على الرغم من أن أجسامنا تنتج الخلايا السرطانية بشكل مستمر، إلّا أن معظمها يتم التعرف عليه من قبل جهاز المناعة الذي يقوم بتدميرها، ولكن مع ذلك، فإن بعضها يتمكن من الهروب من نظام المراقبة الفطري هذا، ويجد لنفسه مكاناً للبقاء والنمو.
تتموضع العديد من الجينات التي تنفصل عن الخلايا السرطانية في المنطقة المحيطة بالورم مباشرة، والتي تدعى بالبيئة المكروية للورم، وفي حين أنه من المعروف أن هذه الجينات تقوم بدعم وتعزيز نمو الخلايا السرطانية وتكاثرها، إلّا أنه من غير المعروف ما إذا كان لهذه الجينات تأثير على الخلايا الطبيعية المجاورة.
ولكن مؤخراً قام فريق من الباحثين من كل من جامعة ديلاوير، مستشفى نيمور ألفريد أي دوبون للأطفال، مستشفى سانت جوزيف، والمركز الطبي في فينكس، بالإشارة إلى أن الخلايا السرطانية يمكن أن تسبب في تحويل الخلايا الطبيعية المجاورة إلى خلايا سرطانية، وقد تم توثيق هذا البحث في النسخة الإلكترونية من مجلة (Cell Science).
استخدم الباحثون نظاماً تشاركياً ثلاثي الأبعاد، قاموا خلاله بإنماء خلايا طبيعية وخلايا سرطانية معاً في ذات المكان، بطريقة تحاكي الوضع داخل الجسم.
من خلال التجربة، وجد الباحثون بأن الخلايا السرطانية تقوم بإنتاج أنزيم يدعى “البروتياز”، وهو أنزيم يقوم بفصل جزيء الالتصاق الذي يجمع بين الخلايا والذي يدعى بالـ”أي-كادهيرين” عن الخلايا الطبيعية، وهذا بدوره يؤدي إلى تحرير جزيء الأي-كادهيرين الموجه إلى خارج الخلايا، وهذا الجزء المعين يقوم بتذويب الإي-كادهيرين، ومن ثم يرتبط مع جزيء ناقل للإشارة يسمى مستقبل عامل النمو البشري والذي يوجد على الخلايا الطبيعية مما يحولها إلى خلايا سرطانية.
تبعاً لـ(براتيما باتيل) وهي حاصلة على شهادة الدكتورة في مجال العوم البيولوجية من جامعة ديلاوير، فإن المصل المأخوذ من مرضى السرطان البالغين عادة ما يحتوي على مستويات عالية الأي-كادهيرين، وهذه النتائج تثبت بأن الخلايا السرطانية تقوم بتعديل الخلايا الظهارية العادية، وتعطل بنيتها الهندسية الخلوية، وتستخدمها كشركاء لتوليد المزيد من جزيئات الأي-كادهيرين، مما يسهل من تطور الورم.
بحسب (أيابان رجاسيكاران)، وهو أستاذ مساعد في العلوم وهندسة المواد في جامعة ديلاوير، فإن هذه هي المرة الأولى التي تثبت فيها الأبحاث بأن الخلايا السرطانية يمكن أن تحدث من تطور مرض السرطان في الخلايا الطبيعية المجاورة، وهذا قد يساهم بشكل أساسي في تطور الدراسات المستقبلية.
يضيف (رجاسيكاران) بأنه تماماً كما هو الحال بالنسبة للبكتيريا والفيروسات، يمكن للخلايا السرطانية أن تصيب الخلايا الطبيعية بالعدوى وتعزز من تطور السرطان، وهذه النتيجة تفتح مجالات جديدة أمام أبحاث السرطان، بما في ذلك تحديد كيفية تفاعل الخلايا السرطانية مع الخلايا الطبيعية المجاورة وحث تطور مرض السرطان.
أخيراً، ومن المنظور السريري، فإن هذا الاكتشاف يثير مسألة ما إذا كان خفض مستويات الإي- كادهيرين لدى مرضى السرطان يساهم في إبطاء تطور السرطان وتحسين خيارات العلاج، حيث يشير (رجاسيكاران)، بأنه ينبغي للدراسات المستقبلية التي ستعتمد على هذه النتائج أن تعطي بعداً جديداً لفهمنا لتطور مرض السرطان وكيفية علاجه.