قال الله تبارك وتعالى في سورة النحل:
(وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة النحل آية 68 ـ 69).
تعتبر نحلة العسل من أهم الحشرات الاجتماعية النافعة حيث تعيش الطائفة Colony)) في مسكن واحد يسمى الخلية Hive)) معيشة اجتماعية تعاونية وتنقسم إلى ثلاث فئات متمايزة الشكل والمهام هي الملكة (Queen) والشغالات (Workers) والذكور (Drones)، حيث تشمل الطائفة ملكة واحدة وعدة آلاف من الشغالات وعدة مئات من الذكور. وإن منشأ الاختلاف الظاهر بين أفراد الطائفة داخل خلية نحل العسل يعود إلى ثلاثة أسباب هي نوع البيض (مخصب أو غير مخصب)، وطبيعة العين السداسية التي تُربى فيها اليرقات ثم نظام التغذية خلال الطور اليرقي وجميعها تؤثر في اختلاف شكل الحشرة الكاملة. فيرقات نحل العسل التي تفقس من بيضة مُخصبة وتتغذى على الغذاء الملكي Royal jelly)) طوال الطور اليرقي، تنتج عنه في النهاية ملكة عذراء (Virgin queen)، بينما اليرقات التي تغذت على الغذاء الملكي لمدة ثلاثة أيام فقط ثم تغير لها نظام الغذاء من اليوم الثالث إلى مخلوط من العسل وحبوب اللقاح يسمى خبز النحل (Bee bread) فتنتج عنه شغالات. المصري (1986) . وقد أوضح الأنصاري (2007) أن تحديد كون إناث النحل تكون ملكة أو شغالة يتم حدوثها في أطوار مبكرة من نمو اليرقة.
كما لوحظ أنه تحدث تحورات في جسم الشغالات تلائم القيام بوظائفها المختلفة داخل وخارج الطائفة والتي منها جمع وإنضاج وتخزين العسل حيث تتحور القناة الهضمية لتكون حوصلة قابلة للتمدد يخزن بها الرحيق بكميات كبيرة لتتمكن من القيام برحلات طويلة ، ولتزور أكبر عدد ممكن من الأزهار وبجمع أكبر كمية من الرحيق في الرحلة الواحدة ، وتعتبر الحوصلة التي تقع في بداية بطن النحلة مصنعاً للعسل حيث تؤثر الإنزيمات الهاضمة على الرحيق الموجود بها و تحوله إلى عسل حيث تُرجعه النحلة مرة أخرى من الحوصلة إلى العيون السداسية . شحاته و أبو عظمة (1998).
وإن أحد الأسباب الرئيسة في النجاح البيولوجي للحشرات هو قدرتها على تناول وهضم مواد غذائية متنوعة ويرتبط هذا التنوع بظهور تحورات كثيرة في الجهاز الهضمي كي تلائم نوع المادة الغذائية المتناولة. ويمكن الاستدلال على نوع غذاء الحشرة من خلال دراسة التحورات في الجهاز الهضمي. حيث تعود الاختلافات المورفولوجية في القناة الهضمية للحشرات إلى عاداتها الغذائية ودرجة معيشتها الاجتماعية.
إن المدى الواسع من الغذاء أدى إلى تنوع الطريقة التي يتم تناوله بها وهذا أدى إلى تحورات في القناة الهضمية من حيث مكان خزن الطعام وطريقة الهضم والامتصاص، هذه الاختلافات ليست بين أنواع الحشرات المختلفة فقط، ولكن قد توجد كذلك في نفس الحشرة خلال أطوار حياتها؛ فمثلاً يرقات حرشفية الأجنحة تتغذى على أجزاء النبات المختلفة بواسطة أجزاء الفم القارضة في حين تتغذى الفراشة ” الطور البالغ” بامتصاص رحيق الأزهار بواسطة أجزاء الفم الماصة. المصطفى (2006). والنحلة تعمل بإلهام من الفطرة التي أودعها إياها الخالق, فهو لون من الوحي تعمل بمقتضاه, وهي تعمل بدقة عجيبة يعجز عن مثلها العقل المفكر سواء في بناء خلاياها, أو في تقسيم العمل بينها, أو في طريقة إفرازها للعسل المصفى. وهي تتخذ بيوتها ـ حسب فطرتها ـ في الجبال والشجر ومما يعرشون..
لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن فوائد عسل النحل كما سمي سورة كاملة باسم سورة النحل والذي تتجلى فيه قدرة الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفت انتباهنا إلى عظمة هذا المخلوق الصغير ذو الفائدة والمنفعة الكبيرة ومن هنا سوف نتطرق في هذا الفصل لفوائد ما نتجه هذا المخلوق الصغير وكيفية استفادة الإنسان من خلال تداويه وعلاجه وصحته.
أولا: ما هو العسل:
تمت محاولات كثيرة لتعريف العسل منها انه المادة الحلوة السائلة ذات القوام اللزج التي يجهزها النحل من الرحيق الذي يجمعه من الغدد الرحيقية النباتية ويقوم بتخزينها كغذاء له، وقد يعرف العسل على انه الرحيق والإفرازات السكرية والنباتية التي يتم جمعها وتحويلها وتخزينها في أقراص بواسطة نحل العسل. فهذه التعريفات قد وضعها الباحثين بعد مجهود شاق واجتمعوا على أن العسل لابد وأن يكون ناتج من رحيق الأزهار ويخزنه النحل بنفسه، ولكن فان هناك تعريف رائع للعسل.
أروع تعريف للعسل:
هذا التعريف يتكون من كلمتين فقط ويشمل كل ما يخص العسل ألا وهو (الرحيق المختوم) فالعسل هو الرحيق المختوم. هذا التعريف هو كلام رب العالمين.
في سورة المطففين. قال تعالى: “أن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ” (سورة المطففين: أيه :22)
لذلك فإن أروع تعريف للعسل على الإطلاق هو انه عبارة عن الرحيق المختوم.
وعند النظر لهذا التعريف للعسل فهو يجب أن يكون من رحيق الأزهار، بل ويجب أن يكون مختوم أي ليس فقط النحل جمعه وحوله إلى عسل، بل وحفظه
وخزنه أيضا. وبذلك العسل الناتج عن الرحيق مع إضافة التغذية السكرية فهو ليس عسلا. وأي عسل ناتج من طوائف النحل ليس فيه هذين الركنين لا يعتبر عسلا. يقوم بعض النحالين بفرز العسل غير الناضج أو غير المختوم فهذا السلوك غير مضبوط. لان العسل غير المختوم لم يتم تجهيزه ليكون عسلا بعد فلا يصح قطفه مع العسل المختوم.
ويمكنك إجراء تجربة بسيطة في منحلك أن تفرز براويز عسل مختوم معا ثم تفرز بعض البراويز التي بها عسل غير مختوم ثم افرز براويز بها النوعين من العسل فسيكون لديك 3 أنواع من العسل لاحظ اللون والطعم ثم عرضهم للتجميد أو الحرارة سوف تجد أن أفضلهم وبلا شك العسل المختوم لأنه هو العسل الذي قال عنه الرحمن أن به شفاء للناس وإذا أضفنا إلى ذلك ركنين آخرين تم ذكرهم في سورة النحل وهما أن تأكل الشغالات من الثمار وأن يكون العسل خارج من بطونها فننا جمعنا أهم صفات العسل الطبيعي. أن يكون رحيقا مختوم جمعه النحل من الأزهار وخرج من بطون النحل.
طريقة تحويل الرحيق إلى عسل: ويتم ذلك على خطوتين:
الأولى:
يتم فيها خفض المحتويات المائية للرحيق قبل وضعه في العيون السداسية ويلي ذلك تبخير الجزء المتبقي من الرطوبة إلى الحد الأدنى عن طريق التهوية.
