حين ينخفض مستوى هرمون “الاوكسيتوسين” في الدم والنخاع الشوكي تزداد العصبية والتوتر، والأوكسيتوسين هو هرمون يرتبط بسلوكيات الإنسان الاجتماعية، وهو الهرمون الذي ظل العلماء يتناقشون لسنوات في أفضل طريقة لتقييم مستوياته في الدماغ إلى أن وصل باحثون من كلية الطب في جامعة ستانفورد أنه يمكننا الاعتماد على مستوياته في الدم لأنها انعكاس لمستوياته في السائل الشوكي المحيط بالدماغ.
وتقول الأستاذة المساعدة في الطب النفسي الدكتورة كارين باركر أن هذه الدراسة أفادتنا في القدرة على الاستدلال بمستوى الأوكسيتوسين في الدم على مستواه في الدماغ، وكذلك جعلتنا نلاحظ الارتباط بين مستوياته وبين التوتر، مما سيحدث فرقاً بالتأكيد في علاج أمراض نفسية كثيرة.
في البداية لم يكن سهلاً إقامة الدراسات والاستنتاجات على الأوكسيتوسين لأن جمعه كان يتطلب عينة من النخاع الشوكي وهو ما كان صعباً لأن أخذ عينة من النخاع الشوكي عملية مؤلمة فعلاً وقد تسبب ضرراً، صحيح أن العلماء يستطيعون أن يقيسوا الأوكسيتوسين في الدم، لكنهم لم يعرفوا إن كان هذا المستوى معبّراً عن المستوى الرئيسي في السائل الشوكي أم لا.
لكن هذا البحث قام بأخذ موافقة 27 متطوع تراوحت أعمارهم بين 4 و 64 عاماً، وتم أخذ موافقة آبائهم إن كانوا صغاراً على تحليل عينة من دمهم بحثاً عن مستويات الأوكسيتوسين وفي نفس الوقت تحليل عينة من سائلهم الشوكي بحثاً عنه، ولم يكن بحثاً مرهقاً لأن المتطوعين الذين تم اختيارهم كانوا يقومون بسحب عينة سائل شوكي في المستشفى لأسباب مرضية أخرى، وبالتالي فإن استخدام عيناتهم في هذا البحث لم يسبب عبئاً ما، كما أنهم في ذات الوقت طلبوا من آباء عشرة أطفال في هؤلاء المتطوعين الإجابة أيضاً على استبيان بخصوص مستويات توتر أطفالهم بشكل إضافي.
وهكذا استطاعوا الوصول إلى استنتاجين، فلمعرفة زيادة الأوكسيتوسين أو انخفاضه في الدماغ يمكننا الاعتماد على مستوياته في الدم كمؤشر، في كل الأشخاص كان مستواه في الدم أقل من مستواه في الدماغ، لكنه كان متوازياً مع مستويات الدماغ، فحين كان منخفضاً في الدم كان منخفضاً في الدماغ، والعكس صحيح، كما وجدوا أن الأوكسيتوسين حين ينخفض فإن توتر الإنسان يزداد.
“لقد أدهشتني النتائج” تقول الدكتورة باركر، وتردف أن علاقة الأوكسيتوسين بالتوتر كانت نتيجة مفاجئة لها بالنسبة لدراسة صغيرة، وسوف تكون مستقبلاً نواة لأبحاث أكثر توسعاً.
فمثلاً، فكرت الدكتورة أن أطفال التوحد لديهم توتر ورهاب اجتماعي، وفكرت ما إن كان إعطاؤهم الأوكسيتوسين سيساعدهم على التغلب على ذلك، وقامت هي وفريقها على هذا البحث الآخر، ووجدوا أن إعطاء علاج الأوكسيتوسين يعطي نتائج مختلفة في أطفال التوحد، فقاموا بناء على ذلك بتقسيمهم إلى مستجيبين لعلاج الأوكسيتوسين ولا مستجيبين.
وهو يقودنا للبحث عن إجابات لمزيد من الأسئلة، فبإيجادنا لارتباطه بالتوتر والرهاب الاجتماعي فماذا عن ارتباطه بأنواع الرهاب اللا اجتماعية؟ هل له علاقة برهاب العناكب مثلاً؟
كشف يفتح الباب لمزيد من الأمل في العلاج والتشخيص، ومزيد من الأسئلة التي تنتظر إجابات.