وجد الباحثون اعتماداً على تجارب تم إجراؤها على الفئران، أن هناك طريقة جديدة لتوليد الأوعية الدموية بعد الإصابة بالنوبات القلبية، قد تساعد على التخفيف من الأضرار الناجمة عن النوبة القلبية، وقد تسهم في التسريع من فترة علاجها، وذلك بتحويل الخلايا التي تسمى الخلايا الليفية، والتي تسبب تشكل الندبات، إلى خلايا البطانية التي تعمل على توليد الأوعية الدموية لتوفير الأكسجين والمواد المغذية إلى مناطق القلب المصابة.
تتم عملية التحويل هذه بمساعدة بروتين يدعى (P53)، وهو بروتين معروف بقدرته على كبح الأورام، حيث أظهر الباحثون أن زيادة مستويات البروتين (P53) في الخلايا المكونة للندبات أدى إلى انخفاض كبير في تشكل الندبات وساهم في تحسين وظيفة القلب بعد التعرض للنوبات القلبية.
إن نتائج البحث التي تم نشرها في مجلة (Nature) تظهر أنه من الممكن الحد من الأضرار الناجمة عن النوبات القلبية، التي تصيب حوالي مليون شخصاً سنوياً في الولايات المتحدة فقط، حيث أن واحداً من كل أربع وفيات يكون سببها الأمراض القلبية في كل عام.
يشير (اريك اوبيل)، وهو زميل ما بعد الدكتوراه في جامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل، والمؤلف الأول للدراسة، إلى أن الاعتقاد السائد علمياً كان يشير إلى أن الخلايا الليفية لا تمتلك خاصية التدخل لتغيير الأنواع الأخرى من الخلايا، إلّا أن هذه الدراسة أظهرت أن هذا الاعتقاد غير صحيح، فقد تبين أن الإصابات نفسها قد تحفز الخلايا الليفية لتتحول إلى خلايا بطانية مما يساعد القلب على الشفاء بشكل أفضل، كما استطاع العلماء من خلال هذه الدراسة أيضاً الوصول إلى الدواء المناسب الذي يحفز عملية التحول بشكل أكبر، مما يؤدي إلى تشكيل المزيد من الخلايا البطانية، والتي تقوم بدورها بتشكيل الأوعية الدموية، وقد كانت نتائج هذا الدواء مذهلة لدى الفئران.
كيف تتشكل الندوب:
بعد تعرض القلب لأزمة قلبية، تقوم الخلايا الليفية باستبدال الخلايا العضلية المتضررة من القلب بندبات، وهذه الندبات يمكن أن تؤدي إلى تصلب جدران القلب والتقليل من قدرتها على ضخ الدم في جميع أنحاء الجسم، وفي الوقت ذاته تقوم الخلايا البطانية بتصنيع أوعية دموية جديدة لتحسين وصول الدورة الدموية إلى المنطقة المتضررة، ولكن في بعض الأحيان فإن هذه الخلايا البطانية تتحول بشكل طبيعي إلى خلايا ليفية وتنضم إلى الندبات.
هذا ما دعا (اوبيل) وزملائه للتساؤل عن إمكانية عكس هذه الطريقة وتحويل الخلايا الليفية إلى خلايا بطانية، وللتأكد من هذه الفكرة، قام الفريق بافتعال نوبة قلبية في فئران، ومن ثم قاموا بدراسة الخلايا الليفية لمعرفة ما إذا كانت تبدي أي علامات مميزة قد تشابه علامات الخلايا البطانية، وقد تبين أن ما يقارب ثلث الخلايا الليفية التي توجد في منطقة إصابة القلب كانت تحمل هذه العلامات البطانية، ومن هنا استطاع الباحثون استنتاج أن الخلايا البطانية المتولدة من الخلايا الليفية يمكنها تشكيل أوعية دموية وظيفية.
كيف تم تحديد البروتين الذي يدخل في عملية التحويل
بعد ذلك قام (اوبيل) وزملاؤه بتحديد الجزيء الذي تسبب في هذا التحوّل، ولأن النوبة القلبية تعتبر من التجارب التي تسبب الإجهاد، لذا عمد (اوبيل) إلى وضع قائمة بالجينات التي تعرف بأنها تتدخل في الاستجابات الخلوية للإجهاد، وكان البروتين المتصدر في قائمته هو بروتين (P53)، وهو بروتين يدعى في كثير من الأحيان باسم “حارس الجينوم” لأنه يدفع الخلايا الخارجة عن السيطرة للانتحار، أو الموت المبرمج، مما يقلل من احتمالية تشكيلها للأورام.
وجد (اوبيل) أن البروتين (P53) يبدأ بالعمل في الخلايا الليفية بعد تعرض القلب للإصابة، وذلك على ما يبدو لتنظيم الخلايا الليفية لتصبح خلايا بطانية، حيث بينت التجارب أن إيقاف عمل بروتين (P53) في الخلايا المكونة للندبات لدى الفئران البالغة، أدى إلى انخفاض عدد الخلايا الليفية المتحولة إلى خلايا بطانية بنسبة 50 %، وبالمثل، فإن رفع مستويات البروتين (p53) أدى إلى زيادة عدد الخلايا الليفية التي تتحول إلى خلايا بطانية، ولأن البروتين p53)) غالباً ما يكون متحوراً أو مفقوداً في الخلايا السرطانية، فإن تصميم مركبات معينة لزيادة مستوياته، يمكن أن يؤدي لإيجاد علاج مضاد للسرطان.
نتائج البحث
اختبر الباحثون الكثير من الأدوية التجريبية لزيادة مستوى بروتين p53))، وفي النهاية وقع اختيارهم على دواء يدعى (RITA) وقاموا باستخدامه لعلاج الفئران على مدى بضعة أيام بعد تعرضها للإصابة القلبية، وأتت النتائج مذهلة، حيث استطاع الباحثون مضاعفة عدد الخلايا الليفية التي تتحول إلى خلايا بطانية في الفئران، فبدلاً من تحول 30 % فقط من الخلايا الليفية بشكل طبيعي إلى خلايا بطانية، استطاع هذا الدواء حث 60 % من الخلايا الليفية لتتحول إلى خلايا بطانية، مما أدى إلى تحسن كبير في حالة الفئران التي تمت معالجتها، حيث يشير (اوبيل) إلى أن معدل تشكل الندبات انخفض بشكل كبير، كما أن الفحص الدوري للفئران بيّن تشكل المزيد من الأوعية الدموية في موضع الإصابة بشكل مستمر، مؤدياً بذلك إلى حدوث تحسّن كبير في وظيفة القلب، والحد بشكل كبير من آثار نوبة قلبية.
بحسب (اوبيل)، فإن هذه الدراسة قد تؤدي إلى تكوين استراتيجية جديدة لعلاج النوبات القلبية، إلّا أن هذا سيحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة، أما الآن فيقوم الباحثون باختبار امكانية تطبيق هذا النهج في علاج الندبات التي تحدث في أعضاء أخرى من الجسم بعد الإصابة.