في عالم يتسم بالتغير المستمر والتنافسية العالية، يعد البحث والابتكار من الركائز الأساسية للنمو والتقدم. لكن نجاح الباحث المبتكر لا يعتمد فقط على الأفكار الجديدة أو المعرفة العلمية، بل يتطلب أيضًا سلوكًا ملاحياً دقيقًا ومنظمًا يوجه مساره ويضمن تحقيق أهدافه بكفاءة. يتسم هذا السلوك بالمرونة، الالتزام، والانفتاح على التجارب، وهو ما يعكس العقلية القيادية والإدارية التي يجب أن يتحلى بها الباحث المبتكر.
السلوك الملاحى هو مجموعة من التصرفات والمهارات التي يستخدمها الباحث المبتكر لتوجيه نفسه خلال رحلة البحث والابتكار. يشمل ذلك التخطيط المسبق، التقييم المستمر، التعديل عند الحاجة، والإصرار على تحقيق النتائج المرجوة. هو بمثابة البوصلة التي تساعد الباحث على تحديد الاتجاه الصحيح، وتجنب الانحرافات، والاستفادة القصوى من الموارد المتاحة. وبما أن لكل سلوك خصائص معينة يجب ان تتوافر فيه، فلا بد للباحث المبتكر أن يتحصن بالخصائص الأساسية للسلوك الملاحى للابداع والابتكار والتى يمكن حصرها فيما يلى: (أولا) المرونة والتكيف :القدرة على التكيف مع المتغيرات والتحديات الجديدة، والمرونة في تعديل الخطط والاستراتيجيات حسب الحاجة. الابتكار يتطلب أحيانًا تغيير المسار أو تعديل الأفكار لتتناسب مع المتطلبات الجديدة. (ثانيا) الانضباط والتنظيم: الالتزام بخطط واضحة، وتنظيم الوقت والموارد بشكل فعال. الانضباط يضمن استمرارية العمل وعدم التراجع أمام العقبات. (ثالثا) التحليل والتقييم المستمر: تقييم النتائج بشكل دوري، وتحليل البيانات لاتخاذ قرارات مستنيرة، مما يعزز من فاعلية البحث ويجنب التكرار أو الخطأ. (رابعا) القدرة على التوجيه الذاتي : المبادرة، والتحفيز الذاتي، والقدرة على تحديد الأهداف، والعمل على تحقيقها دون الاعتماد الكامل على الآخرين. (خامسا) الصبر والمثابرة : الابتكار غالبًا ما يحتاج إلى وقت وجهود مستمرة، لذا فإن الصبر هو عنصر أساسي في النجاح. (سادسا) الانفتاح على الأفكار الجديدة : استقبال الآراء والنقد البناء، والبحث عن الأفكار المبتكرة من مصادر متعددة.
الوعى والادراك الكامل يؤدى الى ترسيخ مدى أهمية السلوك الملاحى للباحث المبتكر من خلال ما يلى: (أولا) تعزيز الإنتاجية والكفاءة: من خلال تنظيم العمل وتوجيه الجهود بشكل منهجي. (ثانيا) تسهيل مواجهة التحديات: حيث يمكن للمرونة والتكيف أن يساعدا على تجاوز العقبات. (ثالثا) تحقيق الأهداف البحثية بشكل أسرع وأكثر دقة: بفضل التقييم المستمر والتوجيه الذاتي. (رابعا) تعزيز روح المبادرة والابتكار: من خلال الانفتاح على الأفكار الجديدة والتعلم المستمر.
لذا يجب أن يكون هناك تطوير مستمر فى السلوك الملاحى للباحث المبتكر، من خلال بعض السياسات الفعالة التى منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلى: (أولا) تحديد الأهداف بوضوح : وضع خطة واضحة تحدد الخطوات والموارد المطلوبة، لأنه لا يعقل أن يكون الباحث هو اللبنة الأولى والأساسية فى تشييد منظومة البحث العلمى، ويعمل بعشوائية بحثية ولا يمتلك خطط واستراتيجيات محددة يتحرك من أجلها بخطوات متدرجة. (ثانيا) اكتساب مهارات إدارة الوقت والتنظيم: من خلال تنظيم الجدول الزمني واعتماده بشكل دوري. فالباحث الذى لا يمتلك جدولا زمنيا، لن يمتلك أى نوع من الابتكار أو حتى الابداع. (ثالثا) المرونة والقدرة على التكيف: من خلال التعلم المستمر، والتفاعل مع الخبرات الجديدة، فالباحث الذى يتقوقع على نفسه ويكتفى بحصوله على اللقب العلمى ولا يواكب مسيرة التقدم فى مجاله ولا يتفاعل معها، فسوف يفقد كل مقومات عملية البحث العلمى. (رابعا) التحليل المستمر للنتائج والتعلم من الأخطاء: تقييم الأداء وتطوير استراتيجيات جديدة بناءً على الدروس المستفادة. فالباحث الذى لا يحسن تقييم الأداء الذاتى ووضع استراتيجية عمل متواصلة، فلن يتعلم من أى خطأ ولن يواكب أى حتمية لأى تطور حادث أو متوقع الحدوث. (خامسا) الانفتاح على التعاون والمشاركة الفعالة مع الباحثين والخبراء الآخرين لتعزيز الأفكار وتوسيع المدارك.
ومن هنا يأتى التحذير الخطير لأى باحث يتمنى أن يكون باحثا مبتكرا، تحذير من أن يكون هدف الباحث وشغله الشاغل هو الحصول على اللقب العلمى حتى وان كان كل نشاطه العلمى لا يحتوى على أى أفكار ابداعية، وخطورة تكمن فى عدم استثمار كل مجهود وكل وقت فى الوصول الى مرحلة الابتكار. تحذير قد يمتد الى المؤسسة البحثية، تحذير من عدم الالتزام بوضع خطة استراتيجية والعمل على تنفيذها ومكافاة الملتزمين وفى الوقت نفسه معاقبة غير الملتزمين مع ضرورة وأهمية تقييم الأداء الربع والنصف سنوى بل والسنوى أيضا. ان ملحمة الابداع والابتكار لن تكون الا بفرسانها الباحثين الحقيقين الذى يسعون الى الانتصار فى ميادين الابتكار وصولا الى اقتصاد المعرفة الذى يرسخ للتنمية المستدامة وجودة الحياة.
وننتهى بعد الجمع والدمج الى أن السلوك الملاحى للباحث المبتكر هو عنصر حاسم في نجاحه واستمراره في عالم البحث والابتكار. فهو يعكس القدرة على التوجيه الذاتي، والانضباط، والمرونة، والتقييم المستمر، وهي صفات تضمن توجيه الجهود بشكل فعال نحو تحقيق الأهداف المرجوة. لذا، من الضروري أن يعي الباحث أهمية تطوير هذا السلوك والعمل على تعزيزه باستمرار، ليكون قادرًا على مواجهة التحديات وتحقيق التميز في مجاله.