تواصل وكالة ناسا اتخاذ التدابير اللازمة لإطالة عمر مهمة “فوييجر 2” التاريخية لأكبر قدر ممكن، المهمة الفضائية التي تُعد إحدى أكثر الرحلات الفضائية الاستثنائية في التاريخ منذ انطلاقها في عام 1977 ضمن مشروع “فوييجر”.
وكانت قد أعلنت وكالة “ناسا” مؤخرا في بيان رسمي أنها ستعمل على إيقاف أداة علمية واحدة بهدف الحفاظ على الطاقة اللازمة لإبقاء المسبار الفضائي يعمل، وهي أداة “قياس الجسيمات المشحونة منخفضة الطاقة”، وذلك خلال الشهر الحالي مارس/آذار. ويُذكر بأن الوكالة قد أوقفت بالفعل أداة أخرى العام الماضي في أكتوبر/تشرين الأول وهي أداة “مطياف البلازما”.
المشروع الفضائي الذي فاق التوقعات
وكان قد أطلق فوييجر 2، برفقة فوييجر 1، في مهمة لا تتجاوز خمس سنوات، لكنهما فاقا جميع التوقعات، وتجاوزا الآفاق الكونية الممكنة ليصلا إلى ما يُعرف بمحيط “الفضاء ما بين النجوم” أو “الفضاء البين نجمي”، ولهذا السبب، لم يضع العلماء والمهندسون احتيطاتهم الكافية لكي يعمل المسباران أكثر من هذه المدة بأضعاف.
لذا، كان يحمل المسبار الواحدة على حدة، من الوقود ما يعادل 13.5 كيلوغراما من البلوتونيوم-238 في مولداته الكهروحرارية التي تعمل بالنظائر المشعة، والتي تولد الكهرباء عبر تحويل حرارة التحلل الإشعاعي، ومع استمرار تحلل البلوتونيوم، يتناقص إنتاج الطاقة تدريجيا.

وللتكيّف مع هذا النقص المتزايد في إمداد الطاقة، تعمل ناسا على إيقاف الأنظمة غير الأساسية تباعا، ورغم أن الأدوات العلمية المخصصة لدراسة الكواكب كانت ضرورية خلال رحلة فوييجر 2، والتي يبلغ عددها 10 أدوات، فإنها كانت لازمة ضمن نطاق المجموعة الشمسية فحسب. وبمجرّد ما ابتعد المسبار، فإن وجود بعض الأدوات العلمية لم يعد مهما كما السابق.
وتخطط الوكالة على الإبقاء على آخر 3 أدوات علمية متاحة ما زالت تعمل، وهي مقياس المغناطيسية ثلاثي المحاور (MAG)، ونظام الأشعة الكونية (CRS)، ونظام موجات البلازما (PWS). ورغم التقليص الكبير الذي شهده المسبار خلال السنوات الماضية، فإن هذه الأدوات المتبقية ما زالت قادرة على تقديم معلومات مهمة حول كل ما يجري حولها.
وتشير العالمة ليندا سبيلكر من مختبر الدفع النفاث: “أنّ في كل دقيقة من كل يوم، يستكشف مسبار فوييجر منطقة جديدة لم تصل إليها أية مركبة فضائية من قبل”، الأمر الذي يعكس أهمية جميع البيانات الواردة.
استراتيجية الإغلاق التدريجي
لا تزال الأدوات العلمية المتبقية على متن فوياجر 2 تلعب دورا حاسما في استكشاف أعماق الفضاء، إذ يعمل مقياس المغناطيسية على قياس الحقول المغناطيسية في الفضاء بين النجوم وتفاعلها مع تأثير الشمس، بينما يساهم نظام الأشعة الكونية في فهم طبيعة الأشعة الكونية وكيفية انتشارها عبر الفضاء، في حين يقيس نظام موجات البلازما كثافة البلازما في الفضاء بين النجوم، ما يساعد العلماء على دراسة الوسط بين النجمي والمحيط الذي يفصل بين النجوم.
يعتمد المسباران على نظام الطاقة النظائري الإشعاعي لتوليد الكهرباء، إلا أن هذا النظام يفقد ما يقارب 4 واط سنويا. كما يحلق فوييجر 1 حاليا على مسافة تتجاوز 25 مليار كيلومتر من الأرض، بينما يبعد فوييجر 2 أكثر من 21 مليار كيلومتر.
ونظرا لهذه المسافات الشاسعة، تستغرق الإشارات الراديوية أكثر من 23 ساعة للوصول إلى فوييجر 1، ونحو 19.5 ساعة للوصول إلى فوييجر 2. وهذا التأخير الزمني يجعل كل قرار تتخذه فرق التشغيل بالغ الأهمية، إذ يجب إدارة الطاقة، ونقل البيانات، وضمان كفاءة الأنظمة بدقة فائقة مع كل أمر يُرسل إلى المركبتين.

وإلى جانب مساهماتهما العلمية، يحمل برنامج فوييجر بعدا إنسانيا وتراثيا أعمق، إذ تحمل المركبتان الفضائيتان “السجلات الذهبية” التي تحتوي على أصوات وصور تمثل تنوع الحياة على الأرض، وهي أول رسالة مادية من البشرية إلى النجوم.