ياله من مكان مظلم وضيق جدا! فهو يشبه الصندوق الذي لا يكاد يتجاوز ارتفاعه المترين، وعرضه المتر ونصف، ودرجة الحرارة داخله حوالي 40!!
ألوانه الرمادية الكئيبة من الداخل وكتابة صبيان الحي على جدرانه تضيف مزيدا من التعاسة عليه. على مضض أمسكت الجدة باب ذلك المصعد المتهالك بيدها الحانية وفتحته لحفيدتها التي حضرت معها لإيصالها. كانت حينها الساعة تشير إلى الحادية عشرة مساءا، صعدت الجدة وحفيدتها داخل المصعد وضغطت على الرقم 11 للصعود لمنزل الجدة. أقفلت الجدة الباب، وبدأ المصعد بالارتفاع
ودون سابق إنذار، انقطع التيار الكهربائي عن المصعد..وياللمصيبة!! فلاتزالان في الدور الرابع ..وهنا تغيرت معالم وجه الحفيدة واتسعت حدقات عينيها، وماهي إلا ثوان حتى بدأت تصيح خوفا من توقف المصعد وانقطاع التيار. حينها، أمسكت بيد جدتها وضمتها إلى صدرها خوفا من ذلك الظلام الدامس والهدوء الصارخ الذي بدأ يحيط بالمصعد. تناولت الجدة المسكينة آنذاك منديلا لتحاول مسح دموع حفيدتها المسكينة ، ومن ثم فتحت حقيبتها اليدوية وتناولت هاتفها المحمول، وحاولت جاهدة الاتصال بالطوارئ أو حارس العمارة، لكن هيهات..هيهات! فلا يوجد تغطية أو شبكة داخل ذلك المصعد المتهالك ، حاولت الجدة ضغط زر الطوارئ في المصعد..ولا نتيجة..حتى هذا الزر معطل
ما الحل؟
بدأت ضربات قلب الجدة تتزايد خاصة مع اشتداد بكاء تلك الطفلة، وبدأت الوساوس تأخذها يمنة ويسرة، وضعت يدها على مقدمة رأسها وأغمضت عينيها لعلها تهتدي إلى حل. بدأت بالتفكير..ولا تزال الطفلة تذرف الدموع خوفا من مصيرها ومصير جدتها. وضعت الطفلة رأسها في حضن جدتها وضمتها بشدة لعلها بذلك تنسى هول الحادث الجلل الذي ألم بهم. فتحت الجدة عينيها ووضعت يديها على رأس حفيدتها وبدأت تلاعب شعرها وتقول لها: حبيبتي..لاتخافي، فإن الله معنا وسيأتي الحارس كي يخرجنا، فقط اصبري قليلاً
هنا ردت الحفيدة: لكن ياجدتي الساعة الآن متأخرة، والحارس يغط في سبات عميق
قالت الجدة: لا عليك! ستفرج إن شاء الله، حينها تبسمت الحفيدة وهي تذرف الدمع وقالت: حسنا ياجدتي ونعم بالله. وطلبت الجدة من حفيدتها أن تنادي على الحارس لعله يسمعهما. وفعلا قامت الحفيدة بذلك. وبدأ صوت الحفيدة يملأ المصعد..محاولة بكل مالديها من قوة كي تلفت انتباه الحارس، وماهي إلا لحظات حتى سمع قرع أقدام تقترب منهم، وبدأت حينها بالصراخ: النجدة..ساعدونا
صرخ الحارس وهو يقترب من باب المصعد:من هنا؟
فردت الجدة..أرجوك أخرجنا فنحن محتجزون داخل المصعد
فرد الحارس: لا تخافوا! فلقد نجوتم، وقال للجدة وهو يضع فمه بالقرب من باب المصعد: اضغطي على الزر الأخير والزر الأول في آن واحد
الجدة: لماذا أيها الحارس؟
الحارس: إنه زر إلكتروني سيمكننا من فتح الباب
وبالفعل، ضغطت الجدة الزرين معا، وما هي إلا لحظات حتى فتح الباب، وخرجت الجدة مع حفيدتها وكأنهن خرجن من الجحيم للنعيم. وهنا انهمرت دموع الجدة وحمدت الله
وتعالت ضحكات الحفيدة وقالت للجدة: ما هو سر هذين الزرين يا جدتي؟ فردت الجدة: بهما شيء يسمى ترانزستور
قالت الحفيدة: ترانزستور؟!؟ ما هذا ياجدتي؟ وكيف يعمل؟ وهل وضعه الحارس مسبقا؟
تعالوا نشاهد هذا المقطع الممتع لنتعرف على صاحبنا الترانزستور
تعود قصة اختراع الترانزستور إلى بدايات القرن العشرين. والجدير بالذكر أنه من الخطأ أن ننسب ذلك الاختراع العظيم إلى شخص واحد أو عالم بعينه، بل هو نتاج بحث وتطوير مجموعة من العلماء، فلقد ابتدأت بخطوات بسيطة كان يقوم بها باحثون وانتهت فيما وصل إليه الباحثون في معهد أبحاث بل في أمريكا عام 1947.
