الوقت مناسب دائما وأبدا للقيام بما هو صحيح، انها دعوة للأمل للحاضر والمستقبل مع البعد عن التشاؤم والاحباط والبكاء على آلام وجروح الماضى. دائما ما تسقط الأمطار الحامضية على الثوب اليومى وتنال منه وتعكر صفوه وتخترقه لتلامس الجسد الحياتى الذى قد يصاب ببعض التشوهات المؤلمة والمؤثرة على الحالة النفسية لهذا الجسد العليل الذى غالبا ما يحاط بهاله كبيرة من الاحباط والتراجع والانطواء. أخطاء الماضى الممتدة بنيرانها المشتعلة الى الحاضر، دائما وأبدا ما تنتشر وبسرعة هائلة لتنال من هشيم المستقبل المنطلق من رحم الماضى العليل المرتبك الأطوار.
كثيرا ما تسقط أحمال وأثقال الماضى فى نهر الحاضر مع نمو أشواكها على شاطئى هذا النهر، ومع تباطئ انطلاق مركبة الحياة بشراعها المتأثر بآلام رياح الماضى الحزين. كل هذا سيلقى بظلاله على نفوس قد هوى ماضيها بحاضرها وعقد اليأس على جبين مستقبلها، لنجد أنفسنا أمام لسان حال يؤكد أن الوقت قد فات و ليس القادم أكثر من ما فات. فات الوقت وليس فى الامكان أكثر من ما كان، فمن اعتاد فعل الخطأ فى ماضيه فلا أمل فى فعل ماهو صحيح فى حاضره أو مستقبله. وتكرار الفشل فى الماضى وانقضاء الوقت وضياعه دون أى فائده، لن ينتج عنه الا حاضر معبأ بالفشل ولن يسفر عنه أى مستقبل، وان الطبع عادة ما يغلب التطبع. ولكن على الرغم من كل هذا، تذكر جيدا أنك ان ذهبت فى الحاضر لتقيم ضلع الماضى فسوف ينكسر منك لا محالة.
ولكن كيف تشتعل الشعلة مرة أخرى، وتستقيم الحياة ويصبح الوقت مناسبا دائما لفعل ما هو صحيح؟. لن يكون هذا أو ذاك الا بالتركيز على النصف الممتلئ من كوب الماء، لأنك لن تروى ظمأك الى به. فتجاهل عيوب الماضى واستثمار محاسنه، خير سبيل لانطلاق مركبة الحياة. لأن الضلع لو كان مستقيمًا لأصبح معيبًا ومن ثم فكمال الضلع الذي في الصدر هو اعوجاجه، والفساد أو العيب هو إخراج الشئ عن حد اعتداله لمهمته، فلا تتم مهمة الضلع إلا باعوجاجه. ومن ذلك نفهم أن الإعوجاج وأخطاء الماضى ما هى الا فطرة وصفة لابد لها أن تحدث كى نستبين من حلالها الصواب عند حدوث الخطأ ونسير على الدرب الصحيح. ولا غضاضة فى أن يلامس دلو أخطاء الماضى مياة نهر الحاضر أو حتى مياة محيط المستقبل، لأن هذا العوج وهذه الأخطاء ماهى الا استقامة الكائن الحى لوظيفته ومهامه في الحياة. فهذا قد ينطق بالشاهدتين فى اللحظة الأخيره من حياته، وهذا قد يأتى بابتكاراته واختراعاته قبل نهاية العمر، وهذا قد يمتلئ وعائه المالى فى الربع الأخير من حياته، وهذا التفاعل الكيميائى قد يحدث بعد أكثر من محاولة، كل هذا لأن الوقت مناسب دائما لفعل ما هو صحيح ولأنك دائما وأبدأ لن تستطيع أن تغير ما فات من ماضى ولن تستطيع ان تمتلك من مستقبلك شئ غير أنك تستطيع فعل ما هو صحيح فى حاضرك الذى تراه بعينيك وتلامسه بيديك وتعدو فيه بكل طاقتك. فحاضرك هو مركبة حياتك التى يجب ان تقودها وتنطلق بها الى الأمام، لأن السيارة دائما ما تنطلق الى الأمام أكثر من رجوعها الى الخلف وأكثر من وقوفها فى مكانها.
كما أن ذاتية الأشياء هى التى تجعل الوقت مناسب دائما لفعل ما هو صحيح، حيث تشتعل النيران فى حطب عيدان القمح أو الأرز المتراكمة نتيجة لذاتيه الطاقة الكامنة بداخلها. كما أن طريقة الاحتراقى الذاتى المتوهج، الكائنة بواسطة بروفيسور دراز الباحث بالمركز القومى للبحوث – مصر ، والقائمة بين أملاح نترات المعادن وبياض البيض أو أوراق بعض النباتات، تعتمد على ذاتيه الطاقة المختزنة التى تدفع بدرجة حرارة التفاعل بين المتفاعلات الى درجات كبيرة تؤدى بها تكوين المحاليل الصلبة التى كثيرا ما تحتاج الى طاقة عالية وبيئة معينة ومختارة. لذا فان ذاتية الطبيعة الحيوية وغير الحيوية دائما ما تؤكد على أن الوقت مناسب دائما لفعل ما هو صحيح.