في البداية، كانت المادة في الكون بأكمله مضغوطة إلى نقطة صغيرة متناهية الصغر، غير أنها انفجرت وشكلت الكون، وبطريقة ما، لا تزال هذه البقعة الصغيرة تنفجر، وتتوسع بمعدل متسارع.
في الماضي، كان العلماء ينظرون إلى الإشعاعات التي خلّفها الانفجار الكبير لحساب معدل توسع الكون الذي يجب أن يكون عليه اليوم، لكن الأدلة الجديدة، التي سرعان ما تم نشرها في مجلة (The Astrophysical Journal)، تشير إلى أن هذه التقديرات قد تكون خاطئة، أو على الأقل غير مكتملة، حيث أشارت البيانات الجديدة الصادرة عن تلسكوب الفضاء هابل أن توسع الكون قد يكون أسرع بـ5% إلى 9% مما كان متوقعاً في السابق جراء الانفجار الكبير.
ولكن كيف؟
باستخدام تلسكوب هابل، كان العلماء من جميع أنحاء الولايات المتحدة قادرين على قياس المسافة إلى النجوم والسوبرنوفا في العديد من المجرات، وبعد ذلك استخدام هذه البيانات لإعادة تعيين ما يُعرف باسم “ثابت هابل”، وهو المعدل الذي يتمدد فيه الكون من خلال القياس بالملاحظات المباشرة، ولكن عندما تمت مقارنة “ثابت هابل” الجديد مع التقديرات من استنتاجات الانفجار الكبير، لم تكن الأرقام تتطابق.
بحسب (آدم ريس)، الحائز على جائزة نوبل للفيزياء من جامعة جونز هوبكنز ومعهد علوم تلسكوب الفضاء، وهو الشخص الذي قاد المشروع، فعندما تبدأ بقياس شيء من نهاية طرفيه، فإنك تتوقع بأن تتلاقى هذه القياسات في المنتصف إذا كانت جميع حساباتك وقياساتك صحيحة، ولكن الآن تبين بأن النهايتين لم تلتقيا تماماً في الوسط، ونريد أن نعرف السبب.
يُضاف هذا السؤال إلى قائمة طويلة من الأسئلة التي لا تزال تحيّر علماء الفيزياء ويحاولون الإجابة عنها حول الكون.
تبعاً لـ(لوكاس ماكري) وهو فيزيائي من جامعة تكساس A & M وأحد مؤلفي الدراسة، فإن التنبؤ التي تستند إلى نتائج الانفجار الكبير يجب أن يطابق قياساتنا، وإذا لم يفعل، عندها يجب أن يكون هناك سبب مادي جعل هذين الأمرين غير متوافقان.
إذن، ما الذي يفسّر هذا التناقض؟
إما أن يكون هناك شيء حول الانفجار الكبير لم تأخذه التقديرات السابقة بعين الإعتبار أو أن هناك عواملاً دخلت حيز التنفيذ بعد الانفجار الكبير لم يفهمها العلماء بعد.
يسلّط (ماكري) الضوء على أربعة تفسيرات ممكنة.
التفسير الأول: الانفجار الكبير
سبق وأن رأينا دليلاً على وجود جسيمات دون ذرية كانت متواجدة بوفرة بعد الانفجار الكبير (المعروفة أيضاً باسم “الإشعاع المظلم”) لم تكن معروفة سابقاً، فإذا قمنا بتغيير الافتراضات حول ما كان عليه الحساء البدائي (العناصر الأولية التي يتألف منها الكون)، فإن الأمور قد تتغير قليلاً.
التفسير الثاني والثالث: الطاقة المظلمة والمادة المظلمة: وهي المواد التي تشكّل معظم الكون من حولنا ولا يمكن ملاحظتها بشكل مباشر.
– إزدياد قوة الطاقة المظلمة – تلك القوة الغامضة التي تقاوم الجاذبية وتسبب توسع الكون – مما يدفع المجرات للذهاب بعيداً بشكل أسرع مما كانت عليه من قبل.
– المادة المظلمة، التي لا نستطيع رؤيتها ولكنها نظرياً موجودة وتشكل معظم المادة في الكون، هي أغرب مما كنا نظن.
التفسير الرابع: الجاذبية: نظريتنا عن الجاذبية غير مكتملة.
ذكر (ماكري) أيضاً بأن نتائجه ليست صحيحة ولا تقبل الدحض، فهناك فرصة واحدة في الألف أن تكون هذه القياسات قد وصلت إلى العلماء عن طريق الصدفة، وفي الفيزياء يجب أن تكون نسبة الصدفة لا تتجاوز الواحد في 4 ملايين لتعتبر النتائج حقيقة، لذلك سيكون هناك حاجة إلى جمع المزيد من الملاحظات.
يشير (ماكري) إلى أنه مع غيره من الباحثين سوف يعرفون المزيد حول هذا الموضوع قريباً، لا سيما إذا ما تسنت لهم الفرصة باستخدام تلسكوب الفضاء جيمس ويب، الذي سيحل محل هابل في عام 2018، حيث أن تلسكوب جيمس ويب سيكون قادراً على النظر إلى مسافة أعمق بكثير في الفضاء مما يمكن لتلسكوب هابل فعله حالياً، ويمكنه إعادة تعين تقدير ثابت هابل بشكل أكثر دقة بكثير أيضاً، فقضاء وقت قصير نسبياً في التقصي باستخدام جيمس ويب سيسمح للباحثين بإدخال تحسينات كبيرة جداً على القياسات التي نمتلكها اليوم.
بشكل عام، فإنه من المهم أن نعرف أن المعدل الدقيق لتوسع الكون، لأن هذا سوف يسفر عن تقديرنا لعمر الكون بشكل أكثر دقة، فلمعرفة عمر الكون، نحن بحاجة إلى ثابت هبل، وحالياً تصل نسبة عدم اليقين بالتقديرات إلى 2.4%، وهي النسبة الأفضل حتى الآن، ولكنها مع ذلك ليست جيدة بما فيه الكفاية.