كان العلماء قادرون منذ فترة طويلة على رفع الأشياء الصغيرة في الهواء، مثل قطرات الماء أو كريات البلاستيك باستخدام قوة الصوت فقط، فمن خلال وضع الكائن بين مجموعتين من مكبرات الصوت -أو مكبر صوت وعاكس- يمكنك إرسال دفعات دقيقة وفاعلة من الموجات الفوق الصوتية والتي تقوم باحتجاز الكائنات في الهواء، ولكن اليوم، ومع الابتكار الرائع الذي ظهر مؤخراً، أصبح بالإمكان إنجاز هذا العمل الفذ من الرفع من خلال مجموعة واحدة من مكبرات الصوت الموضوعة على جانب واحد فقط، هذه التقنية مشابهة تماماً لاستخدام ملقط صوتي ولكن من جانب واحد فقط بدلاً من اثنين.
قام فريق من الباحثين بقيادة (اسير مارزو)، وهو مهندس برمجيات في جامعة نافار العامة في بامبلونا، أسبانيا، بإنشاء شعاع جرار (tractor beam) يعمل باستخدام الصوت، حيث اكتشف العلماء طريقة لاعتراض، وتحريك، وليّ، وتدوير الأشياء الصغيرة باستخدام مجموعة واحدة من مكبرات الصوت التي لا يمكن أن تسمعها الأذن البشرية والتي يمكن أن تعمل حتى وإن كانت رأساً على عقب، وكما أشار الباحثون في مقالتهم التي تم نشرها في مجلة (Nature Communications)، فإنه يمكن استخدام هذا الاختراع في تطوير الصور المجسمة الملموسة الثلاثية الأبعاد، والمصنوعة من جزيئات صغيرة جداً، أو يمكن أن تفيد مستقبلاً في الجراحات الصوتية التي لا تتطلب إجراء أي شقوق.
تبعاً لـ(فيليب مارستون)، وهو فيزيائي صوتيات في جامعة ولاية واشنطن، وهو من الباحثين الذين لم يشاركوا في البحث، فقد تم بذل جهود مطولة للوصول إلى استخدم أشعة الليزر الضوئية لتحريك الأشياء، والآن استطاع هذا الفريق البحثي إيجاد طريقة غير مكلفة نسبياً لفعل الشيء نفسه باستخدام الصوت.
الأشكال الصوتية
كيف يمكن تحويل مجموعة موضوعة على جانب واحد من مكبرات الصوت إلى شعاع جرار؟ لتخيل ما تفعله مكبرات (مارزو)، من المفيد أن نتخيل هذه التكنولوجيا من خلال الصور المجسمة الثلاثية الأبعاد، حيث يوضح (مارزو) أن البرنامج الذي يقف وراء هذا الجهاز يمكنه أن يحسب ويحدد زاوية مكبرات الصوت ويحدد بدقة توقيت إطلاق نبضات الموجات فوق الصوتية لخلق أنماط متداخلة معقدة وجميلة من الأصوات، أي بمعنى آخر، فإن ما يقوم به العلماء هو رسم أشكال تشبه الصور المجسمة الثلاثية الأبعاد (3D) باستخدام الصوت في الهواء.
