عندما تصطدم قدميك بصخرة السؤال الشائع الذى يقول ” هل يختلط الزيت بالماء؟” فلا تتوقف عن الحركة، وسجل على هذه الصخرة كل ما جاءت به قاعدة عدم الخلط ولا تنسى تسجيل الاستثناء القائم على الخلط الذى سعى ويسعى خلفه العلماء. ولكن يا هل ترى ما هى هذه القاعدة؟ وما هو هذا الاستثناء الغير متوقع من العامة والذى قد توقعه وتلمسه بعض العلماء بعد أن داعب أفكارهم التى يسعون وراء استكمالها. وعند تسجيلك ونقشك على حجر هذه الصخرة وقبل أن تستأنف مسيرتك، يجب أن تكتب أنه ” قد يختلط الزيت بالماء مع الليزر الراقص”. وعندما تنتهى من هذا النقش ثق أنك قد تركت بعض الأثر الذى يتطلب من كل مهتم من الماره أن يتوقف قليلا ويمعن النظر فى هذه العبارة عله ينال بعضا من ثمار البصر والبصيرة الكاشفه لبعض من قطوف الحكمة. ومن خلال عطر الحكمة، تجد النفس تبحث عن ماهية التركيب الكيميائى لكل من الماء والزيت حتى تستكشف حقيقة امكانية خلط أو عدم خلط هذا الثنائى. أثر الحكمة الذى أكد لنا أن جميع أنواع الزيوت ما هي الا سلاسل طويلة من ذرات الكربون والهيدروجين المرتبطة ببعضها، فى دلالة واضحة على أن هذه الزيوت تتكون من هيدروكربونات طويلة غير قطبية، قد يكون فيما بينها قوة جذب ضعيفة. فى حين نجد أن جزيئات الماء عبارة عن سلسلة قصيرة من ذرة أكسجين وذرتين من الهيدروجين، ومن ثم فهي ثنائية القطب؛ بمعنى أن لها جزءا مشحونا بشحنة سالبة، وآخر مشحون بشحنة موجبة. وعلى الجانب الأخر نجد أن جزيئات الزيت أكبر من جزيئات الماء. كل هذا سوف يؤدى الى عدم اختلاط هذا الثنائى من الزيت والماء اعتمادا على صعوبة تعارف ما هو قطبى على ما هو غير قطبى. ولكن هل يختلط الماء بالماء؟ وهل يختلط الزيت بالزيت؟، قولا واحد نعم يتم الاختلاط لأن ما هو قطبى يختلط بما هو قطبى والعكس صحيح وكأننا أمام تلاقى أرواح غير مختلفة. ولكن هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟ ليكون كل ما سبق هو سبب خلط أو عدم خلط هذا الثنائى، كلا البته فهناك سبب آخر يتعلق بما يُسمى ” بالتوتر السطحي” الناتج عن تجمع جزيئات الماء ، هذا التجمع الذى يشكل شبكة من الروابط الهيدروجينية. هذا التوتر السطحى الكبير بين جزيئات الماء والذى يؤدى الى قوة الالتصاق فيما بينها ومن ثم امتزاجها مع بعضها، فى حين نجد أن هذا التوتر السطحى صغير بين كل من جزيئات الماء وجزيئات الزيت بسبب ضعف قوة الالتصاق بينهما، الأمر الذى يستدعى كل جيوش عدم خلطهما وبالتالى عدم امتزاجهما.
ولكن أمام الاستثناء من القاعدة سالفة الذكر نجد مع إدخال قدر كاف من الطاقة إلى هذا الثنائي على شكل موجات فوق صوتية، أنه سوف تتشكل قطرات من الزيت بأحجام أقل من ميكرون (هو جزء من مليون من المتر) في الماء وتمتزج به، وتستمر في هذه الحالة لعدة أسابيع أو أشهر. وبحسب دراسة علمية متخصصة قد تم نشرها في دورية “ساينس” (Science)، فإن هذه الدراسة قد استخدمت تقنية بصرية فائقة السرعة، تداخلت فيها نبضتان من الليزر فائق القصر عند الحد الفاصل بين قطرات الزيت وسطح الماء المحيط بها. هذا الأمر الذى أدى الى انعكاس بعض فوتونات الضوء عن هذا السطح حاملة معها ترددات عن طبيعة تفاعل الذرات الواقعة في جانب الزيت والواقعة في جانب الماء، الأمر الذى مكن العلماء من التعرف على ما يحصل بينهما بشكل دقيق. ولقد وجد الباحثون فى هذه الدراسة أن الماء بالفعل تكون بين جزيئاته روابط قوية تدعى “روابط هيدروجينية”، لكن حينما يكون من غير المتاح لتلك الجزيئات أن ترتبط بالماء، ويكون الزيت فقط هو المتاح أمامها، فإنها تكوّن روابط هيدروجينية من نوع ضعيف بين الماء وجزيئات الزيت. وعلى الرغم من ضعف هذه الروابط، يمكن أن تستمر هذه الروابط بين الماء والزيت لعدة أسابيع أو أشهر قبل أن ينفصلا عن بعضهما البعض، وتعود جزيئات الماء للترابط مرة أخرى مع بعضها.
ولأن الحاجة هى أم الاختراع، ولأن فكرة خلط الزيت بالماء قد داعبت وستظل تداعب فكر العلماء، فان القائمين على الدراسة السابقة قد امتد أملهم فى أن تساعد هذه الدراسة في نطاقات بيولوجية عدة، لأن السطح الفاصل بين الزيت والماء له أوجه تشابه قوية مع تفاعلات كيميائية وفيزيائية تحدث في الأغشية الحيوية وعمليات طي البروتين، وبالتالي فإن هذه النتائج قد تكون مفيدة في نطاق علم الأحياء الجزيئي.
وأمام صخرة الحياة نجد أن المبادئ والأعراف والتقاليد والخير لا يمكن أن تختلط بأى تحريف لها قد يتواجد على أرض الواقع أو أى شر قد يتخلل هذا الخير ولكن وفى ظروف استثنائية قد يمتزج هذا بذاك ولكن مدى ومقدار هذا المزج لن يكون كبير لما فيه من فساد وافساد للطبيعة القائمة على الفطرة التى هى فى الأصل تعد أهم عوامل التوزان البيئى الذى يجب أن يكون كى لا يختل ميزان العدالة.