دائما ما يظن المعتدى على حقوق الأخرين أنه قوى، فعلى الرغم من اختلاف صور وأشكال هذه القوة العدائية من قوة البدن وقوة الدهاء والذكاء وقوة الخيانة …ألخ الا أنها فى النهاية اعتداء على الأخرين اما بسلب حريتهم واهانتهم أو بغشهم والتدليس عليهم أو بخيانتهم بعد استدراجهم واستغلال طيبتهم التى فطرهم الله عليها. قد تجتمع بعض هذه القوى العدائية فى شخص واحد لينتج عنها قوة ضخمة تصل الى أن تكون كبيرة من الكبائر وانتهاك لحد من حدود الله سبحانه وتعالى. وعندما تحل الكبائر تقع الصاعقة التى يغفلها ولا يجهلها المعتدى ولكنه غالبا قد وعيه واداركه واستعظم قوته واستمتع بقوة ، نرى أنها لحظية بلحظية الحياة. ومع قوة السرقة تجتمع المصائب كونها من أحد الكبائر وتجاوز لحد من حدود الله تعالى، ففى السرقة اعتداء كامل على حق من حقوق الله كونها قد جاءت فى الخفاء مع اقترانها بكثير من الخوف من اكتشاف الناس لها مع عدم الخوف والرعب من الرب الذى يمهل ولا يهمل. فالسارق للمال لا يسرق المال فقط لأنه بسرقته للمال قد سرق مال وجهد ووقت شخص أخر، هذا المال الذى هو فى حقيقته مال وجهد ووقت كل الناس. ولأن حد السرقة كنصل السيف لا يستقر عليه أى شئ، فقد تم تجريم السرقة فى كل الشرائع السماوية ولم تخلو القوانين من نبذها وتعظيم عقوبتها، ” وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” (المائدة: 38)، وتلبية وتنفيذا للأمر الالهى أطلقها رسولنا الكريم ” محمد ” فى قوله ” لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ” وغضب على أسامة حب رسول الله عندما طلبت منه قريش وقال ” أتشفع في حد من حدود الله “.
يسطو السارق على مال وجهد ووقت غيره، والسعادة تغمره ويسبح فيها عقله العفن لأنه قد اقتنص مال غيره دون جهد وتعب ودون بذل الوقت للحصول على هذا المال، ولكنه لو كان يمتلك ولو القليل من الوعى والادراك لعلم أنه قد فقد الكثير من الوقت والجهد كى يقتنص اللحظة المناسبة لارتكاب جريمته، ناهينا عن أنه لو وقع فى أسر ضحيته لنال ما يستحق علاوة على تسليمة للسلطات متلبسا ومن ثم لنال ما يستحق من عقوبة. ولكن مع قلة الضبط والتلبس لكثير من حالات السرقة، زاد السارق من قوته وأصبح يتقن الكثير من الأليات كى يرتكب جريمتة الشنعاء. السارق ان سرق فلا مبرر له، حتى وان وجد هذا المبرر فسيكون أقبح من الذنب نفسه، حيث يأتى السارق مستترا إلى حرز فيأخذ منه ما ليس له. ان عظم أمر السرقة وتشديد عقوبتها والزجر عنها يأتى من منطلق صعوبة وندرة اقامة البينة على ارتكابها فى كثير من الأحيان ومن هنا ينطلق السارق فى فسحة من عمره الفاسد ليلقى لا محالة عقوبته المشددة عند رب تجتمع عنده الخصوم وتأتى الأدلة والقرائن دون بذل أى عناية أو جهد.
ولكن متى تنشأ السرقة أو اللصوصية، بالتأكيد لن تكون ولن تنشأ الا عندما تكون السرقة أقل تكلفة من السعى الى التغذية المباشرة، ومن ثم فلن تجد جريمة السرقة واللصوصية الا فى الكائنات الحية “الانسان والنبات والحيوان”، ولن تلحظها فى المكونات غير الحية (الجوامد والسوائل والغازات) !!!!. فالمكونات غير الحية لا تمتلك من الغرائز ما يدفعها الى السقوط فى مستنقع اللصوصية، فى حين يمتلك الكائن الحى من الغرائز ما يلوث كيانه ويلطخ جبينه بدماء ضحاياه المسروقين. وبقدر وعمق غريزة الكائن الحى، تكون فداحة وعظم السرقة. حيث نجد أن أقوى غريزة عند الكائن الحى هى الحاجة الى الغذاء، وتختلف الحاجة الى الغذاء باختلاف الكائنات الحية فيما بينها طبقا لنوع وطبيعة الكائن ذاته. فوجود اللصوصية والسرقة فى الانسان محرمة تحريما قطعيا لأنه خليفة الله فى الأرض ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ” ( البقرة: 30)، ولأنه هو الكائن الحى الوحيد الذى وهبه الله نعمة العقل ” إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ” (الانفال: 22). أما اللصوصية الموجودة فى الكائنات الحية الأخرى لن تكون أكثر من استراتيجية تغذية ( قاعدة إيمري )، حيث يسرق حيوان ما الطعام من حيوان آخر عمدًا، هذا داخل نفس النوع أو بين أفراد من أنواع أخرى، وهذا أيضا عندما يكون الطعام نادرًا أو عندما تكون الضحايا وفيره. ولك أن تلاحظ هذا الطفيلية اللصوصية فى مفصليات الأرجل ، خاصة النحل والدبابير، وبعض الذباب الحقيقي وخنافس الروث والحشرات. هذا بالاضافة الى الطفيليات اللصوصية المتخصصة ( نحل الوقواق ) التى تضع بيضها إما على كتل حبوب اللقاح التي يصنعها النحل الآخر، أو على الحشرات المضيفة للدبابير الطفيلية. علاوة على ما يمكن أن تلاحظه أيضا من نفس السلوك في الفقاريات بما في ذلك الطيور مثل طيور النورس ، التي تطارد الطيور البحرية الأخرى ، والثدييات آكلة اللحوم مثل الضباع المرقطة والأسود .
وغالبا ما تؤدى اللصوصية البشرية الى اختلال التوازن المجتمعى، خصوصا ان كانت مصوبة نحو المال لأن المال هو عصب الحياة البشرية، علاوة على ان هذا النوع من اللصوصية يبث الذعر بين الناس ويفقدهم الأمن والأمان ويعرقل منظومة التعمير والاعمار لما فيها فساد وافساد فى الأرض. وقد تؤدى لصوصية الكائنات الأخرى الى بعض من التوازن البيئى المرغوب لما قد تحققه فى مجال استراتيجية التغذية. فارق كبير وعظيم نجده بين اللصوصية البشرية الوقحة وبين لصوصية الكائنات الحية الأخرى خصوصا مع توافر هبة ونعمة العقل فى الكيان البشرية الذى غابت عنه عند البعض كل درجات الوعى والادراك وجعلته يرتكب من الكبائر أعظمها ويتعدى على الحدود والأوامر الالهية.