كثيرا ما يجد الفرد معوقات تحول بينه وبين التوافق مع بيئته ومحيطه الاجتماعي في سعيه لإرضاء تلك الرغبة التي تنطلق من داخله تجاه الآخر بغية إحداث أكبر قدر من التقارب. وغالبا ما يكون الفرد نفسه سببا لهذه المعوقات عند عجزه عن وضع سلوكاته ضمن نسق سوي، فيقيم أداؤه على أنه انحراف أو شذوذ يرتبط تحديد هذه المفاهيم بعلم النفس المرضي أو ما يسمّى بعلم نفس الشواذ، حيث يدرس هذا الأخير الإضطرابات الوجدانية، العقلية، السلوكية والنفسية الإنسانية.
أشهر تعريف للسلوك المرضي هو الذي يرى أن السلوك عبارة عن شذوذ أو انحراف عن المعايير التي يتبناها مجتمع ما. ورغم شيوع هذا التعريف المختصر فإنه لا يعتبر تحديدا دقيقا للمفهوم، إذ ليس كل شذوذ أو انحراف عن المعايير سلوك مرضي، فالعبقري مثلا يقع خارج دائرة السلوك المعياري (للذكاء مثلا) لكنه لا يعتبر مريضا.
هناك تعريف آخر يحدد السلوك المرضي على أنه سلوك لاتوافقي أي السلوك الذي تكون له انعكاسات سلبية بالنسبة للفرد والمجتمع. وبناءا على هذا التحديد فإن المرض النفسي هو العجز عن السلوك المقبول اجتماعيا حيث تكون لذلك انعكاسات سلبية على الفرد والمجتمع. قد يكون هذا العجز انعكاسا لعطب عضوي، أو خلل وظيفي، وقد يكون ترابطا بين هذا وذاك كما يؤكد بعض العلماء.
يبدو أن تحديد السلوك السوي واللاسوي من أصعب الأمور، ذلك لأن عوامل التنشئة الاجتماعية تختلف من مجتمع لآخر باختلاف المستويات الحضارية، بتنوع الثقافات والديانات. فما يبدو في مجتمع ما بأنه سلوك لاسوي قد يكون في مجتمع آخر سلوكا عاديا ومقبولا حسب الدراسات الأنثروبولوجية.
لكننا نستطيع القول أن العرف والمعايير الإجتماعية في سياق اجتماعي معين هي التي تحدد طبيعة السلوك من حيث الشذوذ أم السواء. وغني عن البيان أن المعايير الإجتماعية والسلوكية تتحدد بدورها بفعل التفاعل الإجتماعي الذي يحدث بين الأفراد والجماعات في إطار ثقافي، حضاري وديني معين.
السلوك الإنساني.. بين السواء والشذوذ
شارك المقالة