري. فالقطران يجب إزالته، ويتعين ضغط الغاز ما بين 20و 70 ضغطا جويا. عندئــذ، يتدفـّق «السينگاز» المضغوط فوق حفـاز مصمم خصّيصا ــ وهو بنية صــلبة تحتجـــز الجزيئات المتفاعلة القابلة للانفصال وتحث بصورة انتقائية تفاعلات كيميائية محدّدة. ففي الأصل, جرى تطوير حوافز تحويل السينگاز بكيمياء النفط لتحويل الغاز الطبيعي والسينگاز المشتق من الفحم الحجري إلى وقود, بيد أنه يمكن استخدامهما أيضا في تحويل الكتلة البيولوجية.
ومع أنّ التقانة المذكورة صارت مفهومة إلى حد بعيد, فإنّ المفاعلات مرتفعة الثمن. فقد بلغت تكلفة بناء مصنع لاستخدام عملية «تركيب فيشر ـــ تروپش» في دولة قطر عام 2006 وذلك لتحويل الغاز الطبيعي إلى000 34 برميل يوميا من الوقود السائل، نحو 1.6 بليون دولار. فإذا وصلت تكلفة مصنع لكتلة بيولوجية إلى هذا الحجم، فثمة حاجة إلى أن يستهلك يوميا نحو 5000 طن من الكتلة البيولوجية في اليوم, وكل يوم , لفترة تتراوح بين 15 و 30 سنة وذلك لإنتاج وقود كاف لتعويض تكلفة هذا الاستثمار. ونظرًا لوجود تحديات سوقية واقتصادية مهمة في حال توفر هذه الكمية من الكتلة البيولوجية في موقع واحد, فإن الأبحاث المتعلقة بتقانة السينگاز تركز على طرق لتخفيض تكلفة رأس المال.
نفط بيولوجي
إن فترات زمنية طويلة جدا من الضغط والحرارة في باطن الأرض حوّلت العوالق الحيوانية zooplankton والطحالب, التي عاشت خلال الزمن الكمبري, إلى حقول النفط الحالية.
قدرة الحشرات: يشكّل النمل الأبيض مصانع نموذجية للوقود البيولوجي. والميكروبات التي تعيش في أحشائها تفكك السليولوز إلى سكريات. ويحاول المهندسون البيولوجيون الآن استنساخ هذه السيرورة على مستوى صناعي.ويمكن لعمل بارع مشابه ــ ولكن في زمن أقصر بكثير ــ أن يحوّل كتلة بيولوجية سليولوزية إلى خام بيولوجي. ووفقا لهذا السيناريو يسخّن معمل التكرير في بيئة خالية من الأكسجين كتلة بيولوجية لأي درجة حرارة في المجال 300 – 600 درجة مئوية. فالحرارة تُحلل الكتلة البيولوجية إلى مادة صلبة شبيهة بفحم الخشب و«بيونفط» bio-oil، وتطلق كمية من الغاز في هذه السيرورة. إن البيونفط الناتج بهذه الطريقة هو الوقود البيولوجي السائل الأرخص حاليا, ربّما 0.50 دولار لگالون من طاقة الگازولين المكافئ (إضافة إلى تكلفة الكتلة البيولوجية الخام).
والسيرورة يمكن أن تُنفـذ أيضا في مصانع صغيرة نسبيا تكون قريبة من مناطق حصاد الكتلة البيولوجية؛ وبذا تُخفض نفقات نقلها. ولسوء الحظ، فإن هذا الخام شديد الحموضة , فهو لا ينحل بالوقود المستمد من النفط petroleum-based ويحتوي على نصف محتوى طاقة الگازولين. ومع أنه يمكن حرق الخام البيولوجي مباشرة في محرّك ديزل, فإنه يجب إجراء المحاولة فقط إذا انتفت الحاجة، إلى هذا المحرك.