على سبيل المثال، يمكن لمكبرات صوت (مارزو) أن ترسم موجات صوتية ثلاثية الأبعاد تبدو مثل شكل زجاجة، حيث يكون جانبي وقاع وغطاء “الزجاجة” الأسطوانية في موقع هواء متحرك بسبب نبضات الموجات فوق الصوتية، في حين يكون الهواء داخل وخارج الزجاجة ساكناً نوعاً ما، ولكن لأنه في هذه الحالة سيكون على الأشياء أن تتحرك من هواء متوتر للغاية إلى هواء أكثر هدوءاً، فإن هذه الأشياء مثل الكريات البلاستيكية الصغيرة التي سيتم رسم الزجاجة “الصوتية” فوقها، ستضطر للدخول إلى الزجاجة والبقاء محاصرة داخلها، بعد ذلك ومن خلال توجيه مكبرات الصوت التي تؤدي بدورها إلى تحريك الزجاجة في المكان، سيكون بإمكان الباحثين نقل الكائن المحاصر داخل الزجاجة في الهواء، ولجعل هذا النظام يعمل كشعاع جرار، قام (مارزو) بتكييف هذه التقنية لتقوم ببث مجسم لشكل الزجاجة التي تحتوي على الكرة الصغيرة على بعد 20 سم من المكبرات ومن ثم سحبها لتصبح أقرب إلى المكبرات، وذلك حتى عند وضع المكبرات رأساً على عقب.
إلى جانب نهج الزجاجة، كان (مارزو) يعمل على تجربة شكلين آخرين من الأشكال الصوتية التي قد تكون مفيدة، أحد الشكلين يشبه قليلاً شكل غلاف كتاب يعمل كنوع من الملاقط، فمن خلال ضغط الملاقط وتوجيهها ومن ثم نقل أو تحويل شكل الملاقط في الهواء، يمكن إدارة الكائنات ولويها في جميع الزوايا، وإلى جانب ذلك، وجد (مارزو) أنه يمكن أيضاً إنشاء ما يشبه في الأساس الإعصار الصوتي، لحمل وإدارة الكرات وجعلها تلف بسرعة تصل إلى 2000 دورة في الدقيقة.
إزالة الأورام
حالياً لا يزال اختراع (مارزو) محدوداً جداً من حيث حجم الأشياء التي يمكنه أن يتلاعب بها -والتي هي في معظمها أشياء من البلاستيك يترواح حجمها بحوالي 1 ملم- ولكن على الرغم من أنه يمكن لزيادة انتاج الطاقة من المحولات الصغيرة أن يسمح بالتلاعب بالأشياء المكونة من المعدن الكثيف، إلّا أنه وتبعاً لـ(مارزو)، فإن الجهاز يمكن أن يكون له فائدة أكبر إذا ما تم استخدامه على النطاق المجهري.
تباً لـ(مارزو) فإن هذا العمل ليس عبارة عن محاولة غريبة لا طائل منها لتحقيق مفهوم الشعاع الجرار الخيالي، فليس هناك أي نية لمحاولة ايجاد سبل لاستخدامه على الأجسام الكبيرة مثل المنازل أو السيارات، بل في الواقع، فإن تطبيق هذه التكنولوجيا على الأشياء الصغيرة أسهل وأكثر إثارة للاهتمام، بالإضافة إلى وجود العديد من الاحتمالات الممكنة التطبيق.
أضاف (مارزو) بأن التفكير في استخدام الصوت للتلاعب بالأشياء داخل جسم الإنسان من دون إجراء أي عملية جراحية أمر رائع حقاً، فتخيل أن تكون قادراً في يوم ما على حل مشاكل الجلطات الدموية الصغيرة، وحصى الكلى، والأورام من خلال مكبرات الصوت بذات الطريقة التي نقوم من خلالها بالتقاط صور الموجات فوق الصوتية اليوم.
يجدر بالذكر أخيراً أن المجال الذي يمكن لهذه التكنولوجيا أن تحقق فوائد كبيرة ضمنه في الوقت الحالي –وما يدعوه (مارزو) الأكثر بساطة رغم أنه يبدو وكأنه تطبيق من تطبيقات الخيال العلمي- هو استخدام العديد من مكبرات الصوت لإنشاء لوحات صوتية معقدة مولدة عن طريق الحاسوب تقوم برفع العديد من الكريات الصغيرة في تشكيلة محددة سلفاً، أي بمعنى آخر الرسم باستخدام صور مجسمة ملموسة ثلاثية الأبعاد (3D) يمكن التفاعل معها.