الثانية:
تتم بواسطة فعل الأنزيمات ويراعي إن الشغالات المنزلية تضيف أنزيم الأنفرتيز لإتمام عملية إنضاج العسل وبعد تمام النضج فان الشغالات تقوم بتغطية العيون السداسية بطبقه من الشمع أو جعله مختوما بالشمع ومن خلال ذلك العرض المبسط يتضح لنا شي هام جدا هو انه إذا خلط عسل طبيعي ناضج ومختوم مع عسل طبيعي غير ناضج فان ذلك سوف يؤثر على خصائص العسل حيث أن العسل غير الناضج سوف يكون محتواه الرطوبي عالي مما قد يؤدي إلى سرعة فساد العسل بل وربما يؤثر على خصائص العسل إذا تم تجميده وبالتالي أن العسل غير الناضج لا يمكن إزالة جزء من رطوبته إلا بواسطة الشغالات وبالتالي سوف يؤثر على خصائص وجودة العسل والعنصر الثاني وهو نشاط الإنزيمات وهذا النشاط ليحدث بكفاءة إذا خلط عسل ناضج مع عسل غير ناضج حيث إن الإنزيمات لها شروط لكي تعمل وهي إن يتوفر لها درجة حرارة مناسبة ورقم حموضة مناسب وان يتوفر الإنزيم بقدر كافي حسب مادة التفاعل ويلاحظ إن كل هذه الشروط لتتوفر إذا ما خلط عسل ناضج مع غير ناضج حيث اختلاف درجة الحرارة وكذلك رقم الحموضة بل وزادت مواد التفاعل بكثير عن كمية الإنزيمات المتاحة من هذا يتضح ان العسل الطبيعي هو الرحيق المختوم .
شروطه:
أ – أن يكون ناتج من رحيق الأزهار ويجمع بواسطة النحل.
ب – أن يخرج من بطون النحل.
ج – أن يكون مختوم.
ويلاحظ أن التعريف قد أشتمل أيضا على هذه الشروط انه رحيق وليمكن أن يختمه النحل ألا إذا خرج من بطون النحل وتم إنضاجه.
ثانياّ: الإعجاز العلمي لعسل النحل:
عسل النحل صورة جلية للإعجاز العلمي في القران الكريم. أن هواية تربية النحل من أجمل وأقدم الهوايات كما أن مشروع إنشاء منحل، لإنتاج عسل النحل ومشتقات النحل من أكثر المشاريع التي تدر عائدا اقتصاديا مناسبا ولا تحتاج إلى رأس مال كبير ويمكن أن تساهم بشكل فعال في حل مشكلة البطالة.
وقد خلق الله هذه الحشرة المباركة وأوحى لها وسخرها لخدمة الإنسان لعله يتفكر في عظمة الخالق وفي القدرة الإلهية، التي خلقت الإنسان وأوجدته وعرفت ضعفه في هذا الخضم المائج من الحياة، الممتلئة بالصراع من اجل البقاء فزودته بما يكفل له بقاءه واستمرار نوعه.
وكان أن الله عز وجل أوجد النحل، وسخر ليعمل العسل. وجعل في العسل مذاقاّ حلواّ , وطعماّ شهياّ فريداّ الأمر الذي اجتذب الإنسان إليه فجعله يعتمده في التغذية منذ أكثر من ستين قرناّ , قبل أن يعرف الخبز واللبن والحبوب بل قبل أن يفلح الأرض ويستأنس الحيوان إذ انه كان يجمعه من أعشاش النحل المنتشرة في الغابات والفضل الإلهي فيما انعم الله بهي على الإنسان بالعسل ليتجلى في انه سخر له من سيصنع له غذاء مناسباّ , منذ عهود العصر الحجري وما قبل التاريخ بل أن ذلك الفضل ليتجلى في انه جعل العسل ماده حلوة , شهية المذاق وتجذب إليها الإنسان لينعم ليس بطيب مذاقها فحسب بل بطيب فضل شقائها من حيث لا يدري .
