ثبُت بأن محاولة فهم المادة المظلمة هو أمر صعب بشكل مثير للدهشة، ولكن بالطبع فإن هذا متوقع عندما تكون المادة المراد فهمها غير مرئية البتة، ولكن العلماء توصلوا إلى استنتاج مفاده أنه يمكن الاستدلال على وجود المادة المظلمة من خلال مراقبة الطريقة التي تتصرف فيها الجاذبية، فإذا حدث أي تغير في الجاذبية، فإن هذا يعني أنه إما أن يكون هناك حاجة لتحديث نموذجنا عن الجاذبية، أو أن هناك مادة مظلمة، والخيار الأخير هو الاستنتاج الأكثر احتمالاً.
في حين أنه قد يبدو بأن هناك عدة ظواهر لا يمكن تفسيرها إلّا من خلال وجود المادة المظلمة، فليس هناك دليل فعلي على وجودها في الواقع، وعلى الرغم من كثر الدراسات في هذا المجال، إلّا أنها جميعاً غير حاسمة.
ما نعتقد بأننا نعرفه عن هذا الموضوع، هو أن المادة المظلمة تؤلف حول 25-27٪ من الكتلة والطاقة في الكون المرصود، وأنه لا يمكن رؤيتها، لأنها لا تستطيع التفاعل مع الفوتونات، ولكن تفاعلها مع الجاذبية، هو ما يجعلها “ملحوظة”.
قد لا يكون هناك الكثير مما يمكن قوله عن المادة المظلمة، ولكنه كان كاف ليستطيع فريق من العلماء الألمانيين والمجريين من كل من جامعة فوبرتال، وجامعة إيوتفوس في بودابست، ومركز أبحاث يوليش العمل معه.
من خلال توسيع النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات واستخدام الحاسوب العملاق (JUQUEEN (BlueGene/Q) في مختبر يوليش، خرج فريق العمل بقيادة (زولتان فودور) بحسابات مفصلة للتنبؤ بنوع الجزيئات التي تشكل المادة المظلمة فقط، وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة (Nature).
المنافس خفيف الوزن
كان العلماء يعتقدون بأن فهم ماهية المادة المظلمة يعتمد إلى حد كبير على معرفة الجزيئات التي تكونه، وأشاروا بأن هذه الجزيئات يمكن أن تكون واحدة من احتمالين، فإما أن تكون المادة المظلمة متكونة من عدد قليل من الجسيمات الثقيلة جداً أو العديد من الجسيمات الخفيفة جداً، ولكن فريق (فودور) قام بدارسة الاحتمال الثاني، حيث بدا وجود الأكسيونات (axions) فيها أكثر احتمالاً – وإن كانت لا تزال مجرد فرضية- وكل ما كان الباحثون بحاجة إليه هو أدلة على أن هذه الجسيمات دون الذرية الخفيفة للغاية موجودة في الواقع.
من الناحية النظرية، فإن وجود الأكسيونات يمكن تفسيره كامتداد للتحريك اللوني الكمومي (QCD)، والذي يتوقع وجود جسيمات تتفاعل بشكل ضعيف جداً وذات كتلة تعتمد على التقلبات الطوبوغرافية الكمية، ولبرهان ذلك، كان الفريق بحاجة إلى كمبيوتر الـ(JUQEEN) العملاق لحساب الشروط التي يمكن للأكسيونات فيها أن توجد وتساهم في المادة التي تشكل الكون.
كانت النتائج التي وجدها الباحثون واعدة، فإذا ما كانت المادة المظلمة مكونة في جزء كبير منها من الأكسيونات، فإنها ستمتلك لكتلة تتراوح بين الـ50-1500 ميكرو إلكترون فولت (وهي وحدات قياسية لفيزياء الجسيمات)، أي أخف بما يصل إلى عشرة مليارات مرة من وزن الإلكترونات، وهذا يعادل وجود 10 مليون من الأكسيونات في السنتيمتر المكعب الواحد من الكون، وحوالي تريليون من الأكسيونات في كل سنتيمتر مكعب واحد من مجرة درب التبانة وحدها.
بحسب (فودور) فإن النتائج التي تم تقديمها سيؤدي على الأرجح إلى سباق لاكتشاف هذه الجسيمات، أو على أقل تقدير، فإن هذه الدراسة ستعطي علماء الفيزياء مجالاً محدداً لبحثهم عن الأكسيونات، ويتوقع الفريق أيضاً أنه وفي غضون سنوات قليلة القادمة، سيكون من الممكن التأكد تجريبياً أو استبعاد وجود الأكسيونات، وذلك بفضل كمبيوتر مركز يوليش العملاق، وهكذا، فقد نكون أقرب بخطوة لمعرفة المادة المظلمة، بعد أن أصبحنا نعلم ما علينا البحث عنه.