كيف تساهم الرياضة في الصحة النفسية؟
لا يخفى علينا تأثير الرياضة على الجوانب العاطفية والمعرفية للصحة النفسية، مثل أنها تحسن الصورة الذهنية للإنسان عن جسده وتشعره بالإنجاز وتساعد على صب انتباهه على تفاعلات جسده وإعادة اتصاله به، وبالتالي تأخذ انتباهه عن الضغط النفسي والأفكار والمشاعر السلبية.
ولكن ما قد يكون جديدا بالنسبة للبعض هو معرفة الأثر الفسيولوجي للرياضة على الصحة النفسية.
فقد أثبتت دراسات عدة –منها واحدة في جامعة تشنج كونغ الصينية- أن الرياضة تغير في كيمياء الجسم إلى حد قد يعادل العقاقير المستخدمة للعلاج النفسي!
فعند ممارسة الرياضة يحدث الآتي:
-تفرز الخلايا مادة السيروتونين وهو ناقل عصبي يساعد على تعديل الحالة المزاجية وانخفاضه قد يؤدي للاكتئاب.
-يفرز أيضا هرمون الإندورفين وهو هورمون السعادة الذي يفرزه الجسد كمسكن طبيعي للألم ومرخي للعضلات، كما أنه يتسبب في الشعور بالإنجاز وإحساس المكافأة.
-إفراز النورإبينيفرين وهو هورمون يساعد أيضا على تحسين الحالة المزاجية.
وجميعهم ينشطون الذاكرة ويزيدون من القدرة على التركيز، فالإندورفين يحفز المخ على انتاج خلايا عصبية جديدة.
-كما أنها تقلل مستوى الكورتيزول، وهو هورمون يفرز عند الضغط وبإمكان زيادته أن تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والسمنة وضغف العضلات.
الرياضة والاكتئاب واضطرابات القلق
أثبتت عدة أبحاث، من ضمنها واحدة أجريت في جامعة هارفارد بمدرسة الصحة العامة في أمريكا، أن المشي لمدة 30 دقيقة أو الركض لمدة 15 دقيقة 5 أيام في الأسبوع قد تصل فعاليته في علاج الاكتئاب -المتوسط الحدة- لفعالية الأدوية بل أن أثره دام أكثر من أثر بعض الأدوية.
وممارسة الرياضة على المدى الطويل أيضا تزيد من فعالية الأدوية إذا صاحبتها، وعلى المدى القصير تحسن المزاج وتصرف انتباه الإنسان عن مشاعر القلق للتركيز على تفاعلات جسده مع الرياضة، مثل إيقاع أنفاسه وملامسة الهواء لوجهه ووقع أقدامه على الأرض وإحساسه بانقباضات عضلاته وانبساطاتها.
كما أنها تقلل احتمالات الإصابة بالاكتئاب واضطرابات القلق بنسبة 26%، وتمنع انتكاساتهم، وذلك طبقا لدراسة على طلبة الجامعة بولاية إنديانا في أمريكا.
الرياضة والنوم
طبقا لمعهد الصحة الوطني ومنظمة القلب الأمريكية، 10 – 30 دقيقة من المجهود المتوسط خمس مرات اسبوعيا تساعد على سرعة الدخول في النوم وتزيد من عمقه وتجعل دوراته أكثر انتظاما.
وذلك يحدث بسبب أن الرياضة تزيد من درجة حرارة الجسد تدريجيا، وبمرور الوقت الذي يحتاجه الثرموستات في الجسد ليلتقط تلك الزيادة فيقللها، ليؤدي إلى انخفاض درجة حرارة الجسد مرة أخرى، يتحفز الجسد خلال هذا الوقت عبر تلك التغيرات الحرارية للنوم العميق.
ويعتبر ذلك من الطرق المساعدة على علاج الأرق.
والمجهود المتوسط يعرف بالآتي:
-أن تشعر بزيادة معدل تنفسك ولكن دون أن تحتاج للتوقف لالتقاط أنفاسك، فمثلا تستطيع أن تتكلم أثناء ممارستك له.
-أن تشعر بارتفاع حرارة جسدك أو بتعرقه ولكن ليس إلى حد مفرط.
كيف نبدأ؟
-ابدأ تدريجيا وحدد أهداف مناسبة وقابلة للتحقيق.
– حدد لنفسك وقتا بسيطا مثلا 10 دقائق من المشي، لتكسر حاجز البدء والخطوة الأولى، والغالب أنك ستجد في نفسك القدرة والإرادة للاستمرار أكثر مرة في مرة.
-حدد لرياضتك وقت ثابت في اليوم حيث يكون مستوى طاقتك عال.
-بإمكانك البدء باختيار الأنشطة الأقرب لقلبك والأنسب لاهتماماتك حتى وإن كانت عبر القيام بمسؤوليات أو مهام لترتيب أو تنظيف المنزل.
-احرص على ارتداء ملابس مريحة.
-كافئ نفسك بانتظام، مثلا بحمام ساخن أو مشروب صحي تفضله أو مشاهدة برنامج تحبه.
-اجعله نشاط اجتماعي أو وقت للاختلاء، بنفسك حسب حاجتك.
حتى إن لم تمارس الرياضة على شكل فقرات منتظمة، الحركة في عمومها تحقق فائدة، حتى على أبسط اشكالها، داخل منزلك أو خارجه، استخدام السلالم بدلا من المصعد حتى لو لطابق واحد، أن تصف سيارتك أبعد من وجهتك بمسافة بسيطة لتمشي مسافة أكبر.
والفائدة الكبرى تكمن في إدراكك ومحاولاتك وسعيك ولا تكمن بالضرورة في التائج القابلة للقياس.
ملحوظة: لا ينصح بتقليل تناول الأدوية لعلاج الأمراض النفسية أو التوقف عنها دون استشارة الطبيب.
المصادر:
https://www.fsem.ac.uk/position_statement/the-role-of-physical-activity-and-sport-in-mental-health/?fbclid=IwAR1R65T7Ovqblxy9uyvBV8uXpxMYZN_VubL66QAYyIc4Z8VZyPl9ILo9Muc