قال تعالى عن العسل:” فيه شفاء للناس “.
لقد عرف المولى عز وجل: عجز الإنسان في القرون الغابرة عن اتخاذ الغذاء المناسب والدواء الشافي لما قد ينتابه من أمراض فأوحى إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاّ ومن الشجر ومما يعرشون.
ثم ألهمها طريقة صنع العسل ووضع الزيوت الطيارة فيه لتعطيه نكهته الشهية فيجذب إليه الإنسان الجاهل ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه.
وما ذلك الا ليستفيد الإنسان مما أودعه الله في العسل من قدره طيبه شافيه ومقدرة وقائية مانعه للإمراض فيه شفاء للناس. ما أعظم هذا الفضل الإلهي، أن في ذلك لأية لقوم يتفكرون.
وأن الفضل الإلهي هذا ليزداد وضوحاّ، إذ ما عرفنا أن العسل لايزال يحافظ على كفاءته الطبية الممتازة على الرغم من وجود الأدوية الطبية الحديثة، والمضادات الحيوية.
وحري بالإنسان اليوم، وأن طأطأ رأسه خشوعاّ أمام هذا الفضل الإلهي الكبير عندما يعلم رأي الطب الحديث، المعتمد على العلم والتجربة العلمية.
ثالثاّ: فوائد العسل:
في القران الكريم:
لقد كرم الله سبحانه وتعالى النحل في كتابه الكريم أيَّما تكريم، وبلغ هذا التكريم منتهاه حين خصص الله عز وجل سورة من سور القرآن الكريم عُرفت باسم سورة النحل. وقارئ سورة النحل يجدها تبسط للعقل والقلب معاً أنواراً باهره من المعرفة والحكمة الإلهية. ففي كل أية من آياتها دليل واضح على نعمة وأخرى من نعم الله التي لا تُعد ولا تحصى.
وإذا تفكرنا في هذه الآيات الكريمة فسنجد أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل هناك فائدة من الترتيب في أن الله عز وجل أمر النحل ببناء بيوتها أولاً في الجبال، ثم الشجر، ثم العرائش التي يصنعها الناس؟ وبطريقةٍ أخرى ماذا يوحي لنا هذا الترتيب وعلى ماذا يدل؟ فلابد أن يكون لكل حرف من حروف القرآن الكريم حكمة ومعنى، ولترتيب الأحرف والآيات معاني وحكم، علمناها أو لم نعلمها.
وعموماً عملية ترتيب اتخاذ بيوت النحل هي حكمة ربانية كبيرة. لذا فإني أحاول مجتهدة أن أتفهم معكم الحكمة من هذا الترتيب القرآني لهذه الأماكن التي يسكنها النحل. فأقول وبالله التوفيق: قدَّم الله عز وجل الجبال على الشجر، والشجر على البيوت التي يصنعها الناس للنحل، للتنبيه على تفاوت درجات العسل الذي يخرج منها باختلاف سكنها.
فأفضل أنواع العسل: العسل الجبلي، ثم عسل المزارع الطبيعية البعيدة عن تواجد الناس، ثم عسل النحل المربَّي في أماكن أعدت له، حيث قد لا يتوفر له الغذاء في كل أوقات السنة، نظراً لكثرته بسبب التربية، مما يضطر أصحاب النحل إلى وضع السكر والغذاء للنحل، فلا يكون عسله حينئذٍ في درجة العسل المتولِّد من الأزهار والثمار
وقد ثبت ذلك علمياً. وللتنبيه أيضاً على قدرة الله تعالى على تذليل الطرق والصعاب لهذه الحشرة الضعيفة، فإنها تعيش في الجبال الأصعب مناخاً، كما تعيش في وسط الأشجار، وفيما يُعد لها من المساكن الخاصة بها، أو في البيوت التي تتخذها وسط بيوت الناس. وقد تكون هناك حكماً أخرى، الله يعلمها وسيكشف العلم لنا ما في القرآن الكريم من أسرار.
