القلق ليس أمرًا اختياريًا، لأنه مرتبط مع الكيفية التي يرى فيها الشخص العالم من خلال دماغه، فقد وجدت دراسة جديدة قام بإجرائها كل من (أوفر لوفر) و(ديفيد إسرائيل) و(روني باز) من معهد وايزمان للعلوم في إسرائيل، أن الأفراد الذين يعانون من القلق يرون العالم بشكل مختلف، وهذا الاختلاف عائد لوجود تباين في أدمغتهم.
تشير الدراسة التي تم نشرها في مجلة (Current Biology)، إلى أن المصابين بمرض القلق يكونون أقل قدرة على معرفة الفرق بين التحفيز المحايد أو الآمن وبين ذلك الذي كان مرتبطاً سابقاً مع خطر فقدان أو ربح المال.
حتى عندما يتعلق الأمر بالتجارب العاطفية، فإن الأشخاص الذين يعانون من القلق يبدون سلوكاً يعرف باسم الإفراط في التعميم، والإفراط في التعميم هو عندما يخلص شخص إلى استنتاج مبني على معلومات عامة جداً و / أو غير محددة بما فيه الكفاية، فعلى سبيل المثال، إذا رأى شخص حوتاً وخلص إلى الاستنتاج الذي يقول “لأنه يعيش في الماء ويمتلك زعانف، لا بد إذاً أن يكون من الأسماك”، فإن هذا الاستنتاج لا يأخذ بعين الاعتبار بأن الحيتان تتنفس الهواء وترضع صغارها، وبأن الحيتان ليست من الأسماك، بل هي من الثدييات.
تبعاً لـ(باز)، فقد بيّن البحث بأنه بالنسبة للمرضى الذين يعانون من القلق، فإن التجارب العاطفية تحفز اللدونة في الدوائر الكهربائية في الدماغ لتستمر في تنبيهها بعد انتهاء التجربة، وهذه التغييرات في اللدونة تؤدي إلى عدم القدرة على التمييز بين التحفيز الناشئ عن التجربة السابقة والتحفيز المماثل الجديد، لذلك، فإن المرضى الذين يعانون من القلق يستجيبون بطريقة عاطفية للمؤثرات الجديدة، مما يؤدي إلى إصابتهم بالقلق حتى عند مواجهتهم لمواقف جديدة لا تتصل بأي محفز قديم.
بعبارة أخرى، كما لاحظ الباحثون فإن الأفراد الذين يعانون من القلق يميلون إلى المبالغة في تعميم التجارب العاطفية سواء أكانت تشكل تهديداً لهم أم لا، ورد الفعل هذا ليس بالشيء الذي يمكن للشخص المصاب بالقلق أن يسيطر عليه، لأنه في الأساس اختلاف دماغي.
في هذه الدراسة، قام (باز) وزملاؤه بتدريب الأشخاص الذين يعانون من القلق لربط ثلاث نغمات متميزة مع واحدة من ثلاث نتائج، وهي خسارة المال، أو كسب المال، أو أي نتيجة أخرى غير ذلك، وفي المرحلة التالية، تم إسماع المشاركين واحدة من 15 نغمة وسئلوا عما إذا كانوا قد سمعوا النغمة من قبل في التدريب أم لا، فإذا كانوا على حق، تمت مكافئتهم بالمال.
كانت أفضل طريقة للفوز في تحدي تحديد النغمات هي أن لا يقوم الشخص بالخلط أو الإفراط في تعميم الأصوات الجديدة مع تلك التي كان قد سمعها في المرحلة الأولى من الدراسة، ومن خلال ذلك وجد الباحثون بأن الأشخاص الذين يعانون من القلق كانوا أكثر عرضة من المجموعة الضابطة (أي التي لا تعاني من القلق) للاعتقاد بأنهم قد سمعوا الأصوات الجديدة في وقت سابق.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت صور الرنين المغناطيسي الوظيفي (MRI) لأدمغة الأشخاص الذين يعانون من القلق، بالمقارنة مع الصور المأخوذة لأدمغة الأشخاص الأصحاء، وجود اختلافات في استجابات الدماغ، وقد تم العثور على هذه الاختلافات بشكل رئيسي في منطقة اللوزة، وهي منطقة في الدماغ ترتبط بالخوف والقلق، وأيضاً في المناطق الحسية الأولية من الدماغ.
الجدير بالذكر أن هذه النتائج تدعم فكرة أن التجارب العاطفية تسبب تغيرات في التمثيل الحسي في أدمغة لدى الأشخاص الذين يعانون من القلق.
أخيراً وبحسب (باز)، فإن سمة القلق يمكن أن تكون طبيعية تماماً، وقد تكون مفيدة حتى من الناحية التطورية، ولكن الأحداث العاطفية، مهما كانت ضئيلة في بعض الأحيان، يمكن أن تحدث تغييرات في الدماغ قد تؤدي في النهاية إلى الإصابة بالقلق بطريقة تامة.