من المفترض أن ترتبط اللجان العلمية بمنظومة البحث العلمى الموجودة فى شتى الميادين البحثية، هذه الميادين الكائنة والمنتشرة فى الجهات المختلفة سواء كانت أكاديمية أو بحثية. فهذه اللجان تعتبر أحد روافد هذه المنظومة التى تستقى كوادرها من الحاصلين على درجاتهم العلمية الأعلى (درجة بروفيسور ودرجة أستاذ مساعد) من خلال هذه اللجان. نهر هذه اللجان الذى يسبح فيه رواده بهدف الحصول على درجاتهم العلمية، تجده واسع فى بدايته كى يستوعب كل من يرغب فى اجتيازه وصولا الا نهايته التى يجب أن تكون أقل اتساعا بل ويجب أن تكون كعنق الزجاجة لا يخرج منها الا من يستحق هذا اللقب العلمى الذى يجب أن يكون قد أعد نفسه له اعدادا جيدا. قد يسبح فى هذا النهر من لايستطيع السباحة بمعناها الحقيقى ولكنه بطرق ما قد يصل الى نهاية النهر وقد يجتاز هذا العنق الاختبارى دون أن يستحق وذلك قد يكون نتيجة لتدخل عوامل آخرى قد تؤدى الى ضعف بل وقد لا أكون مبالغا عندما أقول انهيار المنظومة، الأمر الذى أدى الى امتلاء الساحة العلمية بالكثير من أنصاف بل بمن قد يتشبهون بالآساتذة لحصولهم على هذا اللقب بطريقة تقليدية عقيمة لا يمكن أن تعبر عن حقيقتهم الخاوية بل والواهية. وكثيرا ما تجد نفسك أمام بالونة من الأستاذية الفارغة من أى محتوى أو مضمون، وذلك حينما تجد من يحمل لقب بروفيسور مثلا فى الكيمياء وهو لايعى ولا يدرك قواعد وأساسيات هذا العلم، بل وقد يزداد الطين بلة ويكون لايفهم ولايدرك التخصص الدقيق الذى حصل فيه على لقب بروفيسور. فالحاصلين على هذه الألقاب من أنصاف المخترقين هذا النهر والمجتازين عنق الزجاجة، هم كالهالوك المضر الذى لا فائدة منه غير أنه يتسلق بل ويتطفل خارجيا واجباريا على المحاصيل البحثية ويلحق بها الضرر الممتد الأثر من حيث الكم والكيف.
هذا الهالوك أو الجَعْفِيل أو الحَامُول أو شيطان المحاصيل هو من الأعشاب الضارة غيرية التغذية كاملة التطفل ذات الضرر المدمر لكامل منظومة البحث العلمى لما يلحقه بها من أضرار والتى هى على سبيل المثال لا الحصر كالتالى:
– تطفل هذا الهالوك على العناصر البحثية الجادة ليكون معهم يمتص دماؤهم على غير رغبة وبطرق غير طبيعية غالبا ما تمتزج بشئ من العطف، وهنا وبلا شك يمكن خطأ العناصر الجادة التى وبلا شك سوف تجنى أشواك محصولها الذى اعتراه الوباء باحتواء هؤلاء.
– مزاحمة هالوك البحث العلمى للعناصر البحثية الجادة والحقيقة على احتياجاتها البحثية، وايقاف الاستفادة من هذه الاحتياجات التى سوف يسطير عليها بحجة المساوة وتكافؤ الفرص وذلك لأنه وكما أشرنا الى انه بالونة فارغة من كل محتوى ومضمون. هذا الهالوك دائما ما يتمتع بقدرة كبيرة من حيث شراهته لامتصاص كل مقومات البحث العلمى وذلك بواسطة ممصاته التي يرسلها في جذور عائله البحث العلمى لأنه قد أتقن فن المراوغة واصطياد كل شئ.
– كما أن انتشار هالوك البحث العلمى بكثرة بين جذور وبنيان البحث العلمى لن يؤدى الا الى إصابة هذا البنيان بالكثير من الأمراض التى منها اصابة البنيان بالهشاشة واضعاف العناصر الجادة من خلال غرس الاحباط فى عقولها وقلوبها التى سوف تتأثر كثيرا ولن تستطيع المقاومة.