وقال تعالى واصفاً ما أعدَّه لعباده المتقين في جنة الخلد:
﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفي وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ -” سورة محمد (الآية 15) “.
أي صفة الجنة التي وعد الله بها عباده الأبرار وأعدَّها للمتقين الأخيار أن فيها أنهار جاريات من ماءٍ غير متغير الرائحة، وأنهار جاريات من حليبٍ في غاية البياض والحلاوة والدسامة لم يحمض بطول المقام ولم يفسد كما تفسد ألبان الدنيا، وأنهار جاريات من خمرٍ لذيذة الطعم يلتذ بها الشاربون لأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا لا يلتذ بها إِلاَّ فاسد المزاج وأما خمر الجنة فهي طيبة الطعم والرائحة يشربها أهل الجنة لمجرد الالتذاذ، وأنهار جاريات من عسل في غاية الصفاء وحسن اللون والريح لم يخالطه الشمع أو حبوب اللقاح أو فضلات النحل، ولهم في الجنة أنواعٌ متعددة من جميع أصناف الفواكه والثمار و في ذكر الثمرات بعد المشروب .
إشارة إِلى أنَّ مأكول أهل الجنة للَّذَّة لا للحاجة، ولهم فوق ذلك النعيم الحسن نعيمٌ روحي وهو المغفرة من الله مع الرحمة والرضوان، وفي الجنة تُرفع عنهم التكاليف فيما يأكلونه ويشربونه بخلاف الدنيا فإِن مأكولها ومشروبها يترتب عليه الحساب والعقاب ونعيم الآخرة لا حساب عليه ولا عقاب فيه.
وفي حقيقة الأمر إذا نظرنا إلى الآية الكريمة بمنظور أكثر عمقاً وحاولنا معاً أن نتفهم ما تشير إليه الآية الكريمة من معاني ضمنية، فسنجد المكانة الرفيعة لعسل النحل تتجلى في أروع صورها.
حيث نجد أن حصر أنهار الجنة في الماء واللبن والخمر والعسل إنما يدل بشكلٍ مباشر على المنزلة السامية لعسل النحل. فإذا نظرنا إلى أهمية الماء، فسنجد أنه كما قال ربُ العزة جل شأنه في سورة الأنبياء: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾، أي أن الماء هو سر الحياة على الأرض. وكذلك إذا نظرنا إلى أهمية اللبن، فسنجد أن الله تبارك وتعالى جعله أول طعام يتغذَّى عليه بنى البشر في الحياة الدنيا ولقد أثبت العلم الحديث.
أن اللبن هو الوحيد من بين الأغذية الذي يحتوي فعلاً على جميع العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها جسم الإنسان، ومن ثمَّ يمكن أن يعتمد عليه الطفل اعتمادا كلياً لمدة عامين كاملين.
أما بالنسبة للخمر فيجب أن نقف أولاً عند الفرق الكبير بين خمر الدنيا وخمر الجنة حيث إن المنافع التي في خمر الدنيا كما يزعُم شاربوها هي ما يجدونه من اللذة عند شربها وحصول النشوة، وهي منافع قليلة بالقياس إلى المضار الكبيرة من ذهاب الدين والعقل والخصومات، والعداوات، والصحة، والمال. بينما جعل الله عز وجل خمر الجنة جزاءً للمتقين الذين امتثلوا لأوامره في الدنيا وحرَّموا خمر الدنيا على أنفسهم.
فقيَّدها الله تعالى في الجنة بأنها لذة للشاربين.
أما بالنسبة للعسل، فهو معروف بقيمته الغذائية العالية وفوائده الوقائية والعلاجية لكثير من الأمراض، والذي يكفيه من الفخر أن وصفه ربُ العزة في قرآنه العظيم بأنه: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾
وبذلك تكون أنهار الجنة قد جمعت بين الماء الذي هو سر الحياة ومن ثمَّ الخلود في الجنة بإذن الله، واللبن كوجبة غذائية متوازنة ومتكاملة العناصر الغذائية والخمر بما فيه من لذة للشاربين كأحد دلالات النعيم المقيم في الجنة، والعسل كوقاية وحماية من الأمراض ومن ثمَّ لا سقيم ولا عليل في جنة الخلد والله سبحانه وتعالى أعلم.