لا أخفيكم أن هذا العنصر هو من أكثر العناصر التي أرقتني حينما كنت في المرحلة الثانوية واستمر ذلك حتى المراحل الأولى في الجامعة. فبحثت كثيرا في الكتب ، المجلات، وحاولت أن أسأل الطلاب الذين يكبرونني وحتى المدرسين لأفهم ما هي حقيقة ذلك الترانزستور وكيف يتم استخدامه بالطريقة الصحيحة؟ وما هي تطبيقاته؟ ولم أقتنع حينها بالترانزستور وطريقة استخدامه نظرا للطريقة الرياضية البحتة التي تم من خلالها شرح الترانزستور، حتى من الله علي بمصاحبته كثيرا بعد انتقالي للعمل. فتغيرت نظرتي له، وبت أفهم نوعا ما كثيرا من الغموض الذي كان يعتري ذلك العنصر الهام. فتدوينتي لهذا اليوم ستجيب عن بعض تلك الاستفسارات التي لاتزال عالقة في أذهان الهواة والطلاب وحديثي التخرج عن أهمية العنصر وكيفية استخدامه في التطبيقات العملية.
ما هو الترانزستور؟
الترانزستور هو نبيطة “عنصر” إلكتروني شبه موصل يشبه العم الدايود، أي أنه أحيانا يوصل التيار الكهربائي وأحيانا يمنعه وذلك اعتمادا على مقاومته الداخلية التي تعتمد على كمية الجهد المطبق على أحد أطرافه “قاعدته”.
للترانزستور ثلاثة أطراف: انظروا الشكل التالي للتعرف على أطراف الترانزستور
الترانزستور له ثلاثة أطراف: القاعدة والباعث والمشع.
فمن ناحية التركيب الداخلي، يتكون الترانزستور من شريحتين ملتصقتين ببعضهما البعض مصنوعتان من مواد شبه موصلة كالسليكون والذي يضاف إليه شوائب من مادة أخرى كالجرمانيوم لنكون حينها قادرين على صنع نوعين مختلفين من الشرائح، الأولى من نوع م-س “موجب -سالب” والأخرى س-م “سالب -موجب”. وعند دمج هاتين الشريحتين ببعضهما البعض بطريقة هندسية معينة يتحول ذلك التشكيل لشيء يشبه لحد كبير الدايود. وعند دمج شريحتين مختلفتين في القطبية ببعضهما نحصل على الترانزستور الظاهر في الصورة أدناه:
وهنا ننبه أن للترانزستور نوعان: م-س-م والآخر س-م-س الفرق فقط في القطبية لكن آلية العمل واحدة
حسنا وسيم..هذا كله كلام قرأناه وسمعنا به، مالذي يقوم به الترانزستور؟
للترانزستور تطبيقات رئيسية:
الأول هو أن يستخدم كمفتاح كهربائي
والثاني أن يستخدم كمكبر للإشارة
الثالث أن يستخدم كمذبذب
والرابع كمنظم جهد
ففي التطبيق الأول يمكننا تشبيه عمل الترانزستور ببساطة بأنه مفتاح كهربائي سيسمح بمرور التيار بين طرفين من أطرافه: من المجمع “يرمز له بحرف سي” إلى الباعث”المشع يرمز له بحرف إي”، وذلك بشرط أن يكون هناك جهد مطبق على قاعدته. شاهدوا الصورة التالية:
الشكل الأيمن هو للترانزستور من نوع م-س-م ، بينما الأيسر فهو لنوع س-م-س
تخيلوا معي كما في الشكل الأعلى أن الترانزستور عبارة عن مفتاح يتم التحكم به من خلال القاعدة، بحيث أن التيارالمتواجد على المجمع ينتظر إشارة التحرك للانتقال للباعث، وإشارة البدء هي أن نقوم بتطبيق جهد كهربائي صغير وتيار صغير على القاعدة بحيث يكون أكبر من جهد الباعث بمقدار 0.6 فولت كحد أدنى، وعندها سيبدأ التيار بالانتقال من المجمع للباعث. وهناك شرط آخر أيضا هو أن يكون جهد المجمع أكبر من جهد الباعث كذلك. هذا كان في حالة نوع س-م-س. والعكس الصحيح في حالة النوع الثاني.