ومع ذلك، يمكن أن تـُحوّل معامل تكرير النفط هذا «الخام البيولوجي» biocrude إلى وقود قابل للاستعمال, وتدرس حاليا الكثير من الشركات الكيفية التي تُمكنها من تهيئة تجهيزاتها إلى هذه المهمة. ويُنتج بعضها حاليا شكلا مختلفا من وقود الديزل الأخضر, ويدلّ ذلك على أنّ معامل التكرير يمكنها أيضا أن تعالج الخام البيولوجي السليولوزي. وحاليا، تزوّد الشركات زيوتا نباتية وشحوما حيوانية مع النفط مباشرة إلى معامل تكريرها. وحديثا، أثبتت شركة كونوكوفيليپس فعالية هذه المقاربة في معمل تكرير في بورگر، تكساس، منتجة أكثر من 000 12 گالون من الديزل البيولوجي في اليوم من شحم البقر المشحون من مسلخ الحيوانات المجاور التابع لشركة «تايسون فودز
ويسعى الباحثون أيضا إلى استكشاف طرق لتنفيذ سيرورة المرحلتين باستعمال المكافئ الهندسي الكيميائي للتسخين في قِدر طبخ واحد ـــ الذي يحول الكتلة البيولوجية الصلبة إلى زيت وبعدئذ الزيت إلى وقود داخل مفاعل واحد. ويطوّر حاليا أحدنا (<هيوبر> وزملاؤه) طريقة تدعى التحليل الحراري السريع المحفـّز catalytic fast pyrolysis، وتأتي كلمة «السريع» fast في اسم الطريقة من التسخين الأوليّ ـــ ففي اللحظة التي تُدخل فيها الكتلة البيولوجية في المفاعل , تـسخّن بشدة إلى 500 درجة مئوية في أقل من ثانية, وهذا ما يحلّل الجزيئات الكبيرة إلى جزيئات أصغر. وكوضع البيض في علبة كرتونية, فإن هذه الجزيئات الصغيرة هي الآن بالحجم والشكل المثاليين الملائمين لسطح المحفـّز.
وحين تختفي داخل مسام المحفـّز، تتعرّض الجزيئات إلى سلسلة من التفاعلات التي تحوّلها إلى گازولين ــــ وبصورة خاصة, إلى مركبات الگازولين ذات القيمة الآروماتية (العطرية) العالية التي تُزيد الأوكتين octane (يتيح الوقود العالي الأوكتين للمحركات أن تعمل بضغط داخلي أعلى يزيد من كفاءتها). تأخذ السيرورة الكاملة من 10 – 2 ثانية فقط. وتحاول حاليا شركة جديدة تدعى أنلّوتك نقل هذه السيرورة من المختبر إلى المستوى التجاري. فهي تتوقّع أن يكون لديها مرفق تجاري عامل في نحو عام 2014.
حلّسكريّإن المسلك الذي جذب معظم الاستثمارات العامة والخاصة يعتمد على آلية معهودة أكثر ــ إطلاق السكر من النباتات، ومن ثم تخمير هذاالسكر إلى إيثانول أو إلى وقود بيولوجي آخر. درس العلماء بكل دقة عشرات الطرائق الممكنة لتفكيك السليولوز والسليولوز النصفي hemicellulose ـــ الألياف
أمور واعدة: خيارات المواد الخام السليولوزية عبر الولايات المتحدة
حالما يكون العلماء قادرين على تحويل المادة السليولوزية بصورة فعالة إلى وقود, فلن يجدوا أي نقص في المواد الخام المتاحة من المواد النباتية الضرورية. فقد استنتجت دراسة أجرتها وزارتا الزراعة والطاقة في مطلع السنوات العشر الأخيرة , أنّه بإمكان الولايات المتحدة إنتاج أكثر من 1.3 بليون طن من المواد الخام السليولوزية في السنة من دون أن يؤثّر ذلك في الصادرات أو التزود بالغذاء. (والنسخة الحديثة من دراسة عنوانها «رؤية بليون طن» Billion-Ton Vision ستصدر في فصل الخريف القادم). إضافة إلى محاصيل الطاقة التي يمكن أن تنمو في معظم أراضي الولايات المتحدة ــ وبصورة خاصة في الأراضي التي لا تكون مخصبة بصورة كافية لتدعم محاصيل الغذاء المعهودة ــ يمكن أن يسهم الشمال الشرقي والشمال الغربي في النفايات الناتجة من قطع الأشجار. وأمّا البقايا المتخلّفة من محاصيل الذرة والصويا ـــ التي تتضمّن سوق الذرة وأكوازها corncobs المجردة من الحب ـــ فيمكن أن تزود بالوقود قسما كبيرا من الوسط الغربي.