في ألسنه النبوية:
وردت في السنة النبوية الشريفة عدة أحاديث تذكر فوائد العسل.
وتحدد أهميته في العلاج:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«عليكم بالشفاء ين: القرآن والعسل» رواه ابن ماجة والحاكم في صحيحة.
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «تداووا بالقرآن والعسل».
وقال صلى الله عليه واله وسلم: «من أراد الحفظ، فليأكل العسل».
وعن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إنَّ الله عز وجل جعل البركة في العسل، وفيه شفاء من الأوجاع، وقد بارك عليه سبعون نبياً».
وعن الفردوس، عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من شرب العسل في كل شهر مرة، يريد ما جاء به القرآن، عوفي من سبع وسبعين داء».
وقد جاء في سنن ابن ماجه مرفوعاً من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه:
«من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء».
وقال صلى الله عليه وسلم: «نعم الشراب العسل، يرعى القلب، ويُذهب برد الصدر».
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «العسل شفاء، يطرد الريح والحمَّى».
وعن أبي سعيد الخدري عليه السلام قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أخي أستطلق بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسقه عسلاً فسقاه ثم جاءه فقال: إني سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال: ثلاث مرات ثم جاء الرابعة. فقال: اسقه عسلاً فقال: لقد سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسل فسقاه فبرئ» رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشفاء في ثلاثة شربة عسل وشرطة محجم وكية بنار وأنا أنهي أمتي عن الكي» رواه البخاري.
وعن جابر بن عبد الله عليه السلام قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كان في شيء من أدويتكم من خير ففي شربة عسل أو شرطة محجم أو لذعة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي».
وفي شعب البيهقي عن مجاهد قال: صاحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه من مكة إلى المدينة، فما سمعته يُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث: «إن مثل المؤمن كمثل النحلة، إن صاحبته نفعك، وإن شاورته نفعك، وإن جالسته نفعك، وكل شأنه منافع، وكذلك النحلة كل شأنها منافع».
وعن أبي رزين العقيلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيب».
وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده إن مثل المؤمن كمثل النحلة، أكلت طيباً، ووضعت طيباً، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد».
وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن كالنحلة، وقعت فأكلت طيباً، ثم سقطت ولم تكسر ولم تفسد».
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المؤمن مثل النحلة إن أكلت أكلت طيبا، وإن وضعت وضعت طيباً، وإن وقعت على عود نخر لم تكسره».
وروى مسلم في صحيحة أن عائشة رضي الله عنها قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الحلواء والعسل.
فوائد العسل في الطب القديم:
لقد عرف الطب القديم سر منافع العلاج بالعسل فاستخدموه في علاج وتطهير الجروح ويذكر انه منذ إلفي وخمسمائة سنة استخدم ابقراط العسل بنجاح في علاج الجروح وقد كتب بليني العالم الروماني الشهير , وصاحب كتاب التاريخ الطبيعي : أن دهن السمك إذا مزج بالعسل كان علاجاّ ممتازاّ للجروح , وكان ينصح باستعمال العسل للجروح والخراريج الموجودة بالفم وكان الطبيب والعالم ابن سينا يعتبر أن للعسل خاصية الامتصاص , وكان ينصح باستعماله في الجروح البسيطة في صورة لبخة مصنوعة من العسل والدقيق بدون ماء وكان يسمى العسل عند القدماء ” الحافظ الأمين ” لأنه يحفظ للإنسان صحته ويحفظ الأشياء من التلف .
فوائد العسل في الطب الحديث:
في الطب الحديث فوائد العسل لأتعد ولا تحصى وأهميته كبيره في علاج كثير من الإمراض الحديثة مثل السرطانات وعلاج أمراض السكري وضغط الدم والايدز وهي من الأمراض الحديثة لذلك لا نقدر أن نحدد فوائد للعسل في عصرنا الحاضر لأنها تشمل جميع أمراض العصر.
رابعاّ: حقائق علمية عن اختلاف لون العسل:
من المتعارف عليه أن للعسل أربعه ألوان هي:
- العسل الأبيض
- العسل الكهرماني الأبيض
- العسل الكهرماني
- العسل الكهرماني الداكن (الغامق)
ولقد أشار المولى سبحانه إلى اختلاف ألوان العسل في الآية الكريمة:
(ثم كلي من كل الثمرات، فاسلكي سبل ربك ذللا، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه).
وهذه الآية الشريفة تربط بين اختلاف الأراضي التي يسلكها النحل من جهة أخرى تشير إلى حقيقتين علميتين عن سبب اختلاف ألوان العسل، وأقرتها المتابعة العلمية الحديثة.
أولى هاتين الحقيقتين العلميتين: أن اختلاف مرعى النحل يؤثر تأثيرا كبيراّ في لون العسل، وذلك لأن نوعية الرحيق وقف على نوعية الأزهار التي يرعاها النحل.
وثاني الحقيقتين العلميتين: أن اختلاف تركيب التربة الكيماوي بين بقاع الأرض المختلفة يؤدي إلى اختلاف لون العسل، وذلك أن رحيق الأزهار يعتمد اعتماداّ كبيراّ على ما يمتصه النبات من المعادن التي في التربة، وحيث كانت كمية المعادن تختلف باختلاف بقاع الأرض فان من الطبيعي لذلك أن يختلف لون العسل.
إما الحقيقة العلمية الثالثة: في اختلاف لون العسل، والتي لم تشر إليها الآية القرآنية المارة الذكر، لأمن بعيد فهي أن اختلاف لون العسل يعتمد أيضا على الأقراص الشمعية المستعملة في الخلية، فإذا كانت هذه الأقراص جديدة أعطت عسلا فاتح اللون وإذا كانت قديمة أعطت عسلا داكناّ.
ولكن التمحيص في هذه الحقيقة العلمية، المؤثرة في لون العسل يدلنا على عظمة القران، كما يشير إلى بلاغته التي اقتضت أن يعطي من الحقائق العلمية، ما يتطلبه الموقف، وبصورة بالغة اللطف، حتى يتمكن الإنسان من تفهمها وهضمها تماماّ.
ذلك أن هذه الحقيقة العلمية الثالثة، المؤثرة في لون العسل. يدلنا على الرغم من صحتها فهي ذات تأثير عارض ليس بطبيعي إذ أن اختلاف الأقراص الشمعية بين القدم والجديد مرده إلى ما يحدثه الإنسان اليوم الذي يضع الأقراص القديمة في خلية النحل أما عسل النحل كما يصنعه النحل.
دون أن تتدخل فيه يد الإنسان الطماع فانه لا يتأثر مطلقاّ بهذه الحقيقة العلمية الثالثة لأنه لا أثر لها، ولا وجود لها، في الاحوال الطبيعية.
ومن اجل ذلك لم تشر الآية الكريمة الى هذا الامر مطلقاّ، لأنها تعالج قضية العسل كما ينتجه النحل، وفقاّ للوحي الالهي.
خامسا: فوائد عسل النحل العلاجية:
الخواص العلاجية للعسل:
أن أهم خواص العسل انه وسط غير صالح لنمو البكتيريا الجرثومية والفطريات لذلك فهو قاتل للجراثيم ومبيد لها أينما وجد. على عكس مشاع في الولايات المتحدة منذ ثلاثين سنة من أن العسل ينقل الجراثيم، كما ينقلها الحليب بالتلوث.