الجدير بالذكر أن نوع م-س-م ، لا يحظى بشهرة كبيرة بين المستخدمين وذلك لأنه في بداية اختراعه كان صعب التصنيع فلجأ أغلب المصممين الاعتماد على النوع س-م-س. لكن ذلك لا يعني أن لانشاهد نوع م-س-م في الدارات الإلكترونية.
وملاحظة بسيطة: فإن الترانزستور سيعمل كمفتاح وفي حالة عدم تطبيق أي جهد على القاعدة فإنه لن يسمح بمرور التيار بين المجمع والباعث، لكن في واقع الأمر فإن هناك تيارا صغيرا جدا سيتسرب بين المجمع والباعث بالرغم من عدم قدح الترانزستور.
إذا لنلخص ما ذكرته بالنقاط التالية:
1. يمكن تشبيه عمل الترانزستور بمفتاح بين طرفين هما الباعث والمجمع
2. لن يبدأ التيار بالمرور بين الباعث والمشع “الباعث” حتى يكون جهد القاعدة أكبر من الباعث بـ 0.6 فولت كحد أدنى
3. لا بد أن يكون كذلك جهد المجمع أكبر من الباعث
4. أغلب المصممين يعتمدون نوع س-م-س في تصاميمهم
هذا ولننتبه أنه في حالة تطبيق الجهد على القاعدة فلابد من حمايتها بوضع مقاومة على التسلسل كي نحميها من قيم التيار الكبيرة التي ستمر خلال القاعدة.
هل هناك دارة عامة بحيث يمكن استخدامها لتنفيذ تطبيق الترانزستور كمفتاح؟
نعم تفضلوا هذه الدارة
الجهد المستخدم في هذه الدارة رمزنا له بـ V+
ويمكنكم استخدام أي مصدر مع مراعاة تحمل الترانزستور والمقاومات والحسابات المتعلقة بها
وإليكم الخطوات التالية كي نتعلم اختيار الترانزستور المناسب لتطبيقنا ولنحدد قيمة مقاومة القاعدة اللازمة لتشغيل الترانزستور:
1. يجب معرفة أقصى قيمة لتيار المجمع وهي في هذه الحالة قيمة التيار القصوى لتيار الحمل والتي يمكن حسابها ببساطة بقسمة قيمة الجهد على مقاومة الحمل.
مثال: لنفترض أن مقاومة الحمل هي 100 أوم وجهد الحمل هو 10 فولت فإن تيار الحمل سيكون 10/100 = 0.1 أمير
أي أن قيمة تيار المجمع هي 0.1 أمبير
2. يجب أن نحدد قيمة الكسب أو الربح الخاصة بالترانزستور والتي يرمز لها اختصارا
hFE
وهذه القيمة تذكر في ملف المواصفات الفنية للترانزستور. وليعمل الترانزستور كمفتاح، فلابد أن تساوي قيمة الكسب خمسة أضعاف قيمة تيار المجمع أو تيار الحمل المتصل بالترانزستور مقسوما على تيار القاعدة.
ففي مثالنا السابق بما أن تيار الحمل الذي حسبناه كان 0.1 أمبير وتيار القاعدة يمكن فرضه على أنه ذو قيمة لنقل تجاوزا أنها 5 ميللي أمبير فمعنى ذلك أن قيمة الكسب التي يجب توفرها في الترانزستور هي:
0.1/0.005= 20
ويجب أن تكون خمسة أضعاف هذا الرقم أي 20*5 =100
3. اختيار قيمة مقاومة القاعدة التي تحميه من أقصى تيار يمر من خلاله. واختصارا نستخدم العلاقة التالية:
RB = 0.2 × RL × hFE
ويمكننا تعويض القيم التي استخدمناها في مثالنا السابق للتعويض والحصول على قيمة مقاومة القاعدة:
Rb= 0.2*100*100= 2000 Ohm
هذا كان مثالا مبسطا للغاية عن استخدام الترانزستور في تطبيقات المفتاح.
أما التطبيق الثاني وهو المهم كذلك خاصة في دارات الإرسال والسمعيات فهو:
استخدام الترانزستور كمكبر للإشارة
وهذا ما سنحاول نقاشه في تدوينة قادمة بإذن الله
المصادر: