اختلاف كبير بين القائد والمدير، كالاختلاف القائم بين البستنة والزراعة المستدامة. فلن تستطعم ولن تتذوق حلاوة الانتاج النباتى أو الحيوانى الا مع الزراعة المستدامة ومع وجود القائد، وفى غيبة المدير التقليدى. فتحقيق الأداء المتميز ونجاح المؤسسات لن يقوم الا فى وجود القائد، ولن تسمع عنه ولن تراه فى وجود المدير حتى وان ادعى تميزه. فالقائد هو وبلا منافس هو القوة الدافعة للنمو والانطلاق نحو تطوير الحاضر واستشراف المستقبل، وهو الطاقة الجديدة والمتجددة، فبه ومن خلاله لن تفسد السمكة ولن يقطع ذيلها، بمعنى أنه سوف يطيح بقانون رأس السمكة.
فالقائد هو قائد بالفطرة لأنه دائما ما يكون حاملاً لجينات القيادة التى لا تتوقف بعد تكوينها الأولى لأنه دائما وأبدا لا يكف عن تنميتها وتعزيزها بالعلم والمعرفة والتجارب والممارسة المستمرة والتدريب مع تراكم الخبرات. وقد يكون القائد غير حامل لأي مؤهل علمي عالي. أو لأى درجة علمية ذات مستوى رفيع، ولكنه دائما ما يكون مثقفا وعلى درجة كبيرة من الوعى والادراك. فهو لا يكف ولا يمل عن العمل وعن شحذ همم العاملين معه والمحيطين به، ويسعى ويجتهد فى ابراز أعمالهم ويحفزهم على النجاح متخذا من نجاحهم وتفوقهم هدف لابد من تحقيقه لما فيه من نجاح له ومن ثم جائزة ونجاح لمؤسسته. فالابداع والابتكار وريادة الأعمال والبحث عن التطوير والتجديد وعدم الارتكان الى البيروقراطية مع العمل بروح الفريق الواحد، أهم وأسمى اهدافه وآليات عمله. ولا يخشى القائد من اخبار فريق عمله باتجاهات عمله وأهدافه، كما يصر على ابراز المصلحة العائدة على كل واحد فيهم مقابل العمل المطلوب منه انجازه، ليساعدوه في القيادة وتحقيق الهدف غير عابئا بطمع الطامعين ومكر الماكرين فى الاستيلاء على منصبه ومكانته لثقته فى نفسه وفى قدراته. والشجاعة فى تحمل المسئولية وازالة أى عوائق أوأى عقبات من أمام فريق العمل معه، صفة من أهم صفات القائد التى يجب ألا تغيب. وكلما كان القائد كريم بعطائه وتعاملاته وأخلاقه ومشاعره مع مراعاته لكل أمر إيجابي، كلما كان عطاء الفريق العامل معه كبيرا وواضحا ومؤثرا. فبالقائد تجتمع الإنجازات الصغيرة لتكون إنجازًا كبيرًا، ولن يكون هذا الا باهتمامه واحتفاله بأي إنجاز حتى وإن كان صغيرًا، فبقيادته يستطيع أن يشيد من الحصى جبالا شامخه ومن بعض اللبنات الصغيرة ناطحات سحاب، هذا لأنه يستمتع بعمله ويتخذ منه كامل هواياته، الأمر الذى يؤثر بالايجاب فى غالبية العاملين معه. ولننتهى فى هذا الصدد الى ما جاء به خبير القيادة والمؤلف جون سي ماكسويل في عبارته: “القائد هو الذي يعرف الطريق، ويمضي في الطريق، ويوضح الطريق”.
أما المدير فهو مدير بالفطرة لأنه لم يولد الا على درجات السلّم الوظيفي، وقد نفاجئ به كساحبة صيف عابرة أو كأنه ضربه من ضربات الحظ المفاجئة. هذا وقد يكون هذا المدير حاملاً لمؤهل علمي ولدرجة علمية رفيعة المستوى، لكنه وعلى الرغم من كل هذا لن يفقه من الإدارة إلا اعتلاء كرسى الادارة والتشبث به، ومع المواقف سوف تتكشف عن كامل نشاطه كل بيروقراطية ومركزية وعجز القدرة فى استحداث الحلول لمعضلات الأمور. فقاعدة العمل عند المدير قائمة على الروتين والمركزية والرئيس والمرؤوس، والتنفيذ غير المتطور وغير الواعى بملبسات ودهاليز وفقه الوائح والقوانين. فالمصلحة الشخصية القائمة على توظيف كامل ارادته فى المحافظة على منصبه وما توصل اليه هى شغله الشاغل دون أن يستهدف المصلحة العامة التى يقوم عليها النجاح والتطور المؤسسى. وقد يتخذ هذا المدير من التعليمات والارشادات ما يعرقل ويعوق انطلاق مركبة العمل، فعنترية التنفيذ الخاطئة عنده دائما ما تأتى بالعطب على ماكينة الادارة. هذا مع استئثار المدير بالكثير من المعلومات الهامة لنفسه خوفا منه وقلقا من أن يعلمها فريق العمل معه، كى تزداد تبعيتهم له مع ازدياد عجزهم وبعدهم عن أى تطوير لمؤسستهم، فهم ينفذون ما يتلقون من تعليمات وارشادات من سيادته مع الوقوف بمركبة العمل فى محطات المحافظات التى يحددها لهم مع عدم الوقوف اطلاقا فى محطات المراكز والقرى والنجوع وكأنها ليست على خارطة العمل، وكأن عنوان قاطرهم أنها للكبار فقط. فدولاب عمل المدير دائما ما يكون فارغا من أى تطور أو تطوير أو استحداث لأى جديد، مع احاطة نفسه بأهل الثقة الذين لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون، وفى نفس الوقت يتحملون المسئولية نظرا لتنصل مديرهم من كل مسئولايته. وانطلاقا من عدم الوعى والادارك والنظرة القصيرة المدى، يرى المدير أن أي إنجاز “وإن كان كبيرًا” أمرًا عاديًا؛ بل يرى أنه واجب عادى من واجبات الموظف التي لا يستحق عليها أى تقدير وتحفيز.
هذه الاختلافات بين المدير والقائد هي غيض من فيض يؤدى بنا الى استخلاص أن ” كل قائد مدير .. وليس كل مدير قائد “، الأمر الذى يجعلنا نستطيع الانطلاق بطائرة الابداع والابتكار وريادة الاعمال الى أهمية القيادة الادارية أو القيادة المؤسسية.
فالقيادة المؤسسية الحديثة والمتطورة هى فنّ بين الإدارة والقيادة، حيث لا تقوم لها قائمة الا باتقان حياكة هذا الفن الرابط بين عبقرية القيادة وسياسة الادارة. وهذا لن يقوم الا من خلالتجاوز فكرة إصدار التعليمات فقط، مع الدمج الحقيقى لخصائص القيادة المتمثلة في التأثير في فريق العمل والعمليات الإدارية المختلفة مثل التخطيط والتنظيم والتنسيق بين الأقسام والفروع والجهود، وتنفيذ الخطط، مع اتخاذ القرارات بما يضمن تحقيق الأهداف الخاصة بالمؤسسة، مع ضرورة وأهمية مراعاة استجابة فريق العمل ورضاهم عما يقومون به. ومن حيث عناصر القيادة المؤسسية، نجد أنها لن تخرج عن مدى قدرة تأثير القائد فى الفريق العامل، بالاضافة الى مدى التلائم والتلاحم بين هذا الفريق، مع الأخذ فى الاعتبار أهمية رضا واقتناع أعضاء هذا الفريق بما يقومون به من عمل مع أهمية تحفيزهم، هذا مع التركيز على الأهداف المشتركة القصيرة المدى ، علاوة على استهداف الاهداف بعيدة المدى أيضا.
ومن استراتيجيات القيادة المؤسسية الفعالة، إدارة التغيير وتقييمه ووضع ميزانية له وتنفيذه، بل والتأكد من قبوله في أقسام المؤسسة المختلفة، علاوة على ادارة لأهدافه المحددة من خلال وضع خطة عمل واضحة وأهداف محددة ترتبط بتاريخ زمني معين، هذا إضافة إلى وضع معايير للمنتجات والخدمات لضمان وصولها إلى المعايير التنافسية. ولا يمكنالتغافل أو التغاضى عن استراتيجية تطوير المهارات القياديةلدى أعضاء الفريق، وصقل مهاراتهم، والعمل بما يضمن ولاءهم وتعاونهم، ويشحذ هممهم بشكل دائم. ولن يكون كل هذا الا من خلال توثيق مهارات القيادة المؤسسية التى لن تكون الا من خلال فعالية أكبر وكفاءة أعلى من القائد والتى تتم بالتواصل الفعال مع الفريق بما يضمن نقل المعلومات والتوجيهات وحتى التوقعات بدقة والإنصات لهم ولاحتياجاتهم بوعي واهتمام.هذا مع الاهتمام بمهارات التنظيم والتخطيط التي تسهل إدارة المهام والوقت بكفاءة، مع استهداف الوصول إلى المواعيد النهائية في الوقت الملائم، اضافة الى العمل على استنفار مهارات الإبداع والتفكير النقدي واتخاذ القرارات وتطويرها بما يضمن حل المشكلات بفعالية كبيرة. الأمر الذى يبرز حكمة القيادة المؤسسية المتطورة اعتمادا على ما هو قائم بين عبقرية القيادة وسياسة الادارة.