– و يؤثر أيضا هالوك البحث العلمى على المواصفات الكمية والنوعية للمنتج البحثى من افراد ومخرجات فيقلل من إنتاجها النهائي. كما يسيء هذا الهالوك إلى المواصفات النوعية للبحث العلمى وذلك عندما يزداد الكم على حساب الكيف وتجد نفسك أمام بالونات فارغة من أى محتوى أو مضمون ويكون كل ما لديك وكل ما تقع عليه عينيك هو غثاء كثير من غثاء البحث العلمى. غثاء البحث العلمى الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع بل وقد يعمل هذا الغثاء على إجهاد أرض البحث العلمى وإفقارها، الأمر الذى سوف يؤدى بنا الى تدمير القاعدة العامة المعمول بها فى الاقتصاد الزراعى والتى يمكن محاكتها فى الاقتصاد البحثى والتى تقول ” الحصول على أكبر ربح ممكن وبأقل التكاليف مع المحافظة على خصوبة التربة “.
– ولن يتوقف هالوك البحث العلمى عند هذا الحد، بل قد يتخطاه الى مدى أخطر وأخطر عندما يندس هذا الهالوك الى التواجد فى تشكيلات وتكوين اللجان العلمية الدائمة المنوط بها التوصية بمنح الدرجات العلمية الأعلى وخصوصا درجة بروفيسور. والطامة الكبرى التى سوف نصطدم بها قريبا أن يعتلى هالوك البحث العلمى سدة اللجان العلمية، وعندها سوف تتكاثر البالونات الخاوية من كل محتوى أو مضمون بل وسوف تحافظ هذه البالونات على بقائها وتكاثرها من حيث النوع والعدد.
ولكن هل من علاج للتخلص من هالوك البحث العلمى؟ أعتقد أن العلاج قد يكون صعبا ومكلفا لأن الحقل الموبوء بالهالوك دائما ما يحتاج لمرات عديدة من الفلاحات السطحية والعميقة لاستئصاله من أصوله، وذلك قبل موسم التبذير، هذا فضلاً عن عملية تنقية البذور التى هى أكثر صعوبة من عملية الاستئصال، كل هذا يتطلب الكثير من العقول المستنيرة والجهد والوقت وبالتالي زيادة النفقات. عقول مستنيرة فى العلم والادارة والقانون للقيام بمهمة التطهير والتنقية لاختيار أعضاء اللجان العلمية الدائمة ومقرريها لأن هؤلاء هم قضاة العلم. كما يجب أن يتوافر فى هذه العقول القائمة على اختيار حكماء التخصصات المختلفة فى اللجان العلمية المختلفة الكثير من المقومات التى تميزها عن الأخرين، وأن تكون هذه العقول وقبل كل شئ من صفوة الحكماء وقضاة العلم الذين يضعون من القواعد والاجراءات ما يضمن لنا تشكيل لجان علمية سليمة وصحية . وقبل هذا وذاك لابد أن تطبق قواعد اختيار أعضاء اللجان العلمية الدائمة على القائمين على تنظيم وتشكيل اللجان العلمية، مع تطبيق قواعد أكثر شدة وقوة فى تحديدهم بعيدا عن أهل الثقة المنتشرين هنا وهناك لأنه لن يكون من المقبول أبدأ ان يكون القائم على اختيار قضاة العلم من هو أقل منهم فى كثير من الأمور الفنية والتقنية، وأنه قد شغل هذا المكان أو ذلك لأنه من أهل الثقة وأنه قد حصل على بالونة الأستاذبة الفارغة. كل هذا ان دل على شئ فانما يدل على ضرورة استنهاض لجان علمية قوية تكون توصيتها بمثابة قانون ومن قبلها العمل على استنفار تكوين لجان لاختيار لأعضاء هذه اللجان العلمية ومقرريها من من هم أكثر ثقلا فى العلم والادارة والقانون. علاوة على هذا لابد أن نتخلص من مبدأ خاطئ كامن داخل هالوك البحث العلمى وغالبا ما يتم فرضه فرضا، هذا المبدأ الخالى من كل المبادىئ الصحية السليمة والذى ينتهى الى ضرورة اجتياز كل من سبح فى نهر اللجان العلمية لعنق زجاجة التقييم الذى ان كان جادا وعلى درجة عالية من التقنية والفنية، كانت الاعداد التى سوف لا تصل الى عنق الزجاجة التقييمة كثيرة وأكثر مما نتخيل لأن الغثاء كثير وكاد يغمر أرض البحث العلمى دون جدوى.
فهلموا الى التخلص من هذه التصدعات التى ألمت ببنيان المنظومة وابادة هذا الهالوك الذى أنتشر ومازال ينتشر كالسرطان فى الجسم السليم. فنيران هذا الهالوك تسرى كالنيران فى الهشيم ولن تبقى حبة قمح واحدة يلتقطها حتى عصفور النار المتحول فى بقيع حياتنا البحثية.