تشكّل السوق والأوراق والأكواز المتخلّفة من زراعة الذرة نحو نصف إنتاجية المحصول الكامل. يجب أن يترك بعض هذه الفضالات في الحقل لإعادة تخصيب التربة , غير أنّ معظمها يتحوّل بصورة عامة إلى نفايات. 1- الفضالات الزراعية
يمكن أن تنمو هذه النباتات بسرعة مع احتياجاتها القليلة من الماء والسماد. تتضمّن الأمثلة الشائعة الأعشاب التي تنتمي إلى الأنواع: پانيكوم ڤيرگاتوم panicum virgatum والسورگوم sorghum وميسكانتوس گـيـگانتيوس miscanthus giganteus والقصب الطاقي. إنّ بعضها, مثل غيضة الصفصاف, لا تنمو في التربة الملوثة بمياه الصرف الصحي والمعادن الثقيلة فحسب وإنّما تنظفها أثناء نموها. 2-محاصيل الطاقة
3-منتجات الغابات
ستأتي إمدادات الأخشاب من مصدرين رئيسيين : الفضالات التي تتخلّف عموما عن الصناعات, مثلما يتخلّف بعد قطع الأشجار والورق إضافة إلى الأشجار الصغيرة الحجم الزائدة التي ترى مصلحة الغابات في الولايات المتحدة أنّ إزالتها ضرورية لتحسين ازدهار الغابة.
تفكيك السليولوز بالأمونيا
مع أن وجود طرائق كثيرة ممكنة للتفاعل مع سليولوز الألياف النباتية المسبقة المعالجة ـــ أكثرها شيوعا الحموض والتسخين ـــ فإن سيرورة تفكيك الألياف بالأمونيا AFEX تقدّم تركيبا استثنائيا ذا متطلبات منخفضة للطاقة، وتكاليف منخفضة وكفاءة عالية.
عملية التقطير
يقطر الإيثانول مع الماء
إعادة التدوير
تحطم (تخرب) الأمونيا المادة النباتية المنتزعة السليلوز من ملاط الخشبين. يتم إعادة تدوير الأمونيا
المواد الخام
تطحن المواد الخام إلي قطع صغيره وتسلم إلي المصنع
عملية النقل
تحميل الشاحنات الإيثانول ألي البنية التحتية المزودة للوقود في البلاد
عملية التخمير
يتحلل السليلوز المعالج إلي سكريات بالإنزيمات. وبعد ذلك يخمر إلي إيثانول.
عملية التسخين الشديد تحت الضغط
نخلط المادة الخام بالأمونيا، تحت الضغط والتسخين.
التي تربط السليولوز داخل الخلايا ـــ المقاومين للهضم إلى مكوناتهما السكرية. ويمكن تسخين الكتلة البيولوجية وتشعيعها بأشعة گـاما وطحنها إلى دقيق ناعم أو تعريضها إلى بخار عالي الحرارة. ويمكن أيضا تغطيسها في حموض أو قاعديات مركزة أو غمرها في مواد مذيبة. ويمكننا أن نُحوّر ـــ جينيا ـــ ميكروبات تتغذى بالسليولوز وتفككه.
ولسوء الطالع، فإن الكثير من التقنيات التي نجحت في المختبر لم تنجح في الممارسة التجارية. ولكي تكون هذه التقنيات قابلة للتطبيق تجاريا, يجب أن تولّد المعالجة المسبقة بسهولة سكريات قابلة للتخمير بإنتاجية وتركيزات عاليتين إضافة إلى إنجازها بتكلفة منخفضة. ويجب ألا تستعمل مواد سامة، كما يجب ألا يتطلّب تشغيلها الكثير من الطاقة. ويجب أن تكون أيضا قادرة على إنتاج گراسّولين بسعر يمكنه أن ينافس الگازولين.
