كثرت الأصوات المطالبة بتمكين المرأة العربية والنهوض بها في الآونة الأخيرة ، فلم تعد هذه المطالبات من قبيل الترف فعلى العكس أثبتت المرأة أن مشاركتها في شتى المجالات يعد سبباً في تطوير المجتمع و تقدمه .
ومع التقدم الكبير في مجال العلوم وتكنولوجيا المعلومات أثبتت بيانات اليونيسكو أن نسبة التحاق الطالبات عالمياً منخفضة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال 3% ، بينما تبلغ النسبة في العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء 5% والهندسة والتصنيع والتشييد 8% ، و وفقاً لتقرير الفجوة بين الجنسين في الدول العربية لعام 2020 الذي نشرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) فإنّ نسبة التحاق النساء في العالم العربي بالمجالات المتعلّقة بالعلوم في تزايد مستمر، وتفوقت دول الإمارات العربية المتحدة والكويت تحديدداً، حيث نسبة الخريجات من الإناث أكثر بأربعة أضعاف من الخريجين الذكور في التخصصات المتعلقة بالعلوم ، ومن هنا جاء اهتمام دولة قطر بالمرأة تجسيداً لرؤية قطر 2030 بتعزيز قدرات المرأة وتمكينها ومنحها الفرصة ودعمها لا سيّما في مجال العلوم والبحث العلمي .
وتنفيذاً لرؤية قطر الطموحة في تطوير الدولة ، تأسست “مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع” التي تقوم رؤيتها على التمكين من خلال القيادة ، حيث ساهمت بمبادرات ونفذت برامج لتشجيع وتحفيز المرأة القطرية من إحداث نقلة نوعية في مختلف المجالات، وأطلقت برنامج “نجوم العلوم” قبل ثلاثة عشر عاماً الذي يساعد المبتكرين العرب لتحويل أفكارهم لابتكارات ،وقد أولت المرأة اهتماماً خاصاً في البرنامج حيث شاركت العديد من الفتيات العرب في البرنامج بابتكارات عديدة و ساعدت الفتيات على الوصول لمراحل متقدمة في مجال العلوم بعد مشاركتهنّ في البرنامج ، وتشكّل النساء نسبة 63% من طالبات التعليم العالي في مؤسسة قطر ، بينما بلغت نسبة النساء51% مقارنة بعدد الموظفين من الرجال 49% في المؤسسة .
وفي برنامج نجوم العلوم في موسمه الثالث عشر ، لوحظ اهتمام البرنامج بإبراز نموذج المرأة الناجحة في مجال العلوم والتكنولوجيا والأعمال فقد تم في هذا الموسم انضمام الدكتورة بثينة الأنصاري خبيرة التخطيط الاستراتيجي والتنمية البشرية (الحاصلة على لقب سيدة الأعمال لعام 2011 من مجلة رواد الأعمال والتي تم إدراجها ضمن قائمة أقوى النساء العربيات) ، وقالت الدكتورة بثينة أن وجود امرأة ضمن المتأهلين في نجوم العلوم للمراحل النهائية يجسّد رؤية قطر 2020-2030 التي تدعو لتمكين المرأة ، وترى الدكتورة الأنصاري ، أن هذه المعدلات المرتفعة للنساء العربيات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، تؤكد على التزامهن طويل الأمد بتطوير المنطقة والارتقاء بها، قائلة: “تحظى الكثير من النساء اليوم بدعم وتشجيع كبيرين لمتابعة تطلّعاتهنّ العلمية، ولكن دافعنا لتحسين حياة من حولنا، وتقديم قيمة مضافة إلى ثروة المعرفة في المنطقة، كان دائمًا هو الهدف الذي نسعى إليه”. .
وقد شارك في البرنامج لهذا الموسم أربعة عشر امرأة شاركن بابتكارات في مجالات عدّة ، وأبرز المشاركات اللواتي حلّقن في سماء العلوم كانت طالبة الطب الجزائرية خولة شعابنة التي أبدعت في البرنامج فكانت الفتاة الوحيدة التي تتأهل للتصفيات حتى وصلت إلى مرحلة الهندسة ، عبر ابتكارها (رباط الركبة الذكي يقوم بمراقبة نشاط العضلات المسؤولة عن استقرار الركبة أثناء التدريب) ، وكانت شعابنة مثالاً للمرأة القوية المثقفة حيث تتقن ست لغات بالإضافة لإبداعها في مجال دراستها للطب .
و برز في البرنامج عدداً من المبتكرات تأهلن للمرحلة الثانية ولكن لم يستطعن التأهل للمرحلة النهائية ، حيث برزت المهندسة الأردنية جمانة علاوي التي قدّمت فكرة ابتكار(جهاز يتضمن جلاية وغسالة) ، ومن مصر استوحت زينب عبدالعظيم فكرتها من الواقع الذي يعيشه العالم بانتشار فايروس كورونا ، حيث ابتكرت (جهاز تعقيم يتكون من مواد طبيعية يعقم الأماكن المغلقة والمفتوحة مثل ملاعب كرة القدم) ، ومن فلسطين أعجبت لجنة التحكيم بهبة شناعة التي كانت نموذجاً للمرأة القوية الواثقة من نفسها ومن مشروعها حيث عرضت تصميماً فريدأً للقسطرة عن طريق جهاز منظار القصبات بواسطة موجات الراديو لاستئصال الأورام السرطانية الصغيرة .
الجدير بالذكر فقد ساهم نجوم العلوم بإبراز ابتكارات ومواهب الفتيات في مواسمه السابقة ، وتعد المهندسة سيليا خشيني خريجة لموسم العاشر من نجوم العلوم، مثالاً لإلهام الفتيات والنساء من جميع أنحاء المنطقة للانضمام إلى عالم الابتكار وإحياء أفكارهن الخاصة ، وتعمل المهندسة سيليا حاليًا مديرة مشروع بحث تطبيقي في شركة “ابتكار” في قطر، بعد أن عملت مديرة للبحث والتطوير في شركة اتصالات الجزائر، و ترى خشيني أن النساء لطالما واجهن عقبات متعددة عندما يتعلق الأمر بالعثور على فرص عمل في هذه القطاعات. وتضيف: “الوظائف في المجالات التي تركز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في العالم العربي تعد محدودة للغاية لكل من الرجال والنساء العرب، لكن الرجال يتمتعون بميزة، فعلى سبيل المثال، في مجال الاتصالات والشبكات، نجد أن وظائف الصيانة الميدانية هي الأكثر طلبًا وتشكل غالبية الوظائف المتاحة ولكنها تستهدف الرجال بشكل أساسي، لذا قد يكون من الصعب جدًا على المرأة أن تجد مكانًا في مثل هذه القطاعات”.
وأخيراً فلا شك أن مبادرات مثل برنامج نجوم العلوم تعتبر مهمة لضمان استمرار حصول المرأة العربية على فرص لتحقيق طموحاتها في مجالات الهندسة والعلوم والبحوث وغيرها.