ولقد قام طبيب الجراثيم (ساكيت) باختبار أثر العسل على الجراثيم وبالتجربة العلمية فزرع جراثيم مختلف الأمراض في العسل الصافي واخذ يترقب النتائج. ولشد ما كانت دهشته عظيمة عندما رأى أن أنواعا من هذه الجراثيم قد ماتت خلال بضع ساعات في حين أن أشدها قوة لم تستطيع البقاء حية خلال بضعة أيام. لقد ماتت طفيليات الزحار (الديزيتريا) بعد عشر ساعات من زرعها في العسل وماتت جراثيم حمى الأمعاء (التيفوئيد) بعد أربع وعشرين ساعة، إما جراثيم الالتهاب الرئوي فقد ماتت في اليوم الرابع وهكذا لم تجد الجراثيم في العسل غلا قاتلاّ ومبيداّ لها.
كما أن الحفريات التي أجريت في منطقة الجيزة بمصر دلت على وجود إناء فيه عسل داخل الهرم مضي عليه ما ينوف على ثلاثة ألاف وثلاثمائة عام وعلى الرغم من مرور هذه المدة الطويلة جداّ، فقد ظل العسل محتفظاّ بخواصه، لم يتطرق إليه الفساد، بل انه ظل محتفظاّ حتى بالرائحة المميزة للعسل.
أن العسل الذي يتألف بصورة رئيسة من الجلوكوز (سكر العنب) يمكن استعماله في كل الاستطبابات المبنية على الخواص العلاجية للجلوكوز كأمراض الدورة الدموية وزيادة التوتر والنزيف المعوي، وقروح المعدة وبعض أمراض المعي في الأطفال وأمراض معدية مختلفة مثل التيفوس والحمى القرمزية والحصبة وغيرها بالإضافة إلى انه علاج ناجح للتسمم بأنواعه.
هذا وأن الجلوكوز المخزن في الكبد (الجليكوجين) ليس ذخيرة للطاقة فحسب، بل أن وجوده المستمر في خلايا الكبد وبنسبه ثابتة تقريباًّ. يشير إلى دوره في تحسين وبناء الأنسجة والتمثيل الغذائي، ولقد استعمل الجلوكوز حديثاّ وعلى نطاق واسع من معاونة الكبد للتسمم. وقد ثبت أن كيلو واحد من العسل يفيد الجسم بمقام 3,5 ك لحم أو 12 ك خضار أو 5 ك حليب. وتعويض السكريات المستهلكة بالجسم بسبب المجهود الجسماني أو الذهني وذلك لاحتوائه على الجلوكوز السهل الامتصاص والتمثيل بالجسم والفركتوز البطيء الامتصاص والذي يحفظ سكر الدم.
أنواع عسل النحل وفوائد كل نوع:
فهو ماده علاجية ووقائية وغذائية عالية القيمة فهي مفيدة للأطفال والكبار على السواء فهو لا يمكث في المعدة طويلا ولا يسبب تهيج لجدران القنوات الهضمية ويعمل على تنشيط عملية التمثيل الغذائي بالأنسجة ويجعل عملية الإخراج سهله.
المصادر:
– القرآن الكريم.
– السنة النبوية المطهرة.
موسوعة النحل في إنتاج العسل وتلقيح المحاصيل (2007الأنصاري، أسامة محمد نجيب (-
، الإسكندرية، مصر: منشأة المعارف بالإسكندرية. (1458 صفحة).
– الحفني، عبد المنعم محمد (2005) تربية نحل العسل، جدة: مركز النشر العلمي – جامعة الملك عبد العزيز 591). صفحة).
– المصري، علي (1986) مملكة نحل العسل ومنتجاتها الأمراض التي تصيبها ومعالجتها والوقاية منها، سوريا: دار الكتاب العربي. (389 صفحة).
– شحاته، محمد نظيم و أبو عظمة، ياسر بن حمزة ((1998 علم الحشرات (تركيب – وظيفة – مقارنة)، ” الجزء الأول ” ، المملكة العربية السعودية .المدينة المنورة : مكتبة أبو عظمة للكتب والقرطاسيات .( 971صفحة )