وتتضمّن المقاربات الواعدة إخضاع الكتلة البيولوجية إلى أقصى درجات الـpH والحرارة. نقوم حاليا بتطوير استراتيجية تستعمل الأمونيا ـــ ذات القاعدية القوية ـــ في أحد مختبراتنا (مختبر ديل Dale). وفي هذه السيرورة, عملية تفكيك الألياف بالأمونيا (AFEX), تُعالج الكتلة البيولوجية السليوزية مع الأمونيا المركزة تحت الضغط وتسخن بشدة إلى درجة حرارة 100 مئوية. وعندما يُزال الضغط؛ تتبخّر الأمونيا ويعاد تدويرها، ومن ثم تُحوِّل الإنزيمات enzymes 90% أو أكثر من السليولوز والسليولوز النصفي المعالجين إلى سكريات. ويكون المنتج مرتفعا إلى حد ما؛ نظرا لأن هذه المقاربة تخفـّض إلى الحد الأدنى تفكيك السكريات الذي غالبا ما يحدث في البيئات الحمضية أو ذات درجات الحرارة العالية. إنّ السيرورة AFEX تتم «من دون مياه»: تبدأ الكتلة البيولوجية بحالة صلبة جافة تماما وتبقى بحالة جافة بعد المعالجة، غير منحلة بالماء. وهكذا، يمكن أن توفر كميات كبيرة من الإيثانول الشديد التركيز والعالي المحتوى الكحولي
ومن الممكن أيضا أن تكون السيرورة AFEX رخيصة إلى حد بعيد: فقد بيّن تحليل اقتصادي حديث أنّه إذا افترضنا إمكانية تسليم كتلة بيولوجية مفترضة إلى المصنع بنحو 50 دولارا للطن الواحد، فإنه يمكن أن تُنْتِج معالجتُها المسبقة بالسيرورة AFEX في آن واحد مع عملية تخمير متقدّمة تدعى معالجة بيولوجية مدمجةconsolidated bioprocessing إيثانولا سليولوزيا بسعر دولار واحد تقريبا للگالون من محتوى طاقة الگازولين المكافئ، ويحتمل بيعه بأقل من دولارين في محطة الوقود.
تكلفة التغيير
ستكون التكلفة بالتأكيد العامل الأساسي لوتيرة التقدم في استخدام الگراسّولين. فمنافسه الرئيسي هو البترول, والصناعة البترولية جَنَتْ، لأكثر من قرن من الزمن، فوائدَ تقانية من برامج أبحاث هادفة. إضافة إلى ذلك, فإنّ معظم معامل تكرير البترول قيد الاستعمال حاليا سددت بالفعل تكاليف رأسمالها الأوليّ؛ أمّا معامل تكرير الگراسّولين فستحتاج إلى استثمارات تصل إلى مئات الملايين من الدولارات, وهي تكلفة ستدمج في سعر الوقود الذي تنتجه خلال السنوات المقبلة.
ومن جهة أخرى، يحوز الگراسّولين على مزايا رئيسية متعددة أكثر من البترول وبدائل البترول الأخرى مثل الرمال النفطية والفحم الحجري المسيّل. أولا،ً المواد الخام غير المعالجة هي أقل تكلفة بكثير من النفط الخام غير المعالج, وهذا ما يساعد على إبقاء الأسعار منخفضة في أي وقت تتقوى الصناعة فيه وتتنافس. وسينَتج الگراسولين محليا مع فوائد ضمان وطنية تميزه. وهذا أفضل بكثير للبيئة من أي بديل وقود أحفوري الأساس.
