بعيدًا عن ديباجات التغيّر المناخي والحكايات الرومانسيّة التي تُحكى حول الطاقة المتجددة وأهميتها في الكثير من دول العالم، إلا أن الحكايات في فلسطين مُختلفة كالعادة، فالطاقة الشمسية واللجوء إليها لا يهدف إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.. بقدر ما يهدف إلى الحد من عنجهية الاحتلال وتعزيز صمود السُكان، سواء في الضفة أو غزة أو حتى في القرى الغير معترف بها في النقب.
القرى البدوية
إن سافرتم يومًا إلى جنوب فلسطين ومنطقة النقب في الداخل المُحتل.. فلا بُد أنكم ستُلاحظون شيئًا يثير الاهتمام، فالكثير من البيوت مبنيّة بشكل بدائي جدًا ولكنها تتميز بأنظمة شمسية مُتطورة.. والأطرف أن بعض هذه القرى ليس ببعيد عن شبكة الكهرباء الإسرائيلية أو حتى مُحطات توزيع الكهرباء كما هو الحال في قرية “وادي النعم” التي حُرمت من الكهرباء، شأنها شأن الكثير من القرى البدوية التي تُعرف اعلاميًا بـ”القرى الغير معترف بها” وبقيت تستخدم مولدّات الكهرباء التي تستهلك الكثير من الوقود وتزعج السُكان بالضجيج إلى أن وصلها الاختراع “السحري” الذي يُسميه أطفال القرية “الطاقات”.
في جولتنا إلى هذه القرى، التقينا بثلة أطفال يلعبون في ساحة بالقرب من ألواح الطاقة الشمسية وعند سؤالهم عن هذه الألواح، كانوا مُتحمسين جدًا للحديث عنها فبعضهم يعمل في هذا المجال بعد عودته من المدرسة ليُساعد عائلته في تحمل تكاليف الحياة، وبفضل هذا العمل فإن بعضهم كان “خبيرًا” في الحديث عن الطاقات كما يعرّفه أصحابه، إلا أن أصحابه وكُل القرية لديهم خبرة واسعة في تشغيل هذه المنظومات ولديهم علاقة “حميمية” بها، حيث حدثنا هؤلاء بأنهم كلما لاحظوا سطوع الشمس بقوة هرعوا إلى المنزل لاستغلال الفرصة في تشغيل أجهزة الألعاب الإلكترونية.
في الواقع، فإن أنظمة الطاقة الشمسية تُكلف السكان أمولًا باهظة إلا أن الناس مُستعدة لبيع سيارة أو حتى المجوهرات من أجل شراء منظومة طاقة شمسية كما حدّثنا أحد النشطاء، حيث قامت امرأة ببيع مجوهراتها لحاجتها الماسّة إلى الكهرباء التي تحتاجها في تشغيل جهاز يحتاجه طفلها المريض، ولهذا فإن هناك مؤسسات تنشط في دعم هكذا عائلات لشراء هكذا أنظمة، بحيث تدفع العائلة نصف التكلفة وتدفع المؤسسة الخيرية النصف الآخر ومن أبرز المؤسسات التي نشطت في هذا المجال هي مؤسسة النقب للأرض والانسان التي قامت إسرائيل بحظرها عام 2015.
ولأن المسألة ليست “ترفًا” بل حاجة مُلحة وضرورية جدًا للصمود، فإن سُكان القرى البدوية يلجأون اليه مهما كانت التكلفة، كما فعل الناشط الحقوقي خليل العمور الذي قام عام 2003 بتركيب أول نظام طاقة شمسية في منزله في قرية السرة، وكان بذلك أول شخص في القرية تعمل ثلاجته 24 بلا توقف وهو إنجاز كبير في ذلك الوقت بالنسبة لتلك القرية، ولكنه يُشير إلى أن معظم القرية الآن تستخدم هذه الأنظمة الشمسية باعتبارها أفضل بديل عن مولدات الكهرباء التي تعمل بالسولار، كما يعتبر أن الحاجة هي التي قادتهم إلى هذا “الاختراع” ولكن ليس هذا فقط، فهو يعتبر أن الحاجة فوق القانون، فتركيب هذه الألواح يعني أيضًا مُخالفة قانونية أحيانًا.. ولكن في حالتهم ليس أمام خيار إلى تركيب هذه الأنظمة.
في الضفّة الغربية، هناك العديد من المناطق التي تُعاني بسبب القوانين الإسرائيلية وبالذات في مناطق “سي” حيث هناك حاجة مُلحة إلى الأنظمة الشمسية حيث وضّح أحد السُكان في حديث له لمجلة آفاق بيئية بأن “وجود الكهرباء عندنا يجعل كل شيء مختلف؛ فلن نضطر إلى الذهاب مسافة طويلة لوضع الماء والعصائر في ثلاجة أحد دكاكين القرية المجاورة لتبريدها، كذلك فإن أطفالنا سيراجعون دروسهم ويكتبون واجباتهم بسهولة بعيدا عن دوشة مصباح الغاز أو الكاز”. ويُضيف: “أمور كثيرة أخرى يعتبرها أهل المناطق الحضرية عادية جدا ولا تتطلب سوى قليل من الوقت، بينما يحتاج البدوي لقطع مسافة طويلة للحصول عليها لعدم توفر الكهرباء كشحن الهاتف الجوال مثلا”.
وبالعودة إلى “القوانين الإسرائيلية” نجدها تسمح للجيش بمصادرة أنظمة الطاقة الشمسية في كثير من الأحيان وهو ما أكّدته صحيفة هآرتس الإسرائيلية حيث جاء في تقرير نُشر على موقعها بأن الجيش قام بمصادرة أنظمة طاقة الشمسية في قرية “الخان الأحمر” الواقع بالقرب من مستوطنة “كفار أدوميم” مما اضطرهم للعودة إلى استخدام المولدات الكهربائية. على الجانب الآخر يستمتع المستوطنون بالعيش في بيوت مُحاطة بحدائق مُزهرة وبنية تحتية متطورة وبرك سباحة ومراكز جماهيرية، بينما البدو يعيشون في ظروف معيشية صعبة ويحرمون من ممارسة أي شكل من أشكال العمران، كما يحرمون من الاستفادة من ضوء الشمس لتوليد طاقة الكهرباء من خلال أنظمة فوتو-فولطية تتبرع بها جهات مُختلفة تُحاول تعزيز صمود السكان هناك، ثم يضطرون للجوء للمحاكم لاستعادتها.. ولا ينجحون في ذلك غالبًا.
في حديث مع المُهندس ناصر دويكات وهو مُبادر في مجال الطاقة الشمسية، أكد لنا أن المصاعب التي تواجههم في تركيب الأنظمة الشمسية في مناطق سي بالذات كثيرة ولذلك يضطرون في كثير من الأحيان لتركيب الأنظمة ليلًا أو تركيبها على مراحل حتى لا يتم كشفهم، كما أن التركيب يتم غالبًا لأنظمة حجم صغير بحيث لا تُلاحظ بسهولة من قبل الجيش، هذا بالإضافة إلى عدم تركيبها في مناطق بارزة.. وكل ذلك منعًا لمصادرتها، فأقل نظام يُمكن أن يكلف 10 آلاف شيقل (2700 دولار) وهو مبلغ ليس بالهيّن على عائلة فلسطينية، ومصادرة النظام هي خسارة كبيرة.. تجعلهم يبحثون ليل نهار عن أفضل الوسائل لتجاوز كُل هذه العقبات من أجل أن يضمنوا حقهم في الحصول على الطاقة وحقهم في البقاء على أرضهم.