كشفت دراسة حديثة تم نشرها في مجلة (Nature Neuroscience) من قبل فريق من الباحثين بقيادة (فينكاتيش مورثي)، الأستاذ في علم الأحياء الجزيئية والخلوية من جامعة هارفارد، أنه على الرغم من امكانية تدريب الفئران للكشف عن أحد الروائح المميزة في خليط يضم العديد من الروائح العشوائية، إلّا أن أداءها في تمييز الروائح، ينخفض بشكل مطرد مع ازدياد مكونات الروائح في الخلفية، حيث يشير (مورثي) إلى أن هناك دفق مستمر من المعلومات إلى حواسنا، وهذه المعلومات تصل إلى حواسنا من عدة مصادر مختلفة، وذلك يشبه تماماً حضور الشخص لحفل كوكتيل، فعلى الرغم من صخب المكان ووجود العديد من الأصوات، إلا أن الشخص يكون قادراً على التركيز على صوت واحد هو صوت محدثه، وتجاهل الأصوات الخلفية الأخرى ، فهل ينطبق الأمر ذاته على الروائح أيضاً بالنسبة للبشر؟ وكيف يمكن انتقاء الروائح التي سيتم التركيز عليها؟ و ما هي القيود التي تحد من ذلك؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، استعان (مورثي) وزملائه بالفئران، فتم تدريبها للكشف عن روائح معينة، بعدها قام العلماء بتقديم خليط من الروائح للفئران، وكانت هذه الخلطات تحتوي على الرائحة الهدف في بعض الأحيان وأحياناً أخرى لا تحتوي عليه، وأظهرت النتائج أنه عندما كان المزيج يحتوي على رائحة واحدة، كانت الفئران قادرة على تمييز الرائحة الهدف بنسبة 85% أو أكثر، أما عند وجود أكثر من رائحة في الخليط، فكان أداء الفئران يضعف في تمييز الرائحة الهدف.
بشكل عام، لا يوجد طريقة لفهم العلاقة ما بين المنبهات الشمية، وهذا عكس المنبهات البصرية، التي يمكن فهم العلاقة ما بينها عن طريق الاختلاف بالطول الموجي للضوء، لذلك قرر العلماء أن يقوموا بوصف الرائحة تبعاً للكيفية التي تقوم بها بتنشيط الخلايا العصبية في الدماغ، حيث قاموا باستخدام البروتينات الفلورية، لإنشاء صور تظهر كيف تقوم كل رائحة من الروائح الـ 14 المختلفة بتحفيز الخلايا العصبية في البصلة الشمية، وكانت النتيجة أن قدرة الفئران على تحديد أحد الروائح المميزة تضعف بشكل ملحوظ إذا ما كانت الروائح القادمة من الخلفية تقوم بتنشيط الخلايا العصبية ذاتها التي تقوم بتنشيطها الرائحة الهدف.
بحسب (مورثي) فإن كل رائحة تؤدي إلى إثارة نمط معين من الاستجابات العصبية المكانية، وعندما تتداخل الاستجابات العصبية المكانية للروائح الصادرة عن الخلفية مع الرائحة الهدف، يضعف أداء الفئران في تحديد الرائحة الهدف، وبالتالي، فإن صعوبة التعرف على رائحة معينة من بين خليط من الروائح الأخرى، يعتمد على مدى تداخل الروائح القادمة من الخلفية مع رائحة الهدف.
في النهاية، يمكن القول إن هذه الدراسة هي دراسة مثيرة للاهتمام حقاً، فقد بينت أولاً أن الروائح لا يمكن استيعابها دائماً بشكل متكامل، حيث يمكن أن تكون مقسمة إلى عدة جزيئات، وعملت على تقديم شرح أفضل للكيفية التي يقوم بها الدماغ بتمييز الروائح، وقد ينتج عن هذا مستقبلاً، إمكانية بناء أنظمة شم اصطناعية يمكنها الكشف عن وجود مواد كيميائية محددة في الهواء قد تكون موجودة بين مجموعة كبيرة من الروائح الأخرى.