إضافة إلى ذلك، ستسمح أدوات تحليلية جديدة وتقنيات مُنمذجة حاسوبيا للباحثين بتطوير عمليات أفضل وأكثر فعالية في معامل التكرير البيولوجية بسرعة لم يتوصّل إليها مهندسو البترول منذ عشر سنوات على وجه التحديد. إنّنا نكتسب الآن فهما أعمق لخواص موادنا الخام والسيرورات التي يمكن اتباعها لتحويلها إلى وقود بسرعة تتزايد باضطراد. يجب أن يساعد دعم حكومة الولايات المتحدة للأبحاث في مجال أشكال الطاقة البديلة هذه السيرورة لتسريعها أكثر فأكثر. فقد احتوى مشروع قانون التحفيز الاقتصادي الذي وقَّعه وأقره الرئيس <باراك أوباما> كقانون في بداية هذه السنة على تمويل بقيمة 800 مليون دولار لبرنامج الكتل البيولوجية التابع لوزارة الطاقة. وهذا التمويل سيُسـرّع الأبحاث المتقدمة في مجال الوقود البيولوجي وتطويرها، كما سيوفر تمويلا لمشاريع معامل التكرير البيولوجية على المستوى التجاري. إضافة إلى ذلك، تضمّن مشروع القانون ضمانات حكوميــة لقـروض بقيمـة 6 بلايين دولار لمشاريع في مجال الوقود البيولوجي سيبدأ فيها في الشهر 10/2011.
وفي الواقع، إذا حافظت الولايات المتحدة على تعهدها الحالي المتعلق بالوقود البيولوجي، فيجب بسرعة التغلب على التحديات التسويقية والتحويلية التي تواجهها الصناعة الآن. وخلال الخمس إلى الخمس عشرة سنة المقبلة ستنقل تقانات تحويل الكتلة البيولوجية من المختبر إلى السوق، وسوف يزداد بسرعة كبيرة عدد المركبات التي تسير بالوقود البيولوجي السليولوزي. وهذا الانتقال نحو الگراسّولين يمكن أن يغيّر العالم بصورة أساسية, انتقالٌ تأخّر كثيرا حدوثه.
مصادر بديلة: شحوم الحيوانات
هناك طريقة جديدة لتصنيع الوقود من شحوم الحيوانات. في الشهر 4/2009 افتتحت شركة «هاي پلينز بيوإنيرجي» معمل تكرير بيولوجي بالقرب من مصنع معالجة الخنازير في كايمون, أوكلاهوما. يأخذ معمل التكرير هذا شحم الخنزير ـــ منتج جانبي وافر بخس الثمن من عملية الجزارة الصناعية ـــ ويحوّله مع زيت نباتي إلى ديزل بيولوجي. ومن المتوقّع أن يحوّل المصنع 30 مليون رطل من شحم الخنزير إلى 30 مليون گالون من الديزل البيولوجي كل سنة. وفي عام 2010، ستنضم مؤسسة «هاي پلينز» إلى مصنع في «كايسمار» بولاية لويزيانا الذي تشغّله شركة «ديناميكس فيولز», مشروع تجاري يربط بين شركة «تايسون فودز» وشركة وقود سينتروليوم(19). سيستعمل هذا المصنع الشحوم الناتجة من عمليات لحوم البقر والدجاج والخنازير التي تنهض بها شركة تايسون لتوليد 75 مليون گالون سنويا من الديزل البيولوجي ووقود المحركات النفاثة. ومع ذلك، تراجعت صناعة الديزل البيولوجي مؤخرا, مع الكثير من المصانع المعطلة عن العمل بسبب نقصان الطلب. ونظرا لتدني أسعار النفط صار وقود الديزل الذي أساسه البترول الأحفوري أقل تكلفة من الديزل البيولوجي, الذي يصنّع على نحو نموذجي في الولايات المتحدة من زيت الصويا وزيوت نباتية أخرى. وقد أسهم الإعفاء الضريبي من الحكومة الفيدرالية الذي مقداره دولار واحد لكل گالون من الديزل البيولوجي في تخفيف وطأة تناقص الطلب عليه، ولكن ذلك الإعفاء الضريبي سوف ينتهي مع نهاية هذا العام. ويخشى بعض المصنـّعين للديزل البيولوجي من تلاشي أعمالهم مع اختفاء ذلك الدعم الحكومي. وقد دخلت شركة «تايسون» في وقت مبكّر في شراكة مع شركة «كونكوفيليپس» لإنتاج ديزل بيولوجي في معمل تكرير تابع للشركة الأخيرة والقائم في «بورگر», تكساس. غير أنّ المخاوف من انقطاع التخفيض الضريبي تركت المشروع معلقا.
محررو ساينتفيك أمريكان
المرجع العلمي: مجلة العلوم ، العدد نوفمبر – ديسمبر2009