وفقاً لدراسة جديدة، فقد تبين بأن المريخ يخرج الآن من عصر جليدي كان قد مر به في السابق، حيث أن دراسة مناخ المريخ والكيفية التي تغير بها مع مرور الوقت يمكن أن يساعد العلماء على التخطيط بشكل أفضل للبعثات المستقبلية الى المريخ، أو حتى الحصول على فهم أفضل للتغيرات المناخية التي تحصل هنا على الأرض.
كانت النماذج قد توقعت بالفعل أن يكون المريخ قد مرّ بعدة جولات من العصور الجليدية في الماضي، ولكن القياسات الفيزيائية الأخيرة أكدت تلك التنبؤات بشكل قاطع، حيث كانت هذه الدراسة، التي نشرت في مجلة (Science)، أول من يرسم خريطة للخزانات الجليدية التي توجد في القطبين الشمالي والجنوبي للمريخ، وتأكد بأن هذا الكوكب قد بدأ بالخروج من عصر الجليد الذي كان قد مر به منذ ما يقرب من400,000 سنة، ومن خلال حساب الباحثين لمقدار الجليد المتراكم فوق القطبين، تبين بأن المقدار كان كبيراً جداً لدرجة أنه إذا ما انتشر عبر المريخ بأكمله، لغطى الكوكب تماماً بطبقة جليدية يصل سمكها إلى قدمين تقريباً.
بحسب الباحث المشارك في هذه الدراسة (إسحاق سميث)، الذي يدرس النظم الرسوبية على سطح المريخ في معهد أبحاث ساوث ويست، فإن دراسة تغير المناخ على سطح المريخ مهمة لأسباب متعددة، فمن خلال فهم العصور الجليدية، يمكننا الحصول على فهم أفضل للكيفية التي كان عليها الجليد – والمياه – عبر الزمن على سطح الكوكب الأحمر، ويمكن أن يساعد أيضاً على معرفة كيف تحول المريخ من كونه كوكباً رطباً إلى أرض قاحلة شديدة البرودة اليوم، ويمكن أن يخبرنا بأماكن تواجد خزانات الجليد في الكوكب، وهذا أمر أساسي إذا ما كنا نخطط لإرسال بشر إلى سطح المريخ، حيث أننا يجب أن أن نعرف التاريخ المائي الخاص به، وإذا ما أردنا في مرحلة ما إرسال بعض الأشخاص إليه، علينا أن نعرف أين يمكن أن يوجد، لذلك علينا البحث عنه بطريقة جدية.
يمكن لمناخ المريخ أيضاً أن يخبر العلماء حول ظاهرة تغير المناخ هنا على الأرض، حيث يشير (سميث) بأن المريخ يعتبر الكوكب الأكثر شبهاً بالأرض في النظام الشمسي، وهو يوفر أرضية جيدة للأبحاث المناخية، لأنه لا يمتلك لأشخاص يحرقون الوقود الأحفوري ويبثون الملوثات التي تتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، لذلك يمكن اعتبار المريخ على أنه مختبر جيد للغاية لمعرفة ما يحدث على الأرض، والجدير بالذكر أن علماء المناخ يمتلكون في الواقع مختبراً بسيطاً جداً ولكنه مثالي على المريخ، يمكنهم من خلاله أن يتعلموا عن فيزياء تغير المناخ ومن ثم تطبيق ما تعلموه على الأرض.
يوافق (آلي برامسون) ، وهو عالم كواكب من جامعة أريزونا لم يكن من المشاركين في الدراسة، على ما أشار إليه (سميث) سابقاً، ويضيف بأنه يعتقد بأن هذه الدراسة كبيرة حقاً، وأنها قد جاءت في وقتها، فمن الواضح بأن التغير المناخي أصبح من أبرز الموضوعات على الأرض، ولكن فهم توزيع المياه والجليد على سطح المريخ هو أيضاً شيء يمكن أن يكون مثيراً جداً للاهتمام، لأن هناك الكثير من المشاريع التي تتحدث عن إرسال البشر يوماً ما إلى المريخ، ولذلك فإذا عرفنا أين توجد خزانات المياه الجليدية، فإن هذا يمكن أن يكون مفيداً للاستكشاف البشري في المستقبل لذلك الكوكب.
بشكل مماثل تماماً للأرض يبدو بأن المريخ قد مر أيضاً بدورات من التغير المناخي والعصور الجليدية، ولكن على عكس الأرض، فإن التغير المناخي الذي حصل على سطح المريخ كان في المقام الأول نتيجة للكيفية التي “يميل” بها الكوكب، حيث أن كل كوكب يمتلك لمحور يدور حوله، ومحور الأرض يميل بـ23.5 درجة وهو مستقر جداً، فهو لم يتغير سوى بمقدار بضع درجات على مر الزمن، في حين أن محور المريخ يميل حالياً بمقدار 25 درجة، ولكنه يتذبذب بين 10 إلى40 درجة، وهذا يحدث لسببين، الأول، هو أن المريخ لا يمتلك قمراً بحجم قمرنا ليساعده على الاستقرار في مداره، والثاني، هو أنه قريب جداً إلى كوكب المشتري، وجاذبية كوكب المشتري تؤثر على دوران كوكب المريخ، وعندما يكون محور الكوكب الأحمر عند أقصى ميلان له، يتلقى القطبين ضوء أكثر من الشمس ويصبحان أكثر دفء، ويتغير توزيع الجليد ليتموضع على خطوط العرض الوسطى من الكوكب، فوق المدار تماماً، وفي هذه المرحلة يخضع المريخ لتأثير العصر الجليدي.
استندت هذه الدراسة على التوقعات بأنه قبل 400,000 سنة حدث مثل هذا التحول في محور الكوكب، وقد استخدم الباحثون أجهزة الرادار التي توجد على متن مارس ريكونيسانس أوربيتر، المركبة الفضائية التابعة لناسا التي تدور حول المريخ، ومن ثم قاموا بتحليل الصور الرادارية المأخوذة للخزانات الجليدية في القمم الجليدية القطبية للكوكب، وقاموا بالبحث عن علامات تآكل وغيرها من الصفات، مثل ما يسمى الأحواض الدوامة التي تنشأ نتيجة لتأثير الرياح، حيث أن تتبع هذه الميزات يمكن أن يكشف الكيفية التي يتراكم فيها الجليد ويتراجع مع مرور الوقت، ومن خلال ذلك، أكد الباحثون أن عصراً جليدياً قد انتهى منذ حوالي 400,000 سنة، وأنه منذ نهاية ذلك العصر الجليدي، تراكم حوالي 87,000 كيلومتر مكعب من الجليد على القطبين، وخاصة في القطب الشمالي، وهذا مثير جداً للإهتمام، لأن 400,000 سنة يمكن أن تكون فترة قصيرة جداً عندما يكون حديثنا عن كواكب في النظام الشمسي.
تعد هذه الدراسة نوعاً آخر من الأدلة على أن المناخ لا يزال يتغير بنشاط على سطح المريخ، وذلك تبعاً لـ(ستيفن لويس)، أحد كبار المحاضرين في الجامعة المفتوحة، وبأن المريخ ليس عالماً ميتاً، أو ثابتاً، بل إن الأشياء فيه لا تزال تسير وتتغير.