“القرية العالمية” هو أحد المصطلحات التي وضعها البروفبسور الكندي مارشال ماكلوهن في عام 1959, وقد تحدث عنه في كتابه “The Gutenberg Galaxy“ الصادر عام 1962 وذلك في محاولة منه للتنبؤ بتأثير وسائل الإعلام على واقعنا وعالمنا.
بحسب ماكلوهن فإن وسائل الإعلام قد حولت العالم لقرية صغيرة, هذا العالم الذي تخيله الإنسان على مدى عصور كضخمٍ وكجزءٍ من المجهول, تقلص بفضل القدرة على تلقي المعلومات من كل مكان في العالم خلال بضع أعشار الثانية. البث المباشر للأحداث من كل بقاع الأرض قد أنتج وضع فيه ملايين من الناس يشاهدون نفس الحدث في نفس الوقت تماماً كما لو كنا نعيش في قرية صغيرة موحدة ولكنها بفضل وسائل الاتصال أصبحت تضم العالم بأسره.
ينسب للإنترنت والشبكات الاجتماعية دوراً رئيسياً في تحقيق رؤية القرية العالمية بشكلٍ ملموس, ذلك لأنهم أتاحوا بالإضافة لتلقي المعلومات والآراء إمكانية تبادلها أيضاً, بحيث يسمح للجميع بأن يشاركوا العالم بآرائهم, معتقداتهم وثقافتهم.
ماكلوهن تحدث عن أن العالم سيعود إلى النموذج القبائلي, حيث يصبح العالم كله عبارة قرية واحدة, وتتحول البشرية إلى ما يشبه القرية العالمية, فيها تختفي الفروقات والقوميات والمصالح الضيقة, ويتوحد العالم ويتطابق.
حول هذه الفكرة يوجد العديد من التساؤلات والانتقادات. اليوم نحن نشهد عصراً قد أصبحت فيه التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال الإلكترونية جزءاً من الحياة اليومية لملايين المستخدمين, ولكن في نفس الوقت فهي حتى اليوم تعتبر حكراً على مجتمعاتٍ وطبقاتٍ اجتماعيةٍ محددة, وحلماً صعب المنال لمجتمعاتٍ وطبقاتٍ اجتماعيةٍ أخرى, هذا ما يجعل الملايين خارج هذه المنظومة العالمية.
حتى وإن استطاعت التكنولوجيا أن تطرق أبواب هؤلاء الملايين, فهنالك من يرى بأن الاتصالات الإلكترونية قد أنتجت العديد من القرى المحلية بدلاً من أن تنتج قرية عالمية واحدة. فمثلاً, إذا نظرنا على المجموعات والمنتديات المتشكلة في العالم الافتراضي, نجد أنها تحوي الكثير من المجتمعات, معظمها هي مجتمعات صغيرة تشبه القرى الصغيرة, ولا ينتج عن مجموعها قرية عالمية واحدة.
من المهم الإشارة إلى أن المجتمعات المحلية التي أنشأها الانترنت ليست بالضرورة أن تكون محلية بالمعنى الجغرافي, ذلك لأن الانترنت قد قام بإلغاء الحدود الجغرافية ولهذا فإن المجتمع المتكون يكون محلي من ناحية الفكر والمضمون ولكنه يمكن أن يضم أشخاص من كل بقاع الأرض.
هنالك أيضاً من يتساءل حول طبيعة الإنسان نفسه, فهل طبيعة الإنسان تتلاءم لتكون جزءاً من مجتمع بهذا الحجم؟ من المحتمل أن كل شخص يعرف كل الأشخاص في هذا العالم عن طريق أشخاص مشتركون, ولكن في الحياة اليومية نحن بحاجة للأشخاص الذين نعرفهم حقاً والذين تربطنا فيهم علاقة شخصية قوية في عالمٍ حقيقي وليس علاقة افتراضية في عالمٍ افتراضي.
إذا كان هنالك عنصر عالمي يجمع العالم فهو يقتصر على السلع الاستهلاكية مثل “المكدونالز” أو “الكوكا كولا” أو برامج تلفزيونية, وهذه الأمور هي نتاج العمولة أكثر من كونها نتاجاً للعالمية, ولهذا فحول مثل هذه المظاهر يجب أن نسأل ما هي الدوافع وراء السعي لجعل العالم واحداً وموحداً؟ وهل هنالك من يحاول تسويق ثقافة معينة على أنها ثقافة عالمية على حساب ثقافات أخرى؟ هل الحديث هو حقاً عن قرية عالمية أو أنه هنالك رغبة في الهيمنة وتعميم ثقافة بعينها على العالم بأكمله؟
من الصعب الحديث عن شيء يوحد العالم في المستوى الفكري أو الثقافي بحيث يخلق عالم متطابق ومتوحد يلغي الانتماءات القومية, الحضارية والدينية ويستبدلها بانتماء عالمي مثلما تنبأ مالكلوهن عند حديثه عن القرية العالمية. من هنا يمكن القول بأن التكنولوجيا ذات الطابع العالمي لم تغير الطبيعة القبلية للبشر, فنحن بطبيعتنا نرغب في أن نحيا وسط مجتمع مصغر, ننتمي إليه ونبحث فيه عن ألائك الذين يشبهوننا كي نكون